ليست الحادثة التي قتل فيها يوم الاثنين القاضي الاردني رائد زعيتر برصاص جنود الجيش الاسرائيلي في جسر اللنبي شاذة شذوذا مميزا اذا قيست بحوادث اخرى انتهت الى قتل في المناطق اذا استثنينا أمرا واحدا وهو حقيقة أن الفلسطيني الذي قتل كان بالصدفة مواطنا اردنيا ايضا. ويوجد هنا كما في حوادث اخرى مجموع ظروف عملياتية مركبة من البداية (عمل شرطة للجنود في داخل سكان مدنيين) مع استعمال الجيش الاسرائيلي للقوة الذي يجري احيانا بصورة متسرعة أو مفرطة.

لكن الاحتجاج الاردني الشديد الذي تم تقديمه الى اسرائيل مع العاصفة السياسية التي هاجت في المملكة حثا ديوان رئيس الوزراء في القدس على العمل بصورة غير معتادة، فبعد الحادثة بـ 24 ساعة أو أكثر قليلا نشر ديوان رئيس الوزراء تعبيرا رسميا عن الأسف وأرسل التعزية الى الشعب الاردني والى الحكومة الاردنية، وسلم الاردنيين تقريرا عن التحقيق الأولي بل أعلن انشاء فريق تحقيق مشترك بين الدولتين لاستيضاح الحادثة. وهذه خطوات لم تخطها اسرائيل في أية حادثة قتل فيها مواطن فلسطيني غير مسلح في السنوات الاخيرة.

لن يستطيعوا في الجيش الاسرائيلي أن يقولوا اليوم من الذين سيكونون اعضاء فريق التحقيق. التقى قائد لواء الغور العقيد يارون ب – أون مع الضابط الاردني الذي يحمل رتبة مشابهة وسلم اليه تحديثا من التحقيق العسكري. ونقل مكتب وزير الدفاع ايضا تحديثا مشابها الى السفارة الاردنية في تل ابيب. لكن ما يتبين من التحقيق نفسه الى الآن لا يشير الى استنتاجات غير عادية في شأن سلوك الجنود.

يقول التحقيق إن زعيتر وصل الى النقطة الاولى من المعبر الحدودي وهي الجسر الياباني (الذي بنته حكومة اليابان في فترة اتفاقات اوسلو)، في حافلة نقلت فلسطينيين أرادوا المرور من الاردن الى المناطق. وتبين بعد ذلك أنه كان هناك ما يدعوه الى الغضب لأنه قد اختنق ابنه ابن الخامسة قبل ذلك ببضعة ايام لابتلاعه شيئا وهو يعالج في حالة شديدة جدا في مستشفى في الاردن. ولزعيتر أقرباء يسكنون في نابلس، لكن أقرباءه في عمان، كما تقول الصحف الاردنية، لم يعرفوا قط بأنه ينوي أن يجتاز الجسر.

وكما ورد في صحيفة "هآرتس"، لم توثق آلات التصوير الحادثة. نزل ركاب الحافلة منها لفحص أول يجريه جنديان من سرية الهندسة ومنظم اسرائيلي. وليس من الواضح هل نشأ جدل بين الجنود والقاضي، لكن زعيتر كما يقول الجيش حاول أن يهجم على أحد الجنود وأن يهاجمه بقضيب حديدي طويل يستعملونه كي يفحصوا هل أُخفيت شحنات ناسفة تحت الحافلة. وفي هذه المرحلة أطلق عليه أحد الجنود النار من مدى قريب على رجليه. وأطلق الجندي الثاني النار وأصاب رجليه ويبدو فيما تلا ذلك أن زعيتر أُطلقت النار على الجزء الأعلى من جسمه ايضا. ووجدت في ميدان الحادثة في الحاصل ثمانية خراطيش وتبين أن خمس رصاصات أصابت القاضي. وعلى حسب رواية الجيش الاسرائيلي شهد سائق الحافلة وعدد من الركاب ايضا أمام ضباطه أن زعيتر هو الذي هاجم الجنود أولا وأن هجومه لم يسبقه عنف منهم عليه.

قُتل في اليومين الاخيرين اربعة فلسطينيين في المناطق في حوادث لم تثر انتباها كقتل القاضي من الاردن. فقد قتل بالقرب من مستوطنة بيت إيل شاب فلسطيني برصاص جنود من لواء الشباب الطلائعيين. ويقول الجيش إنه أُطلقت النار عليه حينما كان يرشق سيارات اسرائيلية بالحجارة. وقد أُطلقت النار على الشاب من بعيد وكانت نارا حية. إن تعليمات إطلاق النار تبيح إطلاق النار على الأرجل في هذا الوضع، لكن الشاب أصيب في رأسه.

وفي جنوب قطاع غزة قتل ثلاثة نشطاء من الجهاد الاسلامي بهجوم لسلاح الجو الاسرائيلي. وقد قتلوا بعد أن أطلقوا قذائف رجم على قوة من الجيش الاسرائيلي دخلت الى داخل القطاع ونفذت اعمالا هندسية غربي الجدار الحدودي في منطقة معبر صوفا. والتفاهمات بين اسرائيل وحماس التي تم احرازها بعد عملية "عمود السحاب" في تشرين الثاني 2012 تُمكّن الجيش من العمل في شريط ضيق غربي الجدار وتحرص حماس على تنفيذها. ويتحداها الجهاد الاسلامي احيانا كما فعل اليوم ايضا بعد فترة طويلة. وليس من المعلوم الى الآن هل تتصل الروح القتالية للمنظمة بالاستيلاء على سفينة السلاح الايرانية في البحر الاحمر التي كانت تشمل شحنة قذائف صاروخية بعيدة المدى كان يفترض أن يحصل الجهاد عليها.

بقي فقط أن نرى هل سيستقر رأي الجهاد على الرد على قتل نشطائه بتجديد إطلاق القذائف الصاروخية على اسرائيل، وهو إطلاق تباطأ تباطؤا ما في الاسابيع الاخيرة. ولم تكن حماس على كل حال مشاركة في الحادثة ويبدو أن المنظمة ما زالت تحت الضغط المصري تلتزم على نحو عام بوقف إطلاق النار مع اسرائيل.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]