يخطئ من يظن أن ما يسود بلدنا الحبيب الناصرة من توتر وقلق ومشاعر سيئة هو فقط ردة فعل للانتخابات ونتائجها أو لقرارات المحكمة، بغض النظر عما ستفرزه من نتيجة نهائية. إنه موسم الحصاد، نحصد فيه نتاج ما زُرع في العقود الماضية من دمج سياسة الحكومات المتعاقبة وسياسة البلدية.
توالت الحكومات الإسرائيلية، وما زال نهجها تجاهنا كأقلية قومية أصلانية على هذه الأرض على حاله يتسم بسياسة "فرّق تسد" منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا. هذه السياسة شخّصت في مجتمعنا مكانةً خاصةً ودوراً مركزياً للطائفة والعائلة والمدينة أو القرية، وسخرتها لترسيخها بصورة عنصرية، طائفية، اقتصادية وحتى جغرافية. قسمتنا طائفياً إلى مسيحيين ومسلمين ودروز، وجغرافياً إلى الجليل والمثلث والنقب بما تحمله هذه التقسيمات من أفكار مسبقة وملحقة، وإلى عائلات وحمائل. إن الفرق بين الانتماء وبين التعصب هو أن المتعصب ينظر إلى الآخر المختلف نظرة دونية. هذا التعصب انتقل مؤخراً إلى الأحزاب بوعي أو بدون وعي، فأضفنا على كل أنواع التعصب السابق، بالاضافة إلى الطائفة والعائلة والجغرافيا، تعصباً حزبياً.
بالإضافة لسياسات الحكومة، لم تُسهم القيادة المحلية للمدينة في العقدين الماضيين بصورة فعلية بتقليل ظواهر هذا التعصب، رغم الشعارات التي عَلت تنادي بالتآخي وعدم الطائفية فسَتَرَت للحظة ما أسهمت أياماً وسنين في تجاهله وتفاقمه على أرض الواقع من عصبية وعنصرية.
كان التقطب هو العنوان في العشرين عاماً الأخيرة. في هذه السنين "حكمت" "النخبة" هذه المدينة، واستعملت نهج الإقصاء الفكري السياسي مع باقي الأحزاب من جهة، ونجحت في تهميش وزيادة التعصب الطائفي والحاراتي من جهة أخرى. هُمّشَ الفقراء وهمشت الأحياء البعيدة عن مركز المدينة كحي الصفافرة وبير أبو الجيش وبير الأمير، وتُركت لسنين طويلة دون تطوير أو تحسين لا في الحجر ولا في البشر، فنشأ جيل كامل عاش التهميش لدرجة أن جزءاً من أهالي هذه الأحياء اعتادوا القول "طلعت عالناصرة" مما يعكس الشعور بالغربة وعدم الانتماء للمدينة.
تهميش العائلات
هُمّشت العائلات التي لم تعتبرها الجبهة من النخب، هُمّش كل مواطن لم يكن مقرباً من الحزب الشيوعي بطريقة أو بأخرى. بالاضافة لكل ذلك، ازدادت الطائفية ونمت وترعرعت في ظل إدارة بلدية تبحث عن مصالح الحزب ومقربيه حتى أصبحت لا ترى الآخرين ولا تشعر بوجودهم اللهم الّا قبيل الانتخابات أو من أجل التعالي عليهم.
أنا لا أطعن في أداء الجبهة على مدار السنين، ولكن بعد وفاة توفيق زياد تفاقمت المشاكل وشّحت الحلول في كل ما يخص النسيج الاجتماعي للمدينة. وما كبرنا عليه في الثمانينات لا يعيشه أبناؤنا الآن. انتشرت الطائفية كالنار في الهشيم، وضربت جذورها في أرضنا وفي عقولنا وقلوبنا. مدينة يسكنها ثمانون ألفاً في الليل ويؤمها آلافٌ آخرون في النهار من خارجها، مدينة هي أحد عناوين الذاكرة والبقاء والانتماء الفلسطيني في الداخل، تقوم على مدرسة بلدية واحدة وست مدارس أهلية مسيحية. لم تحاول البلدية للحظة تدارك الأزمة التربوية وأزمة الهوية التي يعيشها أبناؤنا وفي ظلها يكبرون.
موسم الحصاد
إنه موسم الحصاد، حصاد الإعلام المُحتوى من قبل الحكومة وأيضاً من قبل البلدية والأحزاب. الإعلام الذي قلّما ينتقد ونادراً ما يُحاسِب ولا يعمل كسلطة رابعة كما يفترض. الإعلام الذي ما فتئ يُهلل للقائد من أجل مكاسب شخصية، مادية، فئوية أو حتى من أجل كسب استحسان المسؤولين ومؤيديهم. أين البلدية من هذا الانهيار الأخلاقي والإعلامي؟ أين الأحزاب التي تكونت من أجل قضية شعب، من أجل ترسيخ عدالة غيّبها نظام الدولة لمن يرى بهم أعداءه.
شعارات
كيف تستّرت البلدية والجبهة خلف شعارات الوطنية والقومية في الوقت الذي أسهمت فيه في تجهيل جيل كامل، وفي نفس الوقت همّشت شرائح مجتمعية واسعة كان يُفترض أن يكون العمل البلدي في لُب أحيائهم وبين أولادهم. كلنا نعلم التقسيم الحاراتي الطبقي الذي يسود المدينة، وكلنا صامتون، نشعر ونعرف مدى طائفيتنا ونتنصل منها في العَلَن... وهذا لا يحل مشكلة.
هذا هو موسم الحصاد لما زرعته الحكومات عمداً، ونمّته البلدية في الخمسة عشر عاماً الأخيرة بالتراخي والتجاهل. حصاد الطائفية، حصاد العائلية ومحصول لا بأس به من الحزبية والحاراتية. هو حصاد التهميش هذا، ما جعل الناخب في حينه يرى بابن الجبهة الثائر عنواناً لثورته. ربما كان حرياً بالناخب أن يبحث عن بديل حقيقي وليس بديلاً مشابهاً للموجود، وليس بديلاً هو أصلاً جزء من المنظومة المقيتة، ولكن لهذه الدرجة بلغ الشعور بالاشمئزاز والاستياء وما بعد بعد خيبة الأمل.
كنتم متفقين
عندكم أنتم يا من تدّعون القيادة والحكمة والوطنية مفتاح الهدوء والسكينة في المدينة. كنتم متّفقين لسنين طويلة فتسامَوا الآن قليلاً واجلسوا سويةً من أجل الوصول لاتفاق. لا تتمسكوا بوهم فوزٍ يطير بكم الى الأعالي ويُبعدكم عن واقع سقوطكم المرير. ولكي تصلوا إلى اتفاق عليكم أن تخلعوا عنكم تكبركم وعنجهيتكم وتكفّوا عن تحميل الآخر المسؤولية. اخلعوا عنكم هذا الرداء البالي ليستطيع الآخر أن يشعر بصدق نواياكم، فهو منكم ويعرفكم جيداً. إذا لم تستطيعوا إلى الاتفاق سبيلاً فكونوا على قدر من المسؤولية التي تتغنون بها، واذهبوا لانتخابات جديدة، فهي الحل الوحيد لأزمة أنتم من افتعلها. ليس من شرعية في الشارع النصراوي لرئيس فاق منافسه ببضعة أصوات لا تتجاوز عدد أصابع اليدين، تحوم حولها شبهات التزييف. وأمام شعبنا قضايا أصعب وأهمّ علينا مواجهتها كشعب واحد غير مقسم، لا لأحزاب ولا لغيره من تقسيمات، بدأناها نحن واستغلها النظام.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
גברת רולא : המאמר שלך מאוד מאוד מעניין ואמיתי ונוגע לשורש הבעיה .. אני מצדיעה לך כל הכבוד יקירתי
מדוע לא קראה לבחירות חוזרות ? רק שראמז גבר על עלי שנית ראמז הצהיר שיכבד כל החלטה של בית משפט להבדל מעלי שהצהיר יותר מבעם שלא מעניין אותו מהחלטות בית המשפט ובסוף הוא רץ לעליון עם ערעור , הכותבת רוצה ללמד חד"ש מה זה אחריות לאומית ?!! ילדה חמודה את עוד קטנה וצריכה ללמוד הסטוריה המודירנית של העם הפלסטיני פשוט השנאה לחד"ש הסתירה ממכם הרבה
عزيزتي اشكرك على هذا المقال الذي اختصر الكثير ودل على الاكثر حبذا لو تناولنا قضيه فوزا مؤقتا وفرحه خبيثه لا تخلو من شعور بالتفوق المغرور والساذج وان نكون اكثر مسؤولين ومحبه للطرف المعاكس ذات الوطن والقضيه الواحده واستغرب هذا التصرف القذر من مدعين الوطنيه حين تناسوا ما هو اهم من فرحه الغرور وااسف جدا على ما الت عليهم عنجهيتهم الفارغه
الأخت رلى بدأت المقال بشكل جيد ولكن مع الإستمرار كشفت انك من مؤيدي السيد علي سلام ولست منتقدة الوضع وانت تعلمين ان من يرفض التفاوض هي قائمة ناصرتي التي تريد الكرسي ولا تريد التوصل الى تفاهم شرط مسبق لأي كان مرفوض. الجبهة برئاسة السيد رامز قبلت بقرار القانون حتى قبل اي جلسة، ولم تخل بالنظام ولم تلجأ لقانون الغاب، مادة للتفكير
قرأت مقالتك مرتين لعلي أكون مخطئا. اتضح لي أن المنهجية هي تحليلية للتوصل إلى هدف. المقالة ليست حيادية بل لولبية في تقديم المعلومات وتحليلها لتخدع القارئ. أعجب من الناس المثقفة كيف لا يرون ما يحدث بالشارع ويحللوه بموضوعية