إضراب في الضفة الغربية يستمر أكثر من شهرين تغلق فيه المدارس والمراكز الطبية ومراكز توزيع المواد الغذائية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وكأن ما يحدث لا يثير علامة استفهام كبيرة.
مخيم اليرموك يحاصر لأشهر طويلة ويموت سكانه جوعاً، ويضطر الآلاف منهم إلى هجرة ثالثة وربما رابعة، وهذه المرة إلى بلاد ما وراء البحار، ولا أحد يتدخل بشكل جدّي لوقف نزيف المخيم وباقي المخيمات الفلسطينية في سورية التي تتعرض إلى ما يتعرض له مخيم اليرموك... وهذا يثير علامة استفهام أخرى؟!
أصوات شبابية تعلو في المخيمات الفلسطينية في لبنان، تطالب بفتح باب الهجرة للشباب الفلسطينيين الممنوعين من العمل في لبنان... تحسبها في البداية أصوات احتجاج في مخيمات شمال لبنان... ولكن سرعان ما تكتشف أن لا أحد يهتم بهذه القضية سوى سفارات بعض الدول الأجنبية التي تلتقي هذه المجموعات وترحّب بفكرتها وتدعمها...
وحين تبدو الأمور جدّية وليست فقط خطوة احتجاجية، تحاول القوى الوطنية الفلسطينية أن تتدخّل، فتحذّر من خطورة هذه الحركة على المخيمات وقضية اللاجئين... ولكن القائمين على هذه الفكرة يرفضون ويُصرُّون على مواقفهم، هذا يطرح، أيضاً، عشرات علامات الاستفهام.
آلاف الشبّان في مخيمات قطاع غزة، أيضاً، يحاولون الهرب من واقع لا يستطيع أحد منهم تحمّله، وفي ظل استطلاعات رأي عديدة تجد أن الغالبية المطلقة من هؤلاء الشبّان ترغب في الهجرة... علماً أن قطاع غزة قائم على أغلبية من اللاجئين؟!
هل هذه خيوط لا رابط بينها، أم أن هناك خطة منهجية لتصفية قضية اللاجئين، وبكل السبل المتاحة وبدعم من دول غربية، بدأت تقدم إغراءات حقيقية للاجئين الفلسطينيين، وخاصة أبناء المخيمات في لبنان وسورية وغيرها من مناطق اللجوء.
وفي ظل المتغيرات في المنطقة، فإن فكرة إنهاء قضية اللاجئين تبدو أكثر سهولة، ومع الضغوط السياسية والاقتصادية الممارسة بحق هذه الفئة الواسعة من أبناء الشعب الفلسطيني، وعدم القدرة المتواصلة على الصمود أمام هذه الضغوط تبدو إمكانية تحقيق أهداف تصفية القضية أكثر بكثير من المتوقع.
أما بالنسبة لوكالة الغوث، فإنه لم يبق من هذه الوكالة سوى هيكلها الوظيفي، بمعنى أن كثيراً من الخدمات التي كانت تقدمها الوكالة للاجئين خلال العقود الماضية، بدأت تتقلص رويداً رويداً حتى باتت شبه معدومة.
في قطاع غزة نظّمت الاعتصامات والمسيرات المتتالية أمام مكاتب وكالة الغوث، خاصة في المخيمات، من أجل إعادة النظر في قَطْع المساعدات الغذائية.. ولكن دون جدوى.
وكالة الغوث تعاني عجزاً كبيراً، علماً أن المموّل الرئيس منذ الخمسينيات والستينيات، وحتى نهاية القرن العشرين هو الولايات المتحدة والدول الغربية على أساس أن هذه الدول هي الأساس في إقامة دولة إسرائيل ودعمها، وتهجير الفلسطينيين من أرضهم في العام 1948.
إلاّ أن هذه المعادلة تغيّرت عندما أصبحت دول خليجية جزءاً من الدول المانحة بشكل أساسي لوكالة الغوث... فبدأت كثير من الدول الغربية تقلّص مساهمتها في هذا الدعم، بحيث تضاعف العجز في ميزانية الوكالة، وأصبحت مهددة بالإفلاس.
إذن، هي ليست أوضاعاً تربطها المصادفة فقط، وإنما خيوط تُنسج بدقة وعلى مهل هنا وهناك في الدول المضيفة للاجئين؛ من أجل هدف واحد هو تصفية قضية اللاجئين، وبالتالي التخلص من أكثر قضايا الحلّ النهائي صعوبة، خاصة أن الإسرائيليين يعلنون عن استعدادهم للتفاوض حول قضايا الحل النهائي وفق أفكارهم، ولكن عند وصولهم إلى قضية اللاجئين، يُجمعون يساراً ويميناً بما في ذلك القوى الإسرائيلية التي تصفُ نفسها بالديمقراطية أو الليبرالية على مبدأ رفض حق العودة دون نقاش، بل أكثر من ذلك، فقد بدؤوا يرفضون مجرد أن تطرح قضية اللاجئين في أي محفل يوجدون فيه.
قضية اللاجئين أمام مفترق تصفية خطير، بحاجة إلى جهد جماعي... وإعادة النظر في كل المفاهيم السابقة حول اللجوء والتهجير والعلاقات مع الدول المضيفة ووكالة الغوث... وإلاّ اقرؤوا الفاتحة على روح هذه القضية!.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]