قرار السلطات المصرية حظر انشطة حركة المقاومة الاسلامية حماس من العمل على أراضيها، واغلاق جميع مكاتبها في القاهرة يصب في خانة “التحرش” و”الاستكبار” و"يقزم" من حجم مصر ومكانتها الاقليمية والدولية، علاوة على كونه قد يفسر على أنه “ضوء أخضر” لإسرائيل بشن عدوان على قطاع غزة وسحق حركة حماس وقتل الالآف من الابرياء في القطاع على غرار ما حدث اثناء اجتياح عام 2008.

فطالما ان هذه السلطات التي تحكم بلدا خاض أربعة حروب ضد اسرائيل وقدم مشكورا آلاف الشهداء فيها يتعاطى مع حركة مقاومة كحركة “ارهابية”، ويحظر وجودها وأنشطتها وفق هذا التصنيف، فلماذا لا تفعل اسرائيل، الدولة المعتدية والمحتلة للمقدسات العربية والاسلامية الشيء نفسه، بل ما هو أكبر منه وأخطر.

لا تحتاج السلطات المصرية لإصدار قرار كهذا، فالحرب التي تشنها ضد حركة “حماس″، وقطاع غزة بالتالي، مستمرة منذ اطاحة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، ولا يوجد أي نشاط للحركة حتى يتم حظره، او مكاتب حتى تقدم على اغلاقها، من خلال حكم قضائي “مسيس″ يكشف عن حجم التدهور في مصداقية المؤسسة القضائية المصرية، والشخص الوحيد الباقي في مصر من قيادة الحركة هو الدكتور موسى ابو مرزوق الذي يعيش محاصرا وكأنه في قفص لا يستطيع المغادرة لأنه يعلم جيدا أنها ستكون تذكرة سفر بلا عودة.

حركة حماس اتفقنا معها او اختلفنا، هي حركة تحرر وطني، قدمت المئات بل الآلاف من الشهداء على رأسهم مؤسسها الشيخ احمد ياسين، والعديد من قادتها السياسيين والعسكريين، وتصدت برجولة وبسالة لاجتياحات واعتداءات اسرائيلية، ووصلت صواريخها الى قلب تل ابيب، وبثت الرعب في قلوب سكانها.

لا نجادل في المقولات المصرية الرسمية التي تتهم حركة حماس بانها الذراع العسكري لحركة الاخوان المسلمين في قطاع غزة، ولا نختلف مع الآراء التي تقول بانها دعمت الرئيس محمد مرسي ورفاقه عندما كانوا في السلطة ويقبعون حاليا خلف القضبان بتهم “مفبركة” ساذجة، ولكن ما يمكن ان نجادل فيه هو عمليات “الشيطنة” التي تمارسها السلطات المصرية واعلامها ضد الحركة لتكريه الشعب المصري الشقيق ليس بها، وانما بكل انسان فلسطيني، خاصة اذا كان من ابناء قطاع غزة الذي تربطه وشائج القربى والدم والتاريخ باشقائه في مصر.

من الواضح أن العدو الأساسي والرئيسي للسلطات المصرية الحاكمة في مصر لم يعد اسرائيل، وانما حركة حماس، وهذا امر مؤسف بكل المقاييس، وغير مسبوق في تاريخ البلاد على مر العصور، فحتى حكم الرئيس حسني مبارك، الذي لا نريد، ولا يمكن ان نترحم عليه، لم يقدم على مثل هذه الحدة في العداء، ولم يغلق نفقا واحدا، وكان رئيس مخابراته اللواء عمر سليمان يغض الطرف عن مرور الاسلحة عبرها، رغم المعرفة الوثيقة لعلاقات الحركة بالإخوان المسلمين.

السلطات المصرية تفرض حصارا خانقا وعقوبات جماعية على مليوني انسان عربي مسلم، حكمت عليهم الاقدار ان يكونوا امتدادا لمصر، وجزءا اساسيا من امنها القومي، مثلما حكمت عليهم ان يكونوا تحت سلطة حركة حماس التي يعاديها حكام مصر الحاليين ويريدون سحقها.

معبر رفح المنفذ الوحيد لهؤلاء الى العالم الخارجي مغلق منذ بداية العام الميلادي ولم يفتح الا لتسعة ايام وللحالات الانسانية الطارئة فقط، اليس هذا الاغلاق عقابا جماعيا لاناس ابرياء، وهل يجوز ان يتم من قبل دولة عربية مسلمة يتحدث قادتها عن الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية ليل نهار؟

نشعر بالام والحزن والمرارة من هذا القرار المجحف الذي سيؤثر حتما، وبطرق كارثية، على اهلنا في قطاع غزة، وعبر قضاء كنا نكن له الكثير من الاحترام بالمقارنة مع نظرائه في الكثير من الدول العربية الاخرى، الى ان هبط الى درجة اتهام رئيس منتخب ويحمل درجة عليا من جامعة امريكية بسرقة الدجاج، فهل كان معتقلا في مزرعة دواجن او حظيرة معيز مثلا؟

ان هذه الخطوة ربما تشفي غليل بعض المسؤولين الكبار في السلطة المصرية الذين يكنون كل العداء، ويتطلعون للانتقام من حركة حماس، ولكنها لن تصب في مصلحة امن مصر واستقرارها في نهاية المطاف، لان الحاكم الذكي والمسؤول الذي يحب بلده، ويريد قيادتها الى بر الامان لا يجب ان تحكم قراراته النزعات الانتقامية الثأرية، وانما العقل والتسامح، وكظم الغيظ، والعمل على كسب المزيد من الاصدقاء، وتحييد الاعداء اذا لم يتأت استمالتهم لصالحه، وتقليص الخسائر اذا لم يستطع منعها او تجنبها، ومن المحزن اننا لا نرى اي مؤشرات تصب في هذه الخانة المتبعة في الكثير من بقاع العالم وعلى مر العصور، ومن قبل عقلائها وراشديها.

صدمتنا حركة فتح اكثر مما صدمنا القرار المصري ضد حركة حماس.. صدمتنا وهي حركة المقاومة الكبرى والرئيسية في التاريخ الفلسطيني عندما قال المتحدث باسمها السيد احمد عساف انه “يتفهم” القرار المصري هذا بحظر الحركة وانشطتها، وان هذا القرار “ناتج عن تدخلات حماس في الشأن المصري، وانحيازها لجماعة الاخوان المسلمين التي صنفتها السلطات المصرية بانها حركة ارهابية”.

مصدر الصدمة ليس فقد هذا التأييد الواضح للاجراءات المصرية بخنق مليوني فلسطيني في قطاع غزة فقط، وانما لان حركة “فتح” تنخرط حاليا في حوار معمق مع حركة “حماس″ من اجل المصالحة الوطنية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، فكيف يستقيم هذا الموقف الذي قد يفسر على انه ينطوي على الكثير من “التشفي” مع حوار المصالحة هذا؟

لم نكن مطلقا مع تدخل حركة حماس في الشأن المصري او اي شأن عربي داخلي آخر ولن نكون، ولكننا قطعا لن نقف في خندق اي حكومة عربية، او غير عربية، تفرض حظرا، او تجرم حركة مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي مهما ارتكبت من اخطاء، فشهداء حركة حماس، واعمال مقاومتها، وتصديها المشرف للاعتداءات الاسرائيلية الظالمة تغفر لها معظم هذه الاخطاء ان لم يكن كلها، خاصة اذا كانت هناك رغبة بتصحيحها، ولا نشك مطلقا في ان الرغبة موجودة، وتصريحات قادتها التي وصلت الى حد الاستعطاف في مدح الجيش المصري وتأكيد على عدم التدخل في شؤون مصر على امل تخفيف حدة غضب القيادة المصرية التي هي خير شاهد على ما نقول.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]