يُحرم القانون المصري المس بسمعة الدولة ودينها وجيشها ورئيسها. ويُحرم القانون التركي المس بالشعب التركي والجيش وتراث أتاتورك. ويُحرم في إيران المس بالدين واهانة الزعيم الاعلى وقوات الامن. ويحاول القانون الاسرائيلي جاهدا أن يلحق بالجيران وقد أصبح هناك تقريبا. لأن اسرائيل تستطيع بعد قانون واحد أو اثنين وبعد "لجنة حوار" يبادر اليها وزير، تستطيع أن تزيل الجدران التي تفصل "الفيلا" عن "الغابة".

إن حرية التعبير في اسرائيل إذا قيست بدول ديمقراطية غير يهودية ليست نتاج حوار حر أو جدل معلن أو قواعد اتفاق وعدم اتفاق غير مكتوبة.

وحدود الحلال والحرام في اسرائيل في الخطاب العام ليست متروكة للجمهور، فالقانون فيها يحدد الاجماع لا العكس.

وفي المكان الذي لا يوجد فيه اتفاق عام تقرر مجموعة صغيرة ومتطرفة وصارخة من اعضاء الكنيست ما الذي يجوز للجمهور أن يقوله. ولا توجد أية مشكلة عند تلك المجموعة في السب والشتم وأن تعلن بأن العمال الاجانب "سرطان في جسم الأمة"، وأن تعلن بأن الاقلية العربية التي تحاول أن تحيي ذكرى النكبة أنها عدو، وأن من يعارض سياسة الاستيطان ويشجع مقاطعة اسرائيل يُعرف بأنه مجرم، وأن تعلن بأن المعلمين الذين لا يوافقون على توجيهات التفكير والتعبير عند وزير التربية يسجنون في سجن كلمات ويزودون بمعجم خاص يكتبه فخامة الوزير الذي أوضح من قبل كما هي الحال في مصر وايران أنه لا ينبغي المس بشرعية الجيش والدين والله، وبالزيادة اليهودية الخاصة وهي المحرقة.

اعتادوا ذات مرة أن يكتبوا في اماكن مقدسة حتى تلك التي قداستها مشكوك فيها: "مكان مقدس لا يجوز التبول فيه". وهذا امر حاد واضح لا يحتاج الى أي شرح، فيجوز البصاق ويجوز التغوط ولكن لا يجوز التبول. والآن صار عندنا ابقار مقدسة بدل الاماكن المقدسة. والابقار المقدسة كما يعلم كل من زار الهند يمكنها أن تفعل ما شاءت حتى في مكان مقدس.

الحقيقة أن الجيش والدين والمحرقة غير مقدسة، في اسرائيل بل الحديث عنها هو الشيء المقدس. وكما هي حال كل عمل مقدس يوجد لهذا الخطاب كهنة يحددون شرائعه. يجوز مثلا المس بالناجين من المحرقة والسطو على مخصصات تقاعدهم.

ويجوز ايضا استغلال المحرقة وسيلة الى الحروب أو للامتناع عن السلام. لكن لا يجوز أن يُقال إن استغلال المحرقة غير اخلاقي. ويجوز ايضا البحث في النكبة وأن يُقال إنه كانت في حرب التحرير عمليات فظيعة، لكن لا يجوز الاشارة الى أنها كانت غير اخلاقية. ويجوز انتقاد الجيش لأنه يُسرف في المال العام ويجوز ايضا التحقيق في اخفاقاته في حرب لبنان الثانية وأن يسأل كيف ورط نفسه في عملية القافلة البحرية التركية.

لكن لا يجوز أن يُقال إن تلك العمليات كانت غير اخلاقية. ويجوز أن يُقال إن رئيس الاركان غبي أو ذكي، بل يجوز حتى السخرية منه برسوم كاريكاتورية. لكن لا يجوز أن يُقال إن عمل الاحتلال الذي ينفذه غير اخلاقي. وينبغي أن يُقال بدل ذلك "مناطق تحكمها اسرائيل"، كما ورد في قانون المقاطعة بلغة ناصعة النظافة.

إن ممثلة النيابة العامة المحامية يوخي غنسن التي عرضت موقف الحكومة في النقاش في المحكمة العليا في قانون المقاطعة، كانت على حق. "إن حرية التعبير في دولة اسرائيل ليست حقا مطلقا، وحرية التعبير في اسرائيل ليست كما هي في الولايات المتحدة. إن مادة كالتحريض على العنصرية أو الدعوة الى مقاطعة على أساس قومي لو كانت في النقاش الامريكي لرفضت". من المؤكد أن اسرائيل ليست الولايات المتحدة وليست فرنسا أو السويد أو بريطانيا. فقيمها مشتقة من جغرافيتها ومن مسيحانيتها ومن طغيان القوة فيها لا من قيم اخلاقية عامة.

ومن هنا يأتي الخوف من خطاب حر وحرية تعبير، فهذه هي السور الحامي الدقيق الذي يكاد يكون شفافا، والذي بقي يواجه كل من يريد أن يهتك القناع عن المظالم. فيجب الدفاع عن هذا السور المقدس. وقد علق كهنته فيه اللافتة المعروفة: "مكان مقدس لا يجوز التبول فيه".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]