تَتَدَفَّق هذه التأَمُّلات، من جديد، بصورة شَذَرات، كمُحاوَلة قد تغدو الأَخيرة، في الفَصْلِ ما بعد الأَخير، لِسَبْرِ أَغْوار السَّبيل نحو الفِرْدَوْسِ المُمْكِن، بعدما تَضَاءَلَتْ الاحتمالات..
فهذه الكِتابة بمثابة محاولة ذاتية، تبدو غير مُتواضِعة، لِفَضّ بكارة عُقولنا، بعدما طالَتْ عُذريَّتها.. إذْ انني أَدَّعي أن عقلنا الجَمْعِيّ ما زال بِكرًا، وعقولنا، عمومًا وبدون تعميم، ما زالتْ عَذراء، وقد حان الوقت، وإِنْ بَدا ذلك مُتأَخِّرًا، لرفع الحِجاب عن عقولِنا وإِراداتنا..
فنحن نحتاج الى ما يتجاوز "المثقَّف العُضْوِيّ"، نحو "المثَقَّف الجَرَّاح"، وإِنْ بَدا ذلك جنونًا، فنحن أكثر مَنْ يحتاج الى مجانين حقيقيين لا عُقلاء مُصْطَنَعين، فالثقافة التي تخلو من مجانين تخلو من عُقلاء حقيقيين.. والفضاء الفكري والمَجازي والفني واللُّغوي الذي تتحرَّك به وفيه هذه الكِتابة، وما تكتنزه من حُمولة فكرية، إنما هو خارج الثقافة السَّائدة ومُختلِفَة معها وعنها حدّ النَّقيض، وإنْ انْبَثقَتْ من داخل بيئتها الجغرافية والزَّمانية والمعرفيَّة والثقافية..
وقد تبدو هذه الكِتابَة كعملية فِدائية، ثقافيًا، لكنها عملية فِدائية مَحْسوبَة جدًّا وجَيِّدًا، ولا بُدّ منها.. لذلك، فإنَّ هذه الكِتابة لا تُقْرَأْ، بل تُشْرَب كالنَّبيذِ، وفي طُقوسٍ نَبيذيَّة.. إنها مُدَاواة لأَصلِ الدَّاء، وَوَصْفَة "طِبيَّة" مُمْكِنَة..!؟
فأَعود لأكتب لِمَنْ يستحِق أن يَقْرَأ، ولمن يستحق أن يحيا، كما أقرأ لمن يستحق أن يكتُب، ولمن لا "يموت"..
إنّها ارتحالٌ بين الخُلاصات، تَتَناوَل المَفاصِل، وتَنْأَى عن التفاصيل.. إنها محاولة أُخرى لاحتمال المُسْتَحيل..
• إقْرَأْ بدون رُكوع ، وافْهَمْ بِلا خُشوع..
• حَذارِ من تقديس النُّصوص، كلّ النصوص..
• أُكتُبْ لِمَنْ يستحق أن يقرأ.. وأقرأ لمن يستحِق أن يكتب..
• بَيْن الحقيقة الواقِعية والحقيقة الإيمانية (العقائديَّة) مَساحة سائِليَّة، تغرق فيها البشريَّة..
• لا يكفي أنْ تسْتَحِق، إنما أنْ تقدِر..
• القوّة حق، لمن استطاع إليها سبيلا.. وهي، كما القدرة، ليست تُهْمَة، إنما الضَّعْف هو التُّهْمَة..
• القوة لا تُورَث ولا تُوَرَّث، إنما القوة الحقيقية تُصْنَع بعقول وإرادات وأيدي مَنْ يملكون إرادة القوّة..
• احتلال الوعي الإدْراكي أكثر خُطورة وفاعليَّة من احتلال الارض..
• يُمْكِن للإنسان أن يتقدم وينتصِر، بدون انتظار "الظروف الموضوعيَّة"، لان هذه الظروف تُصْنَع ولا تُنْتَظَر..!؟
• من المهم أن تَثورَ، لكن الأهم أنَّى تسير..
• الإنسان البَشريّ هو الحيوان الأقلّ عقلاً، لأنه الحيوان الأبعد عن الطبيعة طَبْعًا..
• الطبيعة هي الأُم التي تُدْرِك التَّمَايُز بين أبنائها..
• استشعار الخطر لدى الحيوان أسرع منه لدى الإنسان، فهل فَقَدَ الانسان طبيعتَهُ..؟!
• تطرح الفلسفة الأسْئِلَة المُرَكَّبَة، وتحاوِل العُلوم الإجابة عليها..
• من شُروط الإنسان العَظيم أن يُفَكِّر ويتصرَّف كاليَتيم..
• غالِبَا ما تكون العَظَمَة غريبة عن عصرِها..
• القَريبون جدًا من جَذْوَة النارِ غالبًا ما يَسْتَشْعِرون حرارتها، ونادِرًا ما يَرَوْن وَهْجَها..
• الجواهِر النادِرَة لا توجَد على قارِعَةِ الطريق، ولا تُطِلّ من إشعاع الإعلام، بل هي موجودَة عَميقًا في ظِلال الحَياة.. بَيْد أنها تحتاج الى الكثير من الحَفْرِ والتنقيبِ للوصولِ الى أهْدابِها..
• لا يُمْكِن للمرأة الزوجة أنْ تكون مُلْهِمَة، للمُبْدِع الخَلاَّق، إلاَّ فيما نَدَر..
• في المرأة تَجَسُّد موسيقيّ، وفي الموسيقى تجسيد أُنْثَوِيّ..
• في تَضاريس جسد المرأة إيقاع موسيقيّ، وفي الموسيقى وَقْعٌ أُنْثَوِيّ..
• حيثما تكون الموسيقى يكون وَطني..
• قُلْ لي ماذا تسمع، أقول لكَ مَنْ أنْتَ..
• بمقدورِكَ، إنْ كنتَ قادِرًا، أن ترى الموسيقى وأن تَسْمَع الصورَة..
• الغَضَب، كما الحِقد، عَدوّ لَدود للقرارات والخَيارات..
• الجَسَد هو وَعاء مَحْدود عِنْد مَنْ لا يعرِف الحُدود..
• الزّواج ضَرُورَة اجتماعية غير طبيعيّة، والإنْجاب حاجَة طبيعية غير إرتقائية..
• أسْرى العادات والتَّقاليد هم عَبيد الماضي وأعداء المستقبل..
• ثَمَّة أفكار عِلْمية، ما لَبِثَتْ أن حوّلها الإنسان البَشريّ الى عقيدة إيمانية، حتى غَدتْ "دينًا" لا تخلو من طُقوسٍ..
• هنالك مَنْ لا يرى، وهنالك مَنْ لا يريد أنْ يرى، وثَمَّة مَنْ لا يستطيع أن يرى.. بَيْد أن النتيجة واحِدَة..!؟
• لا تجعل موقعكَ وعملك يُحَدِّدان تعريفكَ وهُوِيَّتكَ..
• الحُريّة الفرديّة أسْمى وأثْمَن من قُيودِ المواقع وزيفِ المَناصِب..
• مَنْ ينتظِر " شهادات التقدير"، في أيّ شيء ومن أيّ كان، يعيشُ أبدَ الدَّهر بين الزّوان..
• أضْحى الانسان في أمَسِّ الحاجة الى ضربةٍ كَوْنيَّة، مُتجدِّدَة وجديدة، لإنقاذ الإنسان مِن بشريَّتِهِ..
• ما عادَ من المعقول تقبُّل الديانات والإنتماءات والايديولوجيا بالَمَوْروثِ، كتقبُّل البيولوجيا بالمَحْروثِ..
• لَعَلَّ الوقت قد حان لتحرير العقل الإنسانيّ من الاحتلال الدينيّ..
• الدَّيانات: أساطيرٌ مُتَرْجَمَة ومُتَرْجِمَة لِما سبقها، مع هامشٍ من المُخَيّلَة والتَّأْويل..
• ثَمَّة دِيانات أرضيَّة، وإن كانت وَهْمِيَّة وغَيْبِية، بَيْد أنَّها أقرب الى الطبيعة والحَياة من زَميلاتها "السّماوِيَّة"..
• كان دين المُسْتَعْمَرين، دَوْمًا، ولا يزال، أداة طَيِّعَة بِيَد المُسْتَعْمِرين..
• اللادينيّ هو الحلّ.. اللادينيّ هو المقدّمة الحقيقية الاولى للخروج من المأْزق وتجنُّب الهاوِيَة.. اللادينيّ هو السَّبيل الأعْقَل نحو الفِرْدَوْس الأرضيّ المُمْكِن..
• بعيدًا عن التَّقديس، ومنْ داخل الواقِع اللامُحْتَمَل: بين قيمَة فَيْروز وقامَة حسن نصرالله تتدَفَّق الحياة وينفُق الأقزام..
• أضْحَتْ الدولة، كما أضْحَتْ الديمقراطية والمساواة وشرْعَة "حقوق الإنسان"، وكما أضحى القانون، مُجرَّد تضليل وأدوات "حديثة" – قديمة للسَّيْطرَة على ما تبقى مِنْ إنسان..
• ملاحظات غير فلسفية، وقصيرة:-
- سبينوزا: رسالة فكرية مَرْجِعيَّة، غير لاهوتيَّة، في الحياة ولها..
- جبران: قامَة أدبية فنية عُليا، خَلَتْ من النَّسَقِيَّة مع ذاتها، ولم تَخْلُ من المَزَاجية الفكرية..
- لو أطَلَّ نيتشه علينا، وعلى عَصْرِنا، لصَرخَ قائِلاً: كَمْ كنتُ مُعْتَدِلاً..!؟
• لَعلَّني أسْمَع ميكيافيلي، في عودتِهِ المَجَازِيَّة، قائِلاً:
لم أقصُد ولم أصِل الى ما وصلتم إليه، عقيدةً وسُلوكًا، إنّ الإنتهازيِة عندكم باتت أيديولوجيا، فما أبْأَسكم وما أوْضعكم، فليس فيكم ولا مِنكم يخرُج الأمير..!؟
• البَداوَة كانت، وما زالت، هي المُحَرِّك للكثير من البشرِ والشعوب البِدائية، في التفكير والسلوك، مهما تبدَّلت الأشكال والأدوات وَتَنوَّع اللّبوس.. فثمَّة العديد مِنْ دُول ومُجتمعات الرُّخام، تُدار وتُساق بعقليَّة الخيام.. إنها دول وشعوب من ملح..!؟
• "النَّسيج الإجتماعي" الذي يتشَدَّقون دِفاعًا عنه في المجتمعات البِدائيَّة، كَغِشاء البكارَة، لا بُدَّ أن يُفَضّ من أجل الإنطلاق..
• إذا فَقَدْتَ قيمَة وجودكَ فلا تَتَطفَّل على الحياة، ولا تكن مُتطَفِّلاً فيها..
• ما عادَ التَّقليم ناجِعًا، وبات البَتْرُ خَلاصًا..
• تعَمَّدْ في نهر الحياة والحريَّة، ولا تتعبَّدْ في مُستنقع الموت والعُبوديَّة..
• كل شيء باتَ يعنيني، بقدر ما عادَ يعنيني، ويعني لي، أي شيء.. إنها ليست عَدَمِيَّة..
(من خارج نُصوص كِتاب: بَيان الفِرْدَوْس المُحْتَمَل- تأَمُّلات في شَذَرات)
[email protected]
أضف تعليق