الفنّانتان الفلسطينيّتان الملتزمتان اْمل مرقس وزميلتها سلام اْبو آمنة ،وعشيّة عيد المراْة العاملة ،زفّتا معاً زميلهما الملتزم اْيضاً وبامتياز وانحياز تام لوطنه وشعبه،الفنّان الرّاحل الباقي اْبا عرب /ابراهيم محمد الصّالح ،وذلك في مسقط راْسه بلدة الشّجرة / السّجرة ،جارة بلدة لوبية التي تلبس حلّة ربيعيّة قشيبة لاستقبال مسيرة العودة هذه السّنة،عشيّة ذكرى نكبة فلسطين السّادسة والسّتين ،المئات من الشّجراويّين /ات ،النّازحين والرّازحين اْمّوا بلدة الشّجرة الشّامخة ،رغم الاقتلاع والتّرحيل القسري ،وبعد معارك ومواجهات دامية مع القوات الاسرائيليّة وشهداء كُثُر ،ومن بينهم شاعر الثّورة الشّهيد عبد الرّحيم محمود الذي ضمّخ دمه النّقي تراب هذه البلدة ،وهو القائل بفخر واعتزاز :
سْاْحمل روحي على راحتي واْلقي بها في مهاوي الرّدى
فإمّا حياة تسُرّ الصّديق وإمّا ممات يغيظ العدى
ونفس الشّريف لها غايتان وُرود المنايا ونيل المُنى
يلذّ لنفسي سماع الصّليل ويبهج نفسي مسيل الدّما
واْحمي حياضي بحدّ الحسام فيعلم قومي اْنّي الفتى ...،
وعلى اْنغام : هدّي يا يا بحر هدّي ،الفرقة الموسيقيّة التّلقائية المجتمعة من اْرجاء فلسطين، شيباً وشباباً ،صبايا ونساء ،من صمد من الجيل الاْوّل للمهجّرين ،حملة المشاعل اْبناء الجيل الثّاني ، الثالث والرابع ،انتضموا معاّ في جوقة انشاد ،لعلّها اْكبر جوقة في طول البلاد وعرضها ،هتفوا معاً بصوت شجيّ سخيّ،توقّفت العصافير عن اْداء زقزقتها المعهودة على اْبواب الرّبيع المنتظر ،الطّبيعة هي الاْخرى حنتْ هامتها إجلالاً وخشوعاً لزفّة اْبي عرب في مسقط راْسه ،رغم الصّوت النّشاز لطوّافة الشّرطة وطاقمها غير الانساني ،والمتجرّد من المشاعر الاْخلاقيّة ،واصراره على عدم استعمال مكبّر الصّوت ،وكان الحُقّ ناقص بُقّ ،إجا الاْقرع وْملاّه بشخص من يسمّون اْنفسهم اعتباطاً وزوراً :حُماة الطّبيعة وجودة البيئة !! وهم طفيليّوها ،فحرّروا /لطّخوا مخالفة للمنظّمين ،بدفع :جزية ،خاوة ،غرامة وبلصة بقيمة مائتين وخمسين شاقلاً، ريتهن يكونوا وقف عليهم ،يصيبهن وينيبهن ! اْلسنا في بلاد العجائب والغرائب ،رغم المصائب والنّوائب !! تعالت اصوات الاوركسترا على الهواء ،لا حاجة الى مكبّر صوت :هدّي يا بحر هدّي / لابدّ ما نعود مهما طوّل المشوار يابا /يا توتة الدّار صبرك/على الزمان ان جار /يا توتة الدار حلفتلّك بربّ الكون /هدي يا بحر هدي طوّلنا في غيبتنا / ودّي سلامي ودّي للاْرض اللي ربّتنا /وسلّملي ع َ الزيتونة /على اهلي اللي ربّوني /وبعدا اْمّي الحنونة بِتبَمْشِمْ بِمْخَدّتنا /وبعد ا الفراشة بتحوم / عم تستنظر عودتنا /واحمل لبلادي سلام /لاخوالي وكل الاعمام / وبعدو زغلول الحمام / عِشّو ع َ توتتنا /وعهد الله وعهد الثوّار / ما بنسىى حقّك يا دار /ومهما طوّلنا المشوار / راجعلك يا ديرتنا ....
وبشكل تلقائي تقدّمتْ المحامية التقدميّة نائلةعطيّة الحيفاوية ،ومعها شابّان شهمان وفيّان يحملان نصباً تذكاريّاً اجترحته يد فنان محلي ، ومن رخام بلادنا ،حُفر عليه بالبنط العريض :
هنا في قرية الشجرة وُلد،من هنا هُجّرالشاعر الوطني :ابراهيم محمد صالح / اْبو عرب ،في نكبة 1948 ،دُفنت روحه وجسده في مخيّم حمص للاجئين ،1931 -2014 .
جوقة الشّجرة استمرّت في اْداء الحانها وشدوها ،رغم الموانع والتّعدّيات والانتهاكات المفتعلة من قِبَل الشّرطة ،اْمام الحاح الجمهور واصلت الفنّانتان اْداءهما المنسجم مع طبيعة الشّجرة و،نبعها الصّامد ودرجاته الاثنتين والخمسين ،وان اقتُلعت توتة الدّار ،فقد بقيت شجرة العنّاب واحتضنت الجميع بحنان ووئام ،محل الضّيق بيوسع مئة صديق ،كرمال عيون اْبي عرب ونجله البكر محمد االمهجّر والذي اْصرّ على تحيّة وفود المعزّين ،عبر الهاتف الجوّال وبلغة عربيّة اْصيلة منيعة ،تبعث على الارتياح والثّقة باْنّ المسيرة ما زالت مستمرة ! ومما انشدته الجوقة : شدّوا الهمّة الهمّة قويّة ،عندك بحريّة يا ريّس ،منتصب القامة اْمشي ،لاكتب اسمك يا بلادي عَ الشمس الما بتغيب ،اْناديكم وغيرها من التراث الفلسطيني. الشّاعر نايف سليم اْلقى قصيدة حماسية اْتى بها على النّكبة ،ثوّارها ، شهدائها ورموزها واْبطالها ،وقبل ان يعتلي المنصّة ،نطّ الفشّ من القشّ ،وكاْنّه مرسال الشرطة ، ،اندفع اْحد الطّفيليّن المتزمّتين المتشدّدين ،طالباً ان تخلو القصيدة من السّياسة ! قلنا له :اليس وجودنا هو من جرّاء سياسة القمع ! اْوَتريده ان يرتّل ما تيسّر من سورة آل عمران ؟
الحاجّة نجيّة ذيابات من الشّجراويّات والسّنديانات الباقيات الشّامخات ،ابنة خالة اْبي عرب ومن اْترابه،روت ذكرياتهما معاً فوق ثرى وربوع الشجرة ،باْلم وحسرة ،والدّموع تنهمر من عينيها ،فقالت بلهجتها الفلسطينية الشجراويّة العذبة :اْنا ربيت مع اْبو عرب وناجي العلي في بلدنا ، كنّا نتمرجح مع بعض ع َ التّوتة ببراءة الاْطفال ...اْحد الشّجراويين الشباب إنْغَتْ لِتَوّهِ الى شجرة لوز باقية باسقة ،جاب عُبّ لوز اخضر طازج واْخذ ينثره على الجميع ،ضيافة من خيرات الشجرة المقهورة حاليّاً،الكثيرون منّا ذاقوا لوز الشجرة في زفّة ابي عرب ،لوز بطعم ونكهة خاصّة يذكرنا بلوز بلادنا في طول البلاد وعرضها .
مهجّرو الشجرة ،ابناؤهم واْحفادهم دعوا الجمهور لجولة ميدانيّة في ربوع الشجرة المعطاءة مع كاريكاتيرات الخالد حنضلة ناجي العلي الفلسطيني :انتي مسلم ،اْو مسيحي،سُنّي او شيعي ،درزي او علوي،قبطي او ماروني ،روم كاثوليك اْو روم اْرثوذك .؟...انا عربي يا جحش ! ورغم شحّ المطر ،حتى في مستقرضات العجوز ،إلاّ ان تربة الشجرة المعطاءة ،اْنبتت من مخزونها الذي لا ينضب :الشومر ، العلت ،القرصعنة،الحمّيض، السنيرة ،الخرفيش ،دمّ الغزال ،المُقْرَة ،البسباس ،الزعتر وغيره من نباتات بلادنا ،فكانت وجبة شهيّة ،لذيذة ، مستعجلة ،من الطبيعة وعلى الطبيعة ،رْخَيّص وِكْوَيّس وابن ناس ،بعضهم من ابناء المدن قال :سنين مبارك خير جديد ،عشنا وذقنا من خير السنة وخير الشجرة ،على شرف بوعرب اللي صاغ من جديد الحاننا الفلسطينية التراثية :جفرا ويا هالربع ،يا غزيّل ، مواويل ،عتابا ،على دلعونة ،يا ظريف الطّول وغيرها من تراثنا الخالد .
اْبو عرب واحد من مجموعة مبدعين فلسطينيين اْشاوس ،في الخندق الاْوّل مع طيّبي الذِّكْر :عبد الرحيم محمود ،نوح ابراهيم ،فرحان سلام ،راشد حسين ،حنا نقارة ،ابو سعيد الحطّيني ،حبيب شويري ،منيب مخّول ،محمود درويش ،سالم جبران ،نمر مرقس ،داوود تركي ،عبد الله عيشان ،موريس مخولي و...العديد من رجال فلسطين ،يكفيه فخراً وشرفاً،اْنّه نظم ،لحّن وانشد اْكثر من ثلاث مئة اغنية فلسطينيّة ،مئة واربعون منها مسجّلة على كاسيتات ،وقد ظلّ ينشد ويغنّي لفلسطين حتى وهو يصارع اْجله المحتوم ،وحياة مفعمة بالعطاء بلا حدود ،جسّد الشّخصية الفلسطينيّة بِزيّه العربي التقليدي ،الكوفيّة ،العقال والاْصالة ،إنّه شهيد ،ابن شهيد ووالد لشهيد في اْصدق قضيّة واْقسى نكبة .
الى جنّات الخلد اْبا عرب :ربابة ،قيثارة ،مجوز ،يرغول ،شبّابة وعود العائد الباقي في الشجرة،واْصدق العزاء للاْهل الشجراويين ولشعبنا الفلسطيني المعطاء الذي يصون الود ويحافظ على العهد الى الاْبد . من سجن عكّا طلعت جنازة .....! جازي عليهم يا شعبي جازي .....!السّيدة سماح السلايمة اغباريّة رسمت البسمة والاْمل على وجوه الحضور ،رغم اْجواء الحزن والاكفهرار وزناخة وقلّة اْدب رجال الشرطة .... .كالعادة الغلاّبة ! ولكنّنا سنداوم على ترتيل لازمة اْبي عرب :مجروح يا يُمّا مشتاق يا يابا! والشجرة في القلب كبقيّة اْخواتها الاْربع مئة ونيّف ! ولا عودة عن حقّ العودة ! يا سامعين الصّوت ! صلّوا ع َ النبي المختار ! والحاضر يعلم الغايب ! الملتقى في لوبية ،المنتظرة على اْحرّ من الجمر ! اللهم اشهد اني بلّغت !
[email protected]
أضف تعليق