لاشيء يضاهي ذلك الشعور الوجداني الذي ينتابك عندما تكون في المشاعر المقدسة، في مكة المكرمة والمدينة المنورة، سوى وجودك في رحاب «المسجد الأقصى»، والصلاة تحت سقف قبة «الصخرة المشرفة».
فهناك في «القدس» التي تشرفت بزيارتها، على هامش زيارتي إلى «رام الله» ومناطق «السلطة الوطنية»، لمحاورة رئيسها «محمود عباس»، الذي استقبلني بحفاوة فلسطينية لا نظير لها.
.. أقول هناك في «بيت المقدس» تذرف دموعك تلقائياً، عندما تتنفس هواء «المكان المقدسي»، وتكاد تجهش بالبكاء اللاإرادي، عندما تصلي تحت «قبة الصخرة»، التي شهدت «معجزة المعراج»، حيث عرج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العليا، ماراً بالأنبياء آدم ويحيى وعيسى بن مريم ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم عليهم السلام.
هناك في «القدس» يدق قلبك، ويكاد يقتلع قفصك الصدري، فتسمع نبضاته .. النبضة تلو الأخرى، بمجرد أن تقع عيناك على «المسجد الأقصى»، وتجد نفسك في مواجهته، على بعد خطوات منه، أمام بوابته، فيلهج لسانك بقوله تعالى:
«سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير».
.. وبمجرد أن تكمل الآية الكريمة تتسارع دقات قلبك، ويقشعر بدنك، وتشعر بـ «حراك وجداني» يصول ويجول في أعماقك، فتزداد وتيرة شهيقك ويرتفع زفيرك، لأنها لحظة وجدانية، دينية، تاريخية، فلسطينية، إسلامية، استثنائية، غير عادية، تهزك من داخل الداخل، ومن صميم الصميم، فتجدنفسك تندفع بكل تصميم إلى داخل المسجد، وكأنه يناديك، ذلك النداء الذي لا يقاوم، والذي يطالبك بالحضور، والتواجد، والتهجد، والتعبد، فلا تملك سوى أن تركع لله سبحانه وتعالى وتسجد وتقول:
سمعاً وطاعة أيها «المسجد الأبعد»، وتعني «الأقصى» لبعده عن المسجد الحرام، بمقاييس تلك الأيام، لأنه كان أبعد عن «أهل مكة» في تلك الحقبة.
.. وأستغرب وترتسم في رأسي علامات الاستفهام والتعجب، وأتساءل مع نفسي: كيف نقاطع زيارة ذلك المكان «المقدس»، بحجة عدم تشجيع «التطبيع»، في حين أن الوصول إليه ليس سهلاً، فهو ليس «نزهة سياحية» في فصل الربيع!
فالسلطات الإسرائيلية المحتلة، تحاصر المكان بـ «عينها» وعيونها، و«عسسها» وشرطتها ، وشروطها، ولا تسمح لمن يرغب بدخوله إلا عبر الحصول على «تأشيرة»، لدخول «الدولة الإسرائيلية» صادرة من «تل أبيب»!
.. وبعيداً عن تلك «الألاعيب» التي نعتبرها نوعاً من «العيب السياسي» المعيب، لم تكن زيارتي إلى «المدينة المقدسة» سهلة، ولكنها كانت محفوفة بالصعوبات والكثير من العقبات والتحديات، حيث لم تسمح لنا «سلطات الاحتلال» بدخول «القدس»، على اعتبار أن «ترخيص الدخول» الصادر من «رام الله» يقتصر على مناطق «السلطة الفلسطينية»، التي لا تشمل زيارة «المدينة المحتلة»، ووسط تلك المعايير «المختلة»، أعادتنا «السلطات الإسرائيلية» من حيث أتينا عند أحد البوابات المؤدية إلى «القدس».
لكن جرأة مرافقي الفلسطيني، قادتني إلى «الداخل المقدسي» بطريقة «ملتوية»، لكنها ليست مثل التواء «الجدار العازل»، الذي تجاوزناه نحو مدينتنا المقدسة!
.. ولا أزعم أن دخولنا إلى «المدينة المحتلة» تم بعملية «بطولية»، ولكنني أجزم أنه تم بـ «طريقة ذكية»، اختلط فيها الذكاء الفلسطيني، مع الدهاء المقدسي!
فلا يعتقد أحدكم أن الوصول إلى «المسجد الأقصى» مفروش بالورود، ولكنه يمر بحواجز متعددة، وإجراءات معقدة، تؤكد أن صراعنا مع إسرائيل هو صراع وجود.
لقد أثبت لي مرافقي «المقدسي» بالدليل القاطع، أن إرادة الإنسان الفلسطيني أقوى من الحواجز.
.. وما من شك في أن زيارة المسلمين لـ «القدس المحتلة» تكسر الإجراءات الإسرائيلية المختلة، الهادفة إلى عزل «المدينة المقدسة»، وتشكل دعماً معنوياً للمرابطين فيها، حتى لا يشعروا بأنهم وحدهم في معركة الدفاع عن عروبتها وإسلاميتها وهويتها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
.. ولكل هذا فإن زيارة «القدس» قبلة الأنبياء جميعاً، قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والصلاة في مسجدها «الأقصى» الذي عرج منه إلى السماء، حيث فرضت عليه الصلاة.
.. أقول إن زيارة ذلك المكان «الذي باركنا حوله» لا يمكن أن تكون «تطبيعاً» مع الاحتلال الإسرائيلي، بل هي حالة استثنائية من حالات الدعم العربي، والتواصل الإسلامي مع «القدس المحتلة»، وهي تتشابه في حيثياتها وأهدافها بزيارة السجين في سجنه، دون أن تشكل اعترافاً بالحكم الاستبدادي الصادر ضده، ودون أن تمثل اعترافاً بالسجان الإسرائيلي، الذي يسجنه، ولا تعني تطبيعاً معه.
.. وعلى هذا الأساس فإن الواجب الأخلاقي، ولا أقول القومي، أو الديني فحسب، يقتضي منا أن نتوجه لزيارة «القدس»، لكسر إجراءات تهويدها، ونصرة أهلها الذين يعانون من الاستبداد والاستفراد الإسرائيلي بهم.
.. وليس سراً أن الاحتلال الصهيوني يريد عزل «المدينة المقدسة» عن محيطها العربي والإسلامي، ولا يرغب برؤية أي وجود عربي، أو حضور اسلامي فيها، ولهذا يضع كافة العراقيل والعقبات أمام وصول الفلسطينيين والعرب من المسلمين والمسيحيين إلى مقدساتها، ويعمل في نفس الوقت على تكثيف «الوجود اليهودي» فيها، لتهويدها والاستيلاء على مقدساتها.
عندما تزور «القدس» تشعر أن قيادات «عالمنا الإسلامي» صغيرة .. صغيرة .. صغيرة، لأنها فرطت ــ وما زالت تفرط ــ بذلك المكان المقدس الكبير في قيمته، العالي في قامته والذي سيبقى عربياً إسلامياً، حتى تقوم قيامته.
هناك في «القدس» التي زرتها كل شيء يحيط بك له قدسيته، ومكانته سواء الدينية أو التاريخية.
هناك في ذلك «البيت المقدس» تجبرك شخصية المكان، أن تغوص في أعماق الزمان، حيث يبدو أمامك على امتداد الأفق المقدسي «جبل المكبر»، حيث أطلق «الفاروق عمر» تكبيرته الراسخة في ذاكرة المسلمين، وذكريات المدينة التي فتحها بلا قتال عام «636» وأعطى أهلها الأمن والأمان.
لقد زرت «المدينة المقدسة» التي وصل إليها سيدنا «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه، ليتسلم مفاتيحها من أهلها، وكان البطريرك «صفرونيوس» في استقباله، فكتب لهم خليفة المسلمين «العهدة العمرية»، التي تمثل أبرز وثائق التسامح بين الأديان.
.. وعندما تسير على قدميك في أزقة ذلك المكان عبر شوارع «القدس العتيقة» الضيقة، قاصداً «المسجد الأقصى»، تشم رائحة التاريخ تفوح في ذلك الموقع، الذي تلتقي فيه الحضارتان الإسلامية والمسيحية.
.. وقبل دخولك إلى موقع «الإسراء والمعراج» تمر على «كنيسة القيامة» التي تعتبر من أقدس الكنائس المسيحية، وأكثرها أهمية في العالم المسيحي، لأنها تحتوي، وفق معتقداتهم، على المكان الذي دفن فيه «المسيح»، ويسمونه «القبر المقدس».
.. وعندما دلفت إلى هناك التقيت بطريرك «المدينة المقدسة» وسائر أعمال فلسطين، صاحب الغبطة كيريويس كيريوس ثيوفيكوس الثالث، وهو بالمناسبة من اليونان، ولهذا فهو أعجمي اللسان، وفاجأني بأنه يحتفظ في مكتبه بصورة سمو «الأمير الوالد» الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني!
كان شيئا لافتاً بالنسبة لي كمواطن قطري أن أرى صورة ذلك «الرمز الوطني»، تتصدر إحدى زوايا مكتب «البطريرك المسيحي»، في «كنيسة القيامة»، وبجانبها نسخة مصورة من «الوثيقة العمرية».
فسألته بلا تردد: ما سر احتفاظك بصور الأمير القطري العربي المسلم؟!
فأجابني بلا تحفظ، بلغة عربية «مكسرة»، لكنها معبرة:
«هذا الزعيم المسلم العظيم يجسد في مواقفه التي لا تنسى قيم التسامح الإسلامي، ومبادئ الحوار بين الأديان، ولهذا يستحق أن احتفظ بصورته».
كان محدثي يتحدث لي بلكنة يختلط فيها الفعل مع الفاعل، والمفعول به، في «رطنة» يمتزج فيها المذكر والمؤنث!
كنت أستمع له بإنصات، ولا أنسى أنه أدخلني إلى مكتبه دون انتظار، تقديراً لمواقف «الزعيم الكبير» حمد بن خليفة آل ثاني، بينما كانت حشود من المصلين المسيحيين ينتظرون في الخارج أن يتشرفوا بمصافحته، وتقبيل يده!
ثم رافقني بحفاوة لافتة خارج أبواب مكتبه في «كنيسة القيامة»، وودعني وسط دهشة الحاضرين!
.. وبعيداً عن تلك «الدهشة»، نصل إلى ذروة «المأساة الفلسطينية» التي تتجسد في ذلك الطريق المؤدي من «رام الله» باتجاه مدينة «الخليل» جنوباً، في منطقة «العبيدية»، حيث يتجمع الفلسطينيون المحرومون من زيارة «القدس»، على سفح إحدى التلال، الراقدة في أحضان الجبال، المطلة على «المدينة المقدسة»، ليشاهدوا من بعيد «قبة الصخرة»، وهي تلمع مثل «قرص ذهبي»، عندما تنعكس عليها أشعة الشمس، فتجدهم يؤشرون بأيديهم نحو ذلك «اللمعان»، الذي يجسد بالنسبة للإنسان الفلسطيني كل معاني الحرمان، من زيارة مدينته «المقدسة»، ومسجده «الأقصى» الواقع تحت قيود الأسر.
لقد كنت أسيراً لذلك الواقع، عندما سرنا في طريقنا إلى مدينة «الخليل» حيث «الحرم الإبراهيمي»، فتوقفنا عند تلك الهضبة الفلسطينية، المطلة من بعيد على «القبة الذهبية»، التي بناها الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان عام «685»، وانتهى من بِنائها عام «691»، وتوجد تحت سقفها «الصخرة المشرفة» التي عرج منها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، إلى السماوات العليا في معجزة «الإسراء والمعراج».
.. ومثلما تشكل تلك «القبة الذهبية» بالنسبة للمسجد «الأقصى» موقع القلب في جسد الإنسان، لأنها تقع في وسط المصلى إلى اليسار قليلاً، فإنها تمثل بالنسبة للفلسطينيين المحرومين من زيارة «القدس»، فرصة «ذهبية» لرؤية مسجدهم بلا قيود إسرائيلية!
لكنك سرعان ما تجد «القيود الصهيونية» تحاصرك من جديد، عندما تزور مدينة «الخليل» و«الحرم الإبراهيمي»، الذي يعاني من إجراءات التهويد، والتشديد الإسرائيلي.
فهناك تشعر أن «المدينة القديمة» مصابة بـ «الموت البطيء»، حيث الركود أصاب مفاصلها بالشلل، وحول شوارعها «العتيقة» إلى أزقة مهجورة، بينما خواطر أهلها مكسورة، في مدينتهم المأسورة!
هناك في «الحرم الإبراهيمي» يخضع المصلون للتفتيش الدقيق، حيث يعتقد بأن جثمان سيدنا إبراهيم «أبي الأنبياء» يرقد في مغارة تحت المسجد، ومعه قبور زوجته «سارة»، وسيدنا «اسحاق» وزوجته «رفقة»، وسيدنا «يعقوب» وزوجته «لائقة».
هناك عند زيارة «الحرم الإبراهيمي» تشعر أن «الشهداء» يحضرون في المكان، الذي شهد «المذبحة المروعة»، عندما قام المقبور المقهور «باروخ جولد شتاين»، وهو أحد المتطرفين المستوطنين، بإطلاق النيران على المصلين، أثناء أدائهم الصلاة، فجر أحد أيام «الجمعة» في شهر رمضان الموافق الخامس والعشرين من فبراير عام 1994، فقتل «29» مصلياً، وأشعل نار الفتنة في المدينة المفتونة بقدسية حرمها الإبراهيمي.
.. وبعد هذه الجريمة شكلت حكومة «الإرهاب الصهيوني» لجنة «تقصي الحقائق» أطلق عليها اسم «لجنة شمغار»، خرجت بعد عدة أشهر بقرارات هزيلة عاقبت المجلودين لصالح جلادهم!
.. وعلى إثر تلك القرارات التعسفية تم تقسيم «الحرم الإبراهيمي» إلى قسمين، يسيطر اليهود على قسمه الأكبر، فيما يخصص جزء منه للمسلمين، بينما يستخدم المستوطنون المسجد بكامله خلال أعيادهم، التي لا يسمح فيها حتى برفع «الأذان»، أو الصلاة في «حرم المكان»!
.. وعلى أساس هذه الإجراءات العنصرية تحول «الحرم الإبراهيمي» إلى «سجن مفتوح»، لا يمكن للمصلين دخوله إلا بصعوبة بالغة، من بينها المرور عبر «الحواجز الحديدية» بشكل فردي، ثم الخضوع إلى«تفتيش إلكتروني»، بينما «مراكز المراقبة» تنتشر في كل زاوية من زوايا «المسجد المقسم»، الذي أقرت «الحكومة الإسرائيلية» في العام الماضي، ضمه إلى قائمة «التراث اليهودي»، في حين أنه لا أحد من قيادات المسلمين يتكلم، أو يبادر فيدعم صمود الشعب الفلسطيني المعدم!
.. ولكل هذا الواقع المؤلم، أدعو «أهل الخير»، ورجال الأعمال والجهات المعنية، التوجه بمكارمهم إلى مدينة «الخليل»، لإنقاذها من واقعها المرير الفقير، البائس ولا أقول اليائس.
.. وقد التقيت خلال زيارتي لهذه المدينة الفلسطينية برئيس بلديتها الطموح، فوجدت أنه يحمل بين يديه عدة مشروعات ضرورية، تحتاجها «الخليل» لمواجهة إجراءات تهويدها، التي تستهدف منع أهلها وشبابها من الصلاة في «الحرم الإبراهيمي».
.. وفي طريق عودتي من مدينة سيدنا «إبراهيم» عليه السلام كان لابد من التوقف في «بيت لحم»، مسقط رأس سيدنا عيسى بن مريم.
وكانت لحظة لا تُنسى، عندما سارت بي الأقدام باتجاه «كنيسة المهد»، أقدم الكنائس في فلسطين والعالم المسيحي، التي شهدت في محيطها ولادة «المسيح»، قبل أكثر من ألفي عام.
هذه «الكنيسة» لها أهمية خاصة في قلوب المسيحيين بمختلف طوائفهم، لأنها شيّدت عام «335م» في المكان، الذي يعتقد أن السيدة «مريم العذراء» ولدت مولودها في «مغارة» داخلها.
عندما دخلت تلك المغارة، كنت أرتل قوله تعالى من سورة مريم:
«وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)».
كنت أترتل تلك الآيات بينما أهفو بقلبي وفؤادي إلى «القدس»، حيث المكان «الذي باركنا حوله»، مسترجعاً تفاصيل «الرحلة النبوية» المباركة التي خرج فيها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من «المسجد الحرام» بصحبة «جبريل»، راكباً «البراق»، فنزل في «المسجد الأقصى»، وصلى بجميع الأنبياء إماماً، وكان من بينهم عيسى بن مريم عليه السلام.
لقد زرت ذلك المكان المقدس لأن «القدس» قضية مقدسة، لكل عربي وكل مواطن فلسطيني، سواء كان مسلماً أو مسيحياً.
زرتها، لأنها قضيتي وقضيتك، وقضيتنا جميعاً على امتداد عالمنا الإسلامي.
زرت «القدس المحتلة» للمساهمة بجهد بسيط في ترسيخ هويتها العربية، وتأصيل تاريخها الإسلامي، وتعزيز تراثها الإنساني، المستهدف بالاستئصال من المحتل الصهيوني.
زرتها بلا تردد، لتسليط الضوء على وضعها المرير، ونقل صورة عن واقعها الحزين .
وإذا كانت زيارة «المسجد الأبعد»، تعني لدى بعضهم نوعا من «التطبيع»، فيشرفني أن أكون واحداً من «المطبعين» المساهمين، في دعم إخواننا الفلسطينيين، وأشقائنا «المقدسيين» الصامدين.
ولأنني مراقب إعلامي، أؤدي رسالتي المهنية، وأمارس دوري «القومي الطبيعي»، ولن أكون «مطبعاً»، أو مروجاً لـ «الاحتلال الصهيوني»، ولأنني أتعامل مع القضية الفلسطينية بمنتهى الواقعية الطبيعية وليست «التطبيعية»، أقول بملء فمي:
إنني زرت «القدس»، وسأزورها مرة أخرى، - كلما أتيحت لي الفرصة - ولن تكون زيارتي للمدينة «المقدسة» الزيارة الأخيرة!
[email protected]
أضف تعليق