تسنى لي في الأسابيع القليلة الماضية أن أحضر عملين فنيين رفيعين، الأول العرض الموسيقي "ثلاث خطوات" للفنان الشاب المؤلف الموسيقي فرج سليمان، والثاني العرض الموسيقي- الغنائي "معلومات أكيدة" من تقديم جوقة "كترين" بقيادة المايسترو الدكتور تيسير حداد، وهو عبارة عن تحية للفنان اللبناني المتميز زياد الرحباني.

أمران لفتا انتباهي وأقلقاني في هذين العرضين ومن خلالهما، خاصة أن العروض الأخرى لم تسلم من تلك الآفتين اذا جاز القول. ولا بد قبل، أن اسجل اعجابي واندهاشي لما سمعته وشاهدته في هذين العرضين، واللذين أثبتا ما بات معروفا في حركتنا الفنية الفلسطينية، لكن يجدر بنا التأكيد عليهما لأننا ما زلنا في طور تلمس الدرب نحو بناء ثقافة فنية وخاصة في مجال الموسيقى، بعدما قطعنا خطوات واسعة في المسرح وخطوات ملموسة في السينما، واليوم نلج عالم الموسيقى الى جانب الغناء. ان عرض "ثلاث خطوات" أثبت أن لدينا موهوبين وطاقات كبيرة في عالم الابداع الموسيقي، فالمقطوعات الموسيقية التي قدمها المؤلف الموسيقي الشاب فرج جاءت على مستوى رائع في التأليف والاخراج، فموسيقاه وصلت للقلوب بعدما دخلت الاذان، حتلى التي لم تدرس الموسيقى انما اعتمادها على السمع والذوق.

أما عرض "معلومات أكيدة" ومع أنه سبق وشاهدنا عروضا مماثلة، تناولت فنون الرحابنة وعبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم وفريد الأطرش وآخرين من عمالقة الفن العربي الموسيقي والغنائي، إلا أنها كشفت عن طاقات ومواهب مبدعة، وما تناغم الفرقة الموسيقية إلا دليل على روعة المهارة الفردية وما يمكن أن تفعله عندما تتحد في تناغم مشترك وانسجام تام بقيادة رائعة من المايسترو د. تيسير حداد القائد الموسيقي المعروف والناجح.

وأعود الى ما اقلقني وأثار امتعاضي وهما أمران غير متعلقين بالعرضين المذكورين مباشرة، أولهما مسألة الوقت والتوقيت. فهذه الآفة التي نتميز بها كعرب ما زالت تلاحقنا، حيث لم يلتزم معظم الجمهور بالوقت المحدد لابتداء الأمسية كالعادة..

وكالعادة انتظر المنظمون حضور الجمهور وجلوسه في المقاعد كي يبدأ العرض. من المهم التأكيد أن هذه الأمسيات ليست سهرات أعراس حيث يمكن للمشارك أن يحضر في الساعة التي يحلو له فيها، فهذه أمسيات فنية راقية وهناك من سهر وتعب في التمرين والتحضير والحضور ملتزما، كذلك لا يعقل أن يظلم من حضر من الجمهور ملتزما بالوقت. من هنا يجب أن تبدأ العروض في الوقت المحدد حتى لو كان هناك عشرة أشخاص، وعندها يتعلم الجمهور احترام الوقت والالتزام به، خاصة أن العروض تقام في قاعات يفد إليها جمهور من قرى وبلدات مختلفة ومتباعدة والوقت له أهمية كبرى في كل حال وكم بالحري في هذه الأحوال؟ فالى متى سنبقى نردد متأكدين بأن العرض سيبدأ بعد نصف ساعة من موعده وبهذا نتباطأ بالحضور؟ فعلينا كجمهور وكشعب أن نتصرف بحضارة فعلا اذا كنا نعتبر أنفسنا حضاريين ونحضر لمشاهدة أمسيات فنية حضارية.  

الأمر الثاني مسألة قاعات العروض الفنية، فالعرض الأول أقيم في قاعة "كريغر" على قمة الكرمل في حيفاـ والثانية في قاعة "قصر الثقافة" في مدينة معلوت – ترشيحا في أعالي الجليل

وهذه مسألة مأزومة نعيشها حيث لا تتوفر في مدننا وقرانا قاعات عروض موسيقية وغنائية ومسرحية بمستوى عال من الجودة من حيث التقنيات والجلوس المريح وأماكن الانتظار غير المملة ومواقف السيارات الرحبة. فمدينة الناصرة التي تعتبر عاصمة العرب في اسرائيل تفتقر لقاعة كهذه وكم سمعنا عن عروض تقام في احدى قاعات الناصرة "عيليت".

وعن عروض في قاعة "الكابري" بدل أن تقام في كفرياسيف بلدة العلم والثقافة والابداع المجاورة.

وتلجأ فرق ومؤسسات من شفاعمرو أو عبلين أو طمرة أو سخنين لتقديم عروضها في حيفا أو "الكرايوت". ألا يدل ذلك على أزمة في تخطيطنا ورؤيتنا للفنون، فكيف تتكون عندنا فرق فنية على مستوى الاحتراف، وتخرج من بيننا مواهب فنية قادرة وقوية في الغناء والمسرح وغيرها، ولا يبادر أحد لبناء قاعة للعروض الفنية الموسيقية والغنائية والمسرحية بمستوى تلك المواهب والطاقات الفنية؟ 

ومما زاد الطين بلة، أنه بعد عودتي من العرض الثاني، واذ بفنانة فلسطينية محلية تتحدث من خلال برنامج تلفزيوني على إحدى الفضائيات العربية، عن ضرورة وأهمية مقاطعة "اسرائيل" كدولة ومؤسسات ومرافق وصناعات.

واحترت هل أنفجر حزنا وغضبا أم أكتم غيظي وأستمر في عيشي كأن شيئا لم يكن.. وبعد كل ذلك يحدثونك عن المقاطعة... ولنا عودة الى هذا الموضوع.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]