قيل: " لا يسافر المرء لكي يصل، بل لكي يسافر". ومَنْ لم يرَ إلا بلده يكون قد قرأ الصّفحة الأولى من كتاب الكون.
بعد سفرتي الأخيرة الطويلة غدَا كلّ شيء شريكا لي في السّفر. جلَبَة المطار المؤلمة وصفير القطارات المتواصل يهدر في شراييني وأنفاسي المنقطعة، أفكر مجدّدا في محطات الضّياع، بينما الحزن يقطف مواسم غربتي المؤقّتة يوما بعد يوم، فأقسمت بكلّ الدِّيانات السّماويّة، كذبًا متعمدًا، على الفراق الأبديّ المزيّف، كما يحدث في شجار المحبّين المخلصين والأفلام الهنديّة.
حين يهبط الليل، أُضيء نور مكتبي الضّئيل لأدوِّن المزيد ممّا يجول في خاطري، أسبح فوق مياه الذاكرة الحائرة الغامضة. أنفرد لأحدِّقَ في غربتي، أنادي وأناجي الماضي والحاضر، أصدقاء الطفولة الأحياء والأموات، ورئتان تتنهّدان شوقًا وحنينًا.
أحاول مجدَّدا عبثًا اختراق الخطوط الحمراء والأسلاك الشائكة الممنوع والمحرم تجاوزها بأيّ شكل من الأشكال. لا أنخدع بسكينة الليل وبصمت الياسمين وضوء القمر، ولا بضحكة مختلقة وتلك المظاهر الزائفة. أتوق حنينا وأحزم أمتعتي وأستعدّ للعودة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]