لفتت نظري مجموعة تصريحات أو تصاريح في المصطلح اللبناني المتداول، قرأتها على أحد المواقع المحليّة عندنا للنائب وليد جنبلاط ، حدت بي أن أكتب له هذا الكتاب المفتوح "غُبطنيّة" كما نقول في عاميتنا الشمال- فلسطينيّة. لقد جاء في تصريحه الأول اقتباسا:
"وأذكّر بالجهود الكبيرة التي بذلتها (فعل ماضي) مدى سنوات متلاحقة، والتي بذلها الأمير طلال أرسلان (!) في مساعدة دروز فلسطين على رفض الخدمة العسكريّة الإلزاميّة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي والتمسك بهويتهم العربية الإسلاميّة، وقد نجحنا إلى حد بعيد في ذلك باستثناء تلك الفئة الضالّة والمحدودة التي لا تزال تسير عكس التاريخ والمنطق".
بداية لا بدّ من السؤال التساؤلي لماذا (بذلتها ولا أبذلها) ولماذا توقف هذا البذل؟
ونذكّر نحن حتّى تكمل الصورة أمانة تاريخيّة، أن هذه الجهود جاءت ضمن مشروع التواصل الكبير الذي انطلق من على الأرض العربيّة السوريّة. شرارته الأولىكانت في لقائنا الثنائي العابر في القرداحة ( لاحقا- اقتراح القرداحة) في أربعين الراحل المرحوم الرئيس السوريّ السابق حافظ الأسد يوم 2000\07\20 ، باقتراح أوليّ لعقد لقاء ثنائي بيننا وبينكم، وجاءت ضمن مشروع الزيارات التي كانت القيادة السوريّة لبّت فيه طلب النائب عزمي بشارة وفي هذه المناسبة كذلك، تلبية حملها وزير الخارجيّة السوري حينها السيّد فاروق الشرع للقاء بينهوبين رئاسة الوفد الفلسطيني الذي شارك في إحياء الذكرى.
حقيقة تاريخيّة هي أنه ما كانت لتتم هذه الجهود وهذا التواصل لولا رعاية القيادة السوريّة الحاليّة والتسهيلات التي وفرتها هذه القيادة للنائب وليد جنبلاط والنائب عزمي بشارة لمتابعة اقتراح القرداحةواقتراح عزمي بشأن التواصل مع اللاجئين الفلسطينيّين، وذلك بسبب حريّة حركتهما ،دون غيرهما، حينها ذهابا وإيابا إلى سوريّة كل من موقعه.
دام هذا التواصل ومن خلاله بذل الجهود هذه التي يذكرها ويذكّر بها اليوم النائب وليد جنبلاط، على مدى عقد كامل، وليس دائما بتوافق كامل في الاجتهادات وعينيّا فيما يتعلّق بسوريّة، ولسخرية الأقدار في عمان انطلق وفي عمان توقف، بدء من اللقاء الأول في أيار 2011 في الأردن-عمان بين قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي وقيادة ميثاق الأحرار العرب الدروز في ال48 وانتهاء بلقاء جمع كاتب هذه السطور بالوزير وائل أبو فاعور، مبعوثا، في الأردن-عمّان في ربيع ال2011. ولماذا؟
لأن النائب وليد جنبلاط والنائب عزمي بشارة قرّرا الالتحاق بالمعسكر المعادي لسوريّة وقيادتها بينما ميثاق الأحرار العرب الدروز قرّر الالتحاق بالمعسكر الداعم (بشارة قبل ذلك ولأسباب إضافيّة)، وبالمناسبة ليس ردّا للجميل لسوريّة وقيادتها وعرفانا به، إذ أننا على قناعة أن هذا واجبا على سوريّة وقيادتها قوميّا وعروبيّا وإنسانيّا، وإنما من منطلقات قوميّة عروبيّة ووطنيّة فلسطينيّة وتقدميّة إنسانيّة. لذا صارت الجهود الكبيرة كما جاء في تصريح جنبلاط فعلا ماضيا يُذكّر بها: (وأذكّر بالجهود الكبيرة التي بذلتها).
وهنا لا بدّ من إشارة حمراء قانية، هذا التخلّي عن قيادات مشروع التواصل ومشروع مناهضة الخدمة الإلزاميّة، جاء ومن الاثنين النائب وليد جنبلاط والنائب عزمي بشارة وكل من موقعه وأسبابه(الثاني قبل الأزمة في سوريّة) واشتدّ على خلفيّة الموقف من سوريّة والأول على خلفيّة الموقف من سوريّة، جاء هذا التخلّي تماما في عزّ الهجمة التي كانت تشنها المؤسسة الإسرائيلية عبر مخابراتها والمستشار القضائي للحكومة وما زالت عبر النيابة العامة قضائيّا، على قيادة مشروع التواصل ومناهضة الخدمة الإلزاميّة والتي قررت أن تواجهالمعركة على أرضها هنا لا في قطر ولا في الرياض،وتخوضها منذ سنوات معركة قضائيّة شرسة معزولة الظهر.
كاتب هذه السطور يخوضها في المحكمة المركزيّة في مواجهة 15 ضابط شرطة وعميل مخابرات،وجلسة النطق بالحكم عليه محددة ليوم ال-6 من نيسان 2014 ، والمشايخ من قيادة اللجنة ادينوا في محكمة الصلح وينتظرون جلسة "العقاب" في ال25 من آذار 2014.
أمّا في "التقاسم" في الجهود الذي يشير إليه النائب وليد جنبلاط في تصريحه الآنف، بينه وبين الأمير طلال أرسلان فهذا موضوع مؤلم وفيه وجهات نظر، نفضّل الآن ألا نخوض فيه.
أمّا التصريح الثاني فهو، اقتباسا:
"لم يسبق للدروز في تاريخهم المعاصر أن قاربوا دورهم الوطني والعروبيّ والإسلامي من الموقع الأقلّويّ، وأبرز أعلامهم بذلوا جهودا كبرى وناضلوا في سبيل اندماجهم في محيطهم الواسع...عندما رفضوا العزلة والتقوقع وأجهضوا مشاريع غربيّة وإسرائيليّة لدفعهم في هذا الاتجاه".
أوافقك الرأي هنا تماما، ولكني أتساءل: هل الدور الوطنيّ والعروبيّ والإسلاميّ ومن الموقع غير الأقلويّ صار اليوم مع وفي المعسكر السعوديّ القطريّ التركيّ؟! وهل الحرب على سوريّة اليوم مشروع إيرانيّ شيعيّ (!) والغرب وإسرائيل أصحاب المشاريع موضوع قولك، منها براء؟! وهل المحيط الواسع الوطنيّ والعروبي والإسلاميّ رمزه اليوم صارت داعش والنصرة والائتلاف واللفيف؟!
أنا أعرف أنك قاريء نهم، فهل فعلا فاتتك قراءة اجتهادات وقراءات القيادات الإسرائيليّة بكل صنوفها وأنواعها حول الحاصل في سوريّة واعتبار زوال "النظام السوريّ" مصلحة إسرائيليّة استراتيجيّة وأيا كانت البدائل، فكيف تصحّ الوطنيّة والعروبيّة والإسلاميّة مع هذه الاجتهادات والقراءات؟!
أمّا التصريح الثالث، اقتباسا:
"ولعلّه بعد ذلك كله، بات ضروريّا تعديل تسمية هذه الطائفة لتصبح "الموحدون العرب الدروز"".
المصطلحات أو التسميّات التي استعملت أو أطلقت على الدروز عندنا وعلى مدى سنوات ومنذ النكبة تفاوتت بين "الطائفة الدرزيّة" أو "الطائفة العربيّة الدرزيّة"، حتى انطلق ميثاق الأحرار العرب الدروز مُجمّعا شمل الوطنيين القوميّين فجذر في أدبياتهالتسمية: "العرب الدروز" تأكيدا على الانتماء القوميّ الأوسع والأساس، ولسرورنا صارت هذه التسميّة الغالبة، وبالمناسبة لقد لفت نظري استعمالكم انتم أيضا إياها ثمرة نقاشاتنا. في السياق لنترك التسميات المشيرة في كلماتها إلى الانتماء المذهبيّ،أمَا اتّبع من أشرت إليهم من الرجالات شعار "الدين لله أما الوطن فللجميع" فلتبق التسميات الوطنيّة والقوميّة، ولنترك الأولى للحالات المذهبيّة الخاصة.
وفي نهاية كتابي المفتوح إليك صديقي وليد:
نحن "العرب الدروز في ال48" وأقصد الوطنيّين منهم وطنيين قوميين كنّا أو وطنيين أمميّن، قررنا أنه:
إذا كان الوقوف مع سوريّة بقيادتها الحاليّة، بغض النظر عن دورها في المشروع الذي نحن بصدده، هو من النوع من الوطنيّة والنوع من العروبة والإسلام المُلتقي مع المشروع "الغربي الإسرائيلي العثماني الخليجي" ضدّ سوريّة، فيشرفنا أن نكون براء من هذا النوع من هذه الوطنيّة والعروبة والإسلام، ونحن اليوم أكثر إصرارا وتصميما على موقفنا مع سوريّة وقيادتها الوطنيّة.
خُضنا معاركنا في مواجهة سياسة المؤسسة الإسرائيليّة تجاهنا دون هوادة وحافظنا على هويتنا العربيّة حين كنّا عزّلا ودون ظهير عربيّ، ونخوضها اليوم عزّلا ودون ظهير وسنبقىكذلك وبعد أن صارت جهودك الكبيرة في المساعدة فعلا ماضيا، لشديد الأسف (!)
[email protected]
أضف تعليق