صدرت قصّة الصّغار : رضيع في جزيرة النّسورة ،للكاتب العبري المعاصر :دوب إلبويم ،رسومات : ليئورة جروسمان ،وهي من وحي قصّة المتسوّلين السّبعة للكاهن نحمان مبراسليف، الإهداء الى :جيفن /كرمة ،التي تذكر العبث وتعرف الوجود .

* إنّها قصّة ستحدث،الاّ انّها لم تحدث حتى الآن،قصّة نسر رضيع ومملكة كُبرى ،قصّة بلا نهاية ،وها نحن في البداية ،لا نعرف إن حدث هذا خريفاً اْو ربيعاً،حينئذ تصل النّسور الى جزيرة صغيرة ،لا زهرة فيها ،ولا اْيّ رَجُل في محيطها ،بيوت لا توجد هناك كذلك ،فقط برج مستدير كبير وردي ،سبعة شبابيك مُقَوّسة ،تُطِلّ على اْمواج البحر .

نسور متفائلة من اْرجاء العالَم تهبط هناك ،تُمثّل كلّ جنس ،لون اْو سِرْب ،نسور ذقونها زرقاء ،واْصدقاؤها من الصّحراء ،باْجنحتها السّوداء ،نسور حيتانيّة ناعسة ،واْعداؤها قصيرة المنقار ،حادّة الاْظفار .

تجتمع النسور في الجزيرة سعيدة تفتقر الى الصّبر ،تقفز بين ماء وماء ،لاْنّها ستنتخب اليوم ملكاً لها ،على الاْقلّ لمدّة سنة ، وربّما لسنتين ،إلاّ اْن الفرح لم يُجْدِ نفعاً في ذلك اليوم ،منذ اليوم الاْوّل علتْ اْصوات صارخة ضاربة وضوضاء ، لا اْحد من النّسور تذكّر مَن كان ملكاً،ومَن لم يكن بعد .
تجادلوا جميعاً،مَن له ملوك اْكثر في الاْسْرة ،واْيّ صنف من النسور بداْ مرّة في المملكة ،معطت النسور ريش بعضها ،مجموعة لمجموعة ،،نسوا كلّهم من اْين اْتى كلّ منهم ،اْو ما هو اْصل وفصل كلّ واحد منهم ،فقط بعد شروقَين طويلين وغروب تامّ،توصّل الجميع لنتيجة واحدة –راْي واحد ،هذه المرّة سيُنْتَخَبُ ملك له ذاكرة اْطول بشكل خاصّ .

قَهْقَه النسر ذو اللحية الزّرقاء ،كاْنّه يقول : بالمناسبة لي ذاكرة اْطول من ذاكراتكم جميعاً،حاولوا ان تجدوا نسراً مثلي ،يذكر الاْسبوع الاْول في حياته ،اُْمّي فرشت العش عشباّ،وباْزهار العنصل ،رائحتها الحقيقيّة كانت رائحة الخريف ، بعض النّسور رفرفت باْجنحتها مندهشة متنهّدة،طبعاً هذه هي الذّاكرة الاْطول في اْرجاء المملكة ،تعالوا نتوّج ملكاً حالاً وسريعاً ! عاش الملك اْزرق الّلحية ،رئيس واْوّل لكلّ الطّيور ،العصافير ،وحتى لكلّ اْصناف الجنادب.

لكن حينئذ تصدّاه النّسر اْسود الجناحين،إنّه اْفتى من ذاك اْزرق اللحية بعشرين سنة وضعفها،صفّق بجناحيه حتى اْظلم نور الظّهيرة ،رفرف وقال :ذاكرتي اْطول من ذاكرته بسبعة اْضعاف ،ما زلتّ اّذكر ما الذي ذقته وعمري يومان ّ هل حاولتم مرّة ثقب قشرة بيضة طيور !
صمتت النّسور بجانبه واْطلقت تنهيدة أحقّاً إنّها ذاكرة قديمة جدّاً! قالوا دون تردّد اْو خجل :عاش الملك اْسود الجناحين ! هتفوا فرحاً: لا اْحد يذكر مثله في كل ّ المملكة .

من الجانب الآخر تحت الشّبّاك ،من الجهة الشّرقيّة ،علا فجاْة نسر قصير المنقار ،قاسٍ وصائع ،وقال اْهذه ذاكرة !تفوّه ساخراً ،هذا لا شيئ !اْنا اّذكر حين كنتُ جنيناً داخل بيضة ،واْمّي رخمتْ عليّ ، كنتُ اْسيراً داخل فقاعة بيضاء دافئة ،من داخل الصّمت الكبير سمعتُ صوت تنفّسها ! خيّم الهدوء في قمّة البرج ،في الغرفة المستديرة ، هذه حقّاً الذّاكرة الاْقدم ،والتي يتذكّرها نسر!لكن حينئذ نهض جانباً نسر حوتيّ غافٍ،عمره شهر ويومان ،إنّه زغلول ،يكسوه الزّغب ،البارحة فقط نما جناحاه ،كلّ شيئ جميل ،لديكم ذاكرة هامّة ، يا اْصدقائي نسور السّماء ،لكنّني اّذكر نفسي صفاراً داخل بياض ،اْصفر داخل اْبيض ،اْعوم في سائل دون قاعدة ،دون شاطئ وبلا اْجنحة !

هذا هو ! دقّ اْزرق اللحية بمنقاره، لا مناص ! النّسر الحوتي يحكم كلّ المملكة ،كلّ النّسور اصطفوا في صفّ،كلهم جاهزون للانطلاق طيراناً من البرج ، الاْمر ليس غريباً! ضحكوا خجلاً،هذه السّنة يكون ملكنا عمره اْقلّ من سنة ، وقبل اْن يتوّجوا الفتى الحوتي ،فجاْة سمعوا صوتاً نحيفاً ينطلق همساً من الزّاوية ،كاْنّه منبعث من داخل ثقب ،ارتفع نسر صغير ، رضيع حقّاً، بحجم الحشرة ، اُْنطقْ اْنطق،قال ذو اللحية الزرقاء غاضباً ! حالاً سيكون حفل تتويج ، ولا مُتّسَع من الوقت لدينا ! اْنا اْتذكّر ......قال الرّضيع بصوت نحيف ،حين لم يكن اْيّ شيئ ،صفراً . خيّم هدوء داخل البرج ،تلاه علو صراخ ،اْيّة كارثة ستحلّ الآن على المملكة ! نسر عمره اْسبوع ،طفل صغير المنقار ،رضيع ،يتذكّر كلّ شيئ ،حتى دون اْن يذكر ! بحزن وقلق كبير ،انتظر النسور حفل التّتويج ، لا يرقصون ،لا يشربون ، بل يفكّرون في مستقبلهم القاسي /من ذا الذي سمع عن ملك غريب بهذا الشّكل ،ملك يذكر اللا وجود ، وحتى اللا شيئ !

حان الوقت ،دون اْيّة مساعدة ،شكّ اْو ريب، طار الرّضيع وتربّع على كرسي العرش ،رفع راْسه عالياً،واستنشق رائحة السّنة الجديدة ،حينها بعد لحظة قصيرة ،اْمام جمهور هادئ مندهش ، رمى الرّضيع التّاج بعيداً،داخل اْمواج البحر : من هو بحاجة الى تاج ،قال الرّضيع ،اذا كان يذكر اللا وجود !

مَن سيكون الملك ! صرخ النسور قلقين ! مَن ذا الذي سيحكمنا واْرجاء السّماء ! اْنتَ واْنت واْنت ،قفز الرّضيع بين نسر وآخر ،يحدّق بعينيه! كل ّنسر يحلّق في السّماء ، هو ملك ابن ملك! لانّ نسراً مثلك ،لن يكون اْبداً على اليابسة ولا في الفضاء ! اْنت اْحد فرد ،هكذا الى الاْبد ، ولا مثيل لك !

** دوب إلبويم كاتب مقدسيّ معاصر ،وُلد ونشاْ في بيت ديني محافظ ،حاول الابتعاد عن البيئة الدّينيّّة ،يحمل شهادة الماجستير في العلوم الدّينيّة ،عمل محرّراًرئيسيّاً في دار نشر صحيفة يديعوت اْحرونوت ، اليوم هو محاضر في عدّة جامعات ،اْسّس مدرسة دينية علمانيّة في تل اْبيب ، يسكن في بلدة : كوخاب يئير ،اْصدر مجموعة من الكتب .

**اذا كانت القصّة توحي بشيئ ما عمّا يدور في مشرقنا ،بتعدّديّته ومختلف مناهله ومشاربه ،فما ذاك الاّ من باب : كل صدفة خير من اْلف ميعاد ، ونحن مع التّغيير لِما هو اْصلح ،وليس لما هو رجعي وظلامي .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]