اليوم، يجتاحُ الأحمرُ المشهدٓ في كل النواحي، ويعلنُ نفسَه سيداً على ما عداه من الألوان.

هو الأحمرُ القاني ينثرُ العقيقَ ( 1) ويحتلُّ الدبابيسَ والمشابك والخواتم والخواتيم والخاتمات وقد يختمُ على القلوب(2).

وفي مكانٍ قريب أو بعيد في أطراف الأرض، تلتقي عينا صبية على الطريق بعيني شاب. فتحمرّ وجنتاها ووجنتاه كلّٓ شروق وكلّٓ غروب.

لكنه الأحمرُ الصارخُ في العيون، يعتلي الليلة َالمنصات وصهوةَ البدايات والنهايات
ويدخلُ في الأشرطة والشرائط.

وفي مكانٍ قريب، يقطِّعُ الشقيقُ أوصالٓ الشقيق، وينثرُها بين أبي سنبلٓ وأبي الهول, ويصبغُ النيل بالأحمر النازف.(4)

هو الأحمرُ يأخذ اللونٓ من أجنحة الزنابير ويطيرُ إلى المطاعم والفنادق والمقاهي والشوارع والبلازات والمحلات (4)ويضبط إيقاعَ الكرنفال (5).

هو الأحمر المثيرُ المُهيجُ، يعرضُ الفنَّ الرفيعَ بالرقصات الدامية في ساحة لاميسترانزا (5)في إشبيلية وساحة "لا مونيومنتال" في مكسيكو سيتي؛ وها هو الماتادور (7) القاتل يغرزُ الرماح المزركشةَ بالمناديل الحمراء، في عنقِ الكائن الجبار، فيصفّق الجمهورُ الراقي في جداول الكوريدا دي توروس(8)، قبل تناولِ التارتار(9) والستيكات شبه النيئة وطبيخ ذيل الثور (10).

وعلى مقربة منا، في العراق المصدَّعِ بعون ملوك العالم، يصطبغُ "الرمادي" بالأحمر الساخن، وتنقرُ الطيورُ حورٓ العيون في الأنبار.

الأحمرُ اليومٓ هو الذي يسرقُ اللونَ من أجنحة شقائق النعمان وعناقيد العنب. وها هو يدخل في نبيذ الموت والبعث ويضمِّخ الأضاحي في مواكب الصبايا المتوحشات والفحول البشرية، حول عربة ديونيسيوس (11)التي يقودها الأسدُ الغضنفر والنمور، فيما يقف الثورُ الإغريقي في مركز المسرح.

وها هو الأحمرُ يركبُ على جناحي كيوبيد الضرير، ويلوّن رؤوس السهام التي تخبط القلوب خبطٓ عشواء. (12) وها هو نيرونُ يتناسح في وطن العرب، فيحاورُ ماء الحياة بأعمدة اللهب ويحرقُ الطفل وماءه المملَّحَ وطَشتَ حمّامه الافتتاحي.

وها هو الأحمرُ السائدُ يجتاحُ الزنانير والأحزمة والتنانير. ها هو ذا يطغى على الإعلانات والساعات الرقمية والبابيونات والربطات والقمصان والياقات والباقات والجيرزايات والسترات والجرابات والجوارب اللاحمة والصوفية والكتانية والقطنية ويفرضُ نفسَه على جلود الأحذية المسمارية والزاحفة في أقدام الكواعب.

وفي مكان غير بعيدٍ، في زمانٍ مغلّٓفٍ بالغموض، يكتبُ شخصٌ يظهرُ بالأسود والأبيض، جالسٌ في قبوٍ ما في ليلة إعدامه، كلاماً طيباً على بطاقةٍ يرسلُها إلى شخصٍ عزيز عليه. يقالُ إن اسم الكاتب فالنتاين. (13)

لكن هنا نعلنُ الآن مرةً أخرى تقهقرَنا وقعودٓنا على هوامش المركزية الغربية (14)، فيما يصبغُ الأحمرُ كلَّ شيء؛ الشريطٓ الحريريَّ الذي يضبطُ الشعرٓ المكويَّ بمسدسات الكوافيرة ومساحيق "البيرمانِنت"(15).

والأحمر لونُ الشريط الذي يزركشُ الثوبٓ على الصدر الناهد والمنهَّد بالسيليكون، في جهة اليسار، ويمسُّ طرفُه الدلّوعُ الضلعين الثاني والثالث، فيثير شغافٓ القلب ويؤجج الحُبَّ العارم.

هنا الأحمرُ يصبغُ اليومٓ الدبوسَ الذي يضمُّ ضفيرةً مُشقّٓرةً بالأوكسجين والعلكة َالمنتفخةَ بثاني أكسيد الكربون كالبالون فوقَ ثغرٍ يبحثُ عن سبب حقيقي للابتسام. وها هو الأحمرُ يطلي الأظافرٓ النَّسريةَ المعروضةَ في الدكاكين والأساورَ التي تقلّدُ الذهب والفضة. ولولا العيبُ والحياء، لخرجت بعضُ المليحات بالخمار الأحمر.

وهنا، على بعدِ فيلمٍ سينمائي، بين الكوفة ودمشق، تخرجُ الثكالى كّٓل ساعةٍ ويصرخن في وجه الأرضِ والسماء: أما آن لهؤلاء الفرسان أن يترجّلوا؟! (16)

لكن هنا تحمرُّ، اليومَ، الشفاهُ والخدودُ، وتنهال الورودُ الخمريّٓةُ ثلاثيةُ الأبعاد، المصقولةُ من البلاستيك، بعد أن تخلعَ عنها عبيرَها ورحيقَها. وهنا اليوم تنشقُّ على الطاولات وخشبِ البارات القلوبُ الكتاّنيةُ بالسهام المصنوعة من مشتقات البترول.

وغيرٓ بعيد عن هنا، في بيروت الواقفة على ريحٍ(17)، حدث ما قد يتذكرُه البعضُ عن حكاية منظمة الصليب الأحمر وقيام متعصبين من اليمين اللبناني المتطرف باتهام المنظمة بالانتماء إلى حزب الأعلام الحمراء. بهذا أثبت المتعصبون لمؤلفِ الحكاية أنهم أحمرُ من الأحمر (18).

وبعدُ،

لا أتمنى لنا لا عيدٓ فالنتاين سعيداً ولا ملتهباً.
أتمنى لنا فالِنتايم وفالنتاين فال. (19)
وتعالوا نتوقفُ عن إطلاق النار على جهنم. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]