إن زعماء المناطق المتنازعة في العالم يلبسون جلود النعاج حينما يستجيبون لاجراء مقابلات صحفية مع صحيفة "نيويورك تايمز"، فهم باحثون عن السلام وصانعو سلام وطالبو سلام والسلام عليكم. وهذا ما فعله أمس أبو مازن ايضا الذي بين موقف الفلسطينيين من وثيقة جون كيري ومن التفاوض مع اسرائيل. بيد أنه توجد نقطة ضعف واحدة لكل حيله اللغوية المهادنة وهي رفضه الاعتراف بأن اسرائيل دولة يهودية. يزعم الفلسطينيون (ومعاونوهم في اسرائيل) أن بنيامين نتنياهو اختلق من عقله شيطانا سياسيا اسمه "الدولة اليهودية" لاحباط حل "دولتين للشعبين". فاذا كان الامر كذلك فلماذا لا يمزق أبو مازن القناع عن وجه رئيس الوزراء ويثبت أن ليس الامر الرئيس كذلك؟ ليس هناك سوى تفسير واحد وهو أنه لا تكمن "حيلة دعائية" وراء طلب "دولة يهودية" أو لا تكمن "حيلة دعائية" فقط، على الأقل بل فيه ايضا مضمون حقيقي لا يستطيع الباحثون عن السلام تجاهله.
معنى "الدولة اليهودية"
إن معنى عبارة "الدولة اليهودية" أنه لا ينبغي اغراقها باجانب يغيرون صبغتها السكانية، أي أنه "لا حق عودة" لنسل اللاجئين في 1948. والى ذلك فان من يعترف في اطار اتفاق السلام بأن اسرائيل دولة يهودية يعلن في واقع الامر انهاء الصراع وانه لن توجد مطالب منها بعد.
لماذا يسلك كذلك؟ شاركت أمس في مؤتمر القدس الذي نظمه "بشيفع" اليمني وقد وجد الكتور رون فوندك من مهندسي اتفاق اوسلو تسويغا يثير الاهتمام بعد سؤال من أحد الحضور وهو لماذا لا يعترف أبو مازن بالدولة اليهودية، وهو أن ذلك دليل على أن ابو مازن صادق مستقيم لأنه كان يستطيع أن يوافق على "دولة يهودية" وأن يحصل على نصيبه وأن يخدع العالم بعد ذلك ويجدد مطالبه. وحقيقة أنه لا يسير في طريق الخداع في هذا الشأن تدل على فضله.
قد يكون ذلك يدل على شيء من فضله، ومع كل ذلك لماذا يرفض قبول عبارة "دولة يهودية"؟ ليس ذلك إلا لأنه يرى في صدقه أن الانسحاب الى حدود 1967 ليس انهاءا للصراع وقضاءا على الطالب المتبادلة وأنه ليس للامر نهاية.
يجب على اسرائيل أن تسعى إلى اتفاق مرحلي مع أمريكا وأوروبا
كان رفضه تبني هذه العبارة يستحق ردين الصلة بينهما متسقة وهما انتقاد امريكي شديد لاصراره الذي يثير سؤال لماذا امتنع الوسيط جون كيري عن تنبيهه الى ذلك وعن رسم مخطط اشكالي لمستقبل الفلسطينيين لا يقل اشكالية عما عرض على اسرائيل؛ وفهم واقعي أنه لا يوجد شريك فلسطيني في السلام كما عرف ذلك بحسب تسلسل الاحداث اسحق رابين وشمعون بيرس واهود باراك واهود اولمرت، وعلى ذلك يجب على اسرائيل أن تسعى إلى اتفاق مرحلي مع امريكا واوروبا ومع دول الجامعة العربية ايضا اذا أمكن.
وفي هذا الشأن يجب على الاسرائيليين وغيرهم، وعلى كل انسان نزيه مهتم بالصراع الاقليمي، أن يحشر أبو مازن في الزاوية: لنفترض أن نتنياهو يطمح الى التهرب من الاتفاق، لكن لماذا لا تستجيب أنت باعتبارك زعيم الفلسطينيين لطلبه الذي يفهمه كل من توجه الى التفاوض بيدين نقيتين؟ قد يكون عنده جواب لكن ليس عنده جواب مشروع.
[email protected]
أضف تعليق