حتى لا أبقي عجز العنوان "حُزّيرِة" فسأريحك عزيزي القاريء وأبدأ به. لبّيت مؤخرا دعوة لأحد الأطر الوطنيّة الفاعلة ضدّ التجنيد، تدعو فيها الأطر الوطنيّة الأخرى الفاعلة في نفس مجالها حسب اجتهادها، وفي صلب دعوتها بناء هيئة تنسيقيّة بين الأطر للتعاون، وبعد أن استشرت الإطار الذي انتمي إليه اتخذ القرار أن المطلوب اليوم وعلى ضوء كل الظروف الموضوعيّة محليّا وإقليميّا حتى، هو وحدة الأطر وليس التنسيق التقني فيما بينها وإن كان التنسيق مطلوبا في مرحلة تاريخيّة معيّنة فالتاريخ ديناميّ وما كان يصحّ بالأمس ليس بالضرورة أن يصحّ اليوم إذا حتّمت ذلك تطورات ذاتيّة وموضوعيّة لا خلاف عليها أو الخلاف عليها طفيف، فكان الرد من "المعزّب" أن في الوحدة مضرّة لعمل الأطر !!! وانصرف "المعازيم" بدون عشاء!!! .

أنا في هذا المقال بصدد قضيّة تطال وجودنا كأقليّة قوميّة عربيّا ووطنيّة فلسطينيّا في بلادنا، يتمّ التعدي المؤسساتي السافر عليها من هذا الباب، وأحد أوجه هذا التعدّي هو تجنيد أبنائها قسرا حينا وطوعا أحيانا، وآخر هذا التعدّي هو المحاولات الحثيثة لجر العرب المسيحيّين للتجنيد أو التجنّد، استغلالا أو استثمارا، حسب السياق، للأوضاع المحليّة والإقليميّة واستوحاش المد الطائفي أساس كل بلايانا ذاتيّا.

لا يمكن للمرء فردا، أو للمجموع أسرة كان أو عائلة أو بلدة أو طائفة أو شعبا أو أمّة، أن يواجها عدوّا يتربّص بهما شرّا إلا إذا كانا صاحبي هيبة، ولبناء الهيبة أسس إضافة للإقدام والشجاعة الواعيتين، وأحد أهمها هي الوحدة، وحدة الأدوات، الأطر، فتصير وحدة العمل تحصيل حاصل ويمكن لهذين الوحدة وحاصلها أن يتعايشا مع الحفاظ على التعدديّة فكريّا ورؤيويّا وفي ذلك إغناء وليس إفقار.

استعارة من علم الهندسة المستوية هنالك الواقع والمطلوب أو المفروض والحلّ والبرهان، الواقع اليوم أن الشرذمة سيّدة الموقف في كل أطرنا الوطنيّة، وفي السياق ينشط أو ينوجد لمناهضة التفريق والتجنيد الإجباري بين العرب الدروز ما لا يقل عن سبعة (7) أطر بعضها لا يتعدّى أفرادها أصابع اليد الواحدة. وهي مجتهدة جدّا في إصدار البيانات عن صولاتها وجولاتها وانتصاراتها وفي الكثير من الأحيان "انتصارات" على الإطار الآخر هذا إن لم يكن تسفيها للإطار الآخر وشخوصه. 

والمؤسف والمقلق أن هذا يحدث انعكاسا للشرذمة القائمة في القوى الوطنيّة العربيّة العامة هنا وما وراء الحدود، ففيها تجد حتى "الفطاريش" أو "الفُقُع" حسب اختلاف التسمية عند أهل قرانا النابتة بعد كل عاصفة رعديّة، التربة الخصبة "المروّثة" أحيانا، لا وبل تجد أكثر من ذلك و"بعض الظن أثم"، ومن سخرية الأقدار أن صارت للآثام حسنات في السياق الذي نحن بصدده.

وعودة على علم الهندسة وحيث أن هذا هو الواقع، فالمطلوب أو المفروض اليوم أمران. الأول وحدة تنظيميّة للأطر ذات التاريخ والامتداد والرؤية السياسيّة والفكريّة من خلالها يتّم استيعاب الأطر الشبابيّة المنطلقة والتي لم تجد في هذه الأطر عنوانا لها، وأول الطريق هو الإجابة من خلال الوحدة على السؤال : لماذا ينفر الشباب من هذه الأطر رغم أهميتها وأهميّة تاريخها وأهميّة دورها ومكانة شخوصها؟! وعند التغلّب على السبب أو الأسباب إعطاء الشباب مواقع المسؤوليّة والقيادة ليكن "المخضرمون" ظهيرا لهم. أما الأمر الثاني فهو سدّ الطريق على الفطريّات النابتة بعد كل عاصفة رعديّة خصوصا وأن الطبيعة علمتنا أن ليس كل الفطريات "مأكولة" فمنها السمّ الزعاف.

البراهين كثيرة ولا تُعدّ ولا تُحصى وهذه أتركها للقاريء واجتهاداته. أمّ بعد:

من باب "وضع الحد في المارس" وتحمّل المسؤوليّة، كلامي أعلاه لا يعني أني شخصيّا والإطار الذي انتمي إليه (الحركة الوطنيّة للتواصل- الميثاق والتواصل) بريئين من المسؤوليّة عن هذا الوضع، ولكن للحقيقة والتاريخ أننا استنتجنا النتائج مبكرا ومنذ سنوات. فدعونا إلى إطار تنسيقي منذ ال2001 وُضعت أسسه في وثيقة كتبت بخط شاعرنا الكبير سميح القاسم في بيته وما زالت محفوظة إلا أن المحاولة أُفشلت، ومن ثمّ عدنا للموضوع مرارا وأبدينا الاستعداد لتشكيل هيئة تنسيقيّة يترأسها أي إطار غيرنا ومرة أخرى فشلت المبادرة.

بغض النظر، الحالة "الشرذمويّة" أعلاه أفقدت القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة المؤطر منها والمستقل الهيبة أمام الرجعيّة الدرزيّة وأمام المؤسسة وحتّى أمام الجيل الشاب المنتفض، وأكثر من ذلك وأخطر أنها أفقدتها الهيبة في أعين القوى الوطنيّة العربيّة عامة وليس الكلام الوجاهيّ المعسول المُقال هنا وهناك إلا ضريبة كلام، وهذا لا يعني أن هذه القوى العربيّة العامّة براء من الحالة.

أشرنا مرارا وتكرارا ونعيد الإشارة أنه وباعتراف المؤسسة الإسرائيليّة فإن العرب الدروز يشهدون في العقد الأخير تنام مضطرد في الابتعاد عن سياسة المؤسسة تجاههم وبكل النواحي، وفي المقدّمة الانصياع لقانون التجنيد الإجباري فعدد الرافضين، وبلغتها المتهربين، في تزايد مضطرد وتكفي الإشارة هنا كدلالة إلى تطور خطير حدث في الشهر الأخير إذا توجهت السلطات العسكريّة (طبعا بتوجيهات) لرئاسة المجلس الديني الدرزي باقتراح عينيّ في هذا السياق لسنا الآن في صدد الدخول في تفاصيله.

لهذا ولأمور أخرى كثيرة يضيق المجال عن الولوج فيها: وحدة الأطر الوطنيّة العربيّة الدرزيّة الأصيلة والأصليّة تنظيميّا وميدانيّا بعيدا عن "الأيقونات"، وتهميش العوالق في الصف الوطنيّ مهمّة تاريخيّة أكبر من أي إطار وأكبر من أي شخص، وعلى الخائفين من فقدان المواقع المدعين "النقاء" و"الصفويّة" أن يعيدوا النظر في طروحاتهم، فلم تكن الوحدة مرّة ضعف وهي أهم أسس الهيبة، وأهل الهيبة هم فقط المُهابون.

سعيد نفاع
الحركة الوطنيّة للتواصل
أوائل شباط 2014 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]