تكاثرت الأصوات الناعقة في ظروف الأزمة العامة التي تعيشها سوريا العربية، وتكاثرت معها بعض الأصوات التي باتت تُنظّر لمقولات تقسيمية تفتيتية قطرية هدامة لتدمير وحدة سوريا العربية، وقد تناولت في جانب منها الوجود الفلسطيني في سوريا باعتباره وجوداً دخيلاً، وليس باعتباره وجوداً وطنيًّا وقوميًّا لشعب واحد ولنسيج وطني وقومي وتاريخي واحد، ولمصير واحد يرسمه الشعب السوري والفلسطيني الواحد والموحد.

تلك الأصوات الناعقة لم ولن تجد لها من يسمَعَها في نهاية المطاف، فهي الأصوات النشاز الدخيلة على الحياة المشتركة والواحدة لبلاد الشام بتكوينها التاريخي المعروف ولنسيجها الوطني والاجتماعي والسكاني الواحد وهو ما كان وسيكون على الدوام.

لقد خَضَعَ اللاجئون الفلسطينيون المُسجلين في سوريا منذ عام النكبة ضمن قيود الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب للقوانين السورية من حيث المساواة مع المواطن السوري في كل المجالات، ما عدا حق الانتخاب والترشُّح للبرلمان السوري، والإدارة المحلية (مجالس المحافظات والمدن)، وذلك وفق القوانين والتشريعات التي صدرت في سوريا، وساعدت في تنظيم شؤون اللاجئين الفلسطينيين الذين وفدوا إلى سوريا في العام 1948، خاصةً القانون رقم (450) الصادر في تاريخ 25/1/1949 الذي أقر إحداث الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب التي ترتبط بدورها بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية، ويتألف ملاك هذه الهيئة من دوائر الإدارة المركزية ودوائر المحافظات حيث يوجد لاجئين فلسطينيين (دمشق، ريف دمشق، حلب، حمص، حماه، اللاذقية، درعا).

واعتبر القانون المشار إليه بأن غاية الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين تقديم المعونة لهم وتأمين مختلف حاجاتهم، وإيجاد الأعمال المناسبة لهم، كما تتولى الهيئة إياها تنظيم السجلات المدنية للاجئين الفلسطينيين وأحوالهم الشخصية، فضلاً عن استلام كل ما يخصص لهم من تبرعات وهبات عبر الهيئات الدولية وتوزيعها عليهم، والتنسيق مع هيئة الأمم لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين العرب في الشرق الأدنى والمُسماة اختصاراً بوكالة (الأونروا) في تقديم الخدمات المشتركة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين فوق الأراضي السورية.

وجاء القانون الرقم (260) الصادر بتاريخ 10/7/1956 الذي ساوى وعلى المستوى التشريعي العام الفلسطيني بالمواطن السوري من حيث الأنظمة المتعلقة بحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم في القوات المسلحة العربية السورية ولاحقاً في جيش التحرير الفلسطيني بعد تأسيسه، مع الاحتفاظ بالجنسية الفلسطينية، فاللاجئون الفلسطينيون في سوريا يخضعون لخدمة العلم منذ عام 1949، ويُعتبر اللاجئون الفلسطينيون في سوريا الجُزء الوحيد من الشعب الفلسطيني في الشتات الذي يَخضع لخدمة العلم في إطار جيش التحرير الفلسطيني (قوات حطين، قوات القادسية، قوات أجنادين، قوات القدس) والعاملة تحت أمرة القيادة العسكرية السورية.

إن القانون الرقم (260) لعام 1956 وفّرَ فرص اندماج الفلسطينيين في سوريا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في هذا البلد بما تَضَمَنَهُ من نصٍ واضحٍ يُعتبر من خلاله اللاجئين الفلسطينيين المُقيمين فوق أراضي الجمهورية العربية السورية والمُسجلين في سوريا منذ لجوئهم القسري عام 1948 كالسوريين أصلاً في جميع ما نصت عليه القوانين. وبالطبع فإن مَرَدُ ذلك يعود للوحدة الحقيقية الجغرافية والبشرية والسكانية ووحدة النسيج الوطني والقومي والاجتماعي الذي يجمع بين فلسطين وسوريا، حيث كانت فلسطين عبر التاريخ إقليماً سوريًّا من بلاد الشام منذ العهود السحيقة من تاريخ المنطقة. وعليه فقد كان قرار البرلمان السوري بهذا الاتجاه قراراً تم اتخاذه بالإجماع في حينه، وصدر بمرسوم رئاسي في حينها.

وجاء في 2/10/1963 القرار رقم (1311) الذي نَظَمَ استصدار وثائق السفر للاجئين الفلسطينيين المقيمين في القطر العربي السوري، حيث تم إقرار استصدار وثائق السفر للاجئين الفلسطينيين في كل من: سوريا ، لبنان ، مصر (التي كانت تُدير قطاع غزة)، فضلاً عن العراق بقرار من المؤتمر الأول للمشرفين على شؤون اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة الذي عقد في دمشق العام 1963.

ويحق للمواطن الفلسطيني المُسجل كلاجئ في سوريا، تَمَلُك أكثر من محل تجاري، والانتفاع بالحقوق الناتجة عن الإيجار، واستثمار المتاجر، والانتساب للنقابات المهنية السورية، بيد أن الملاحظ أن هناك ثمة فروقا في تَملُك الشقق السكنية، فلا يحق للفلسطيني اللاجئ والمسجل في سوريا التملك إلا شقة سكنية واحدة في سجلات الطابو الأخضر، بينما يمكن له أن يَتَمَلك أكثر من ذلك في سجلات كاتب العدل.

ونتيجة للتشريعات القانونية المناسبة والجيدة والإيجابية التي صدرت بالتتالي في سوريا بشأن أبناء الإقليم الفلسطيني من بلاد الشام، ساهم فلسطينيو سوريا ببناء البلد خصوصاً في السنوات الأولى التي تلت نكبة فلسطين، فساهموا إسهاماً كبيراً ومؤثراً في عدة قطاعات من العمل في سوريا والتي كان أهمها على الإطلاق ميدان العمل التربوي والتعليمي، حيث انتشر المدرسون والمعلمون من فلسطين على امتداد الأرض السورية، ولم تخل قرية ولو صغيرة في سوريا من وجود مُعلم أو مدرس فلسطيني وتحديداً بين الأعوام (1948 ــ 1965) تقريباً، وبالتالي ساهموا بنشر التعليم على أوسع نطاق في سوريا، خصوصاً بالنسبة لتعليم المواد العلمية كالعلوم والفيزياء والكيمياء والرياضيات، واللغات وتحديداً اللغة الإنجليزية حيث كانت سوريا وما زالت الدولة الوحيدة التي خرجت من تحت الإستعمار الفرنسي دون أن تتخذ من لغته كلغة ثانية في المدارس والسبب في ذلك يعود لوجود اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين تولوا تدريس اللغة الإنجليزية في معظم المدارس السورية سنوات الاستقلال الأولى لسوريا وحتى منتصف ستينيات القرن الماضي تقريباً.

ويُشار في هذا الصدد بأن غالبية فلسطينيي سوريا هم من أبناء شمال فلسطين المحتلة وتحديداً من مناطق الجليل والجليل الأعلى التي تَضُمُ مدن حيفا وعكا وصفد والناصرة وطبريا، وقضائها، والتي تبعد عن مدينة دمشق بمسافات تصل في أبعد حدودها لنحو (250) كيلومتراً فقط. والجزء الأقل منهم من مناطق وسط وجنوب فلسطين. إن خط الحدود الفلسطينية السورية وفق تقسيمات "سايكس بيكو اللعينة" وفي أدنى نقاطه يبعد عن قلب مدينة دمشق (61) كيلومتر فقط.

وخلاصة القول، إن فلسطينيي سوريا، ليسوا بالحالة الطارئة في سوريا بالرغم من وجودهم القسري بفعل النكبة وتداعياتها، فهم الجزء الأساسي من تكوين الحالة المشرقية العربية في بلاد الشام، وهم الذين عاشوا وما زالوا يعيشون حياة الإخوة الواحدة للشعب الواحد بنسيجه الوطني والاجتماعي على أرض سوريا، كما كانوا وما زالوا على الدوام أوفياء لسوريا العربية، وطنهم الأم، الوطن الكبير لهم، فهُمُ في نهاية المطاف جزء لا يتجزأ من هذه الديار الشامية واالعربية، والتي دافعوا عنها جنباً إلى جنب مع كل أبناء البلد، وقدموا من أجلها الغالي والنفيس في محطات كثيرة من تاريخ بلاد الشام القديم والمعاصر.

* عضو إتحاد الكتاب العرب

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]