توالت مؤشرات الإنفراج.. فبعد إشاعة أجواء التفاؤل بالتوصل إلى شبه اتفاق على تشكيل الحكومة في لبنان، انبرى رئيس حزب المستقبل سعد الحريري الى الإعلان من لاهاي عن أنه لا مانع من المشاركة في حكومة تضم حزب الله، فيما برز على المستوى الإقليمي – الدولي إعلان الإئتلاف السوري "الجرباوي" انه سيشارك في مؤتمر جنيف 2 حول الأزمة السورية "لاحساً" الشروط التي كان وضعها لتحقيق ذلك.
لا شك بأن هذه الخطوات مترابطة حيث أنها تصدر دفعة واحدة عن جهة واحدة، وهي المملكة العربية السعودية عرّابة عرقلة الملفات منذ لحظة انكسارها أو على الأقل شعورها بذلك عقب تراجع الولايات المتحدة عن شن عدوانها على سورية والذي كان متوقعاً في تشرين الثاني الماضي، لكن بطبيعة الحال فإن تلك الخطوات هي نتيجة جهد دولي أوروبي – أميركي مشترك نجح في إقناع أو الضغط على المملكة لتليين موقفها حيال العديد من الأمور وفي مقدمتها عدم وضع الشروط أمام انعقاد جنيف 2 في موعده لاعتبارات باتت تتعلق بالأمن الدولي بعد انفلات وحش التكفيريين من قفصه وخروجه عن طاعة ولي الأمر الإقليمي الذي يتمثل بالإستخبارات السعودية ورئيسها بندر بن سلطان، والدولي الذي تلبس عباءته الاستخبارات الاميركية في غرف العمليات في الأردن وتركيا وعواصم أوروبية أخرى.
على المستوى اللبناني تم تجاوز العديد من العقد الصغيرة والكبيرة معاً. فقد تنازل حزب المستقبل وحلفاؤه عن شرط انسحاب حزب الله من سورية لتشكيل حكومة طالما أعلنوا أنهم يرفضون أن تكون غطاءً لمشاركته في القتال فيها إلى جانب قوات الحكومة السورية وقيادتها، كما أن مطالبات هؤلاء بإيجاد حلول لسلاح الحزب كشرط آخر لقبول مشاركته في إدارة البلد قد سقطت ايضا، ناهيك عن أن كل محاولات التوتير المذهبي والطائفي وصولا الى اشعال البلد عبر جماعاتهم المسلحة المنتشرة في شمال لبنان وشرقه والمجموعات الأمنية الموزعة على غير منطقة وترعاها أجهزة أمنية محلية رسمية وخارجية داعمة لها قد تعثرت بعد إعلان الحريري قبوله الجلوس مع حزب الله على طاولة حكومية واحدة.
اعلن الحريري ما أعلنه غير آبه بما يمكن أن يحصل من ردات فعل على الأرجح لم يحسب لها أي حساب لا هو ولا أحد من فريقه السياسي، وما ظهر منها خلال اليومين الماضيين لا سيما في طرابلس إنما يؤشر على ضعف الإدارة السياسية لهذا الفريق لكنه يؤشر ايضا الى ان ما التزم به الحريري تمهيداً لتشكيل الحكومة وعودة بث الروح في فتح باب الحوار بين الفرقاء المتنازعين في البلد بات يتطلب منه وممن خلفه تقديم ضمانات على التزامهم وقدرتهم على قمع تلك الجماعات التي طالما غذوها ودعموها ووظفوها من أجل تحقيق أهدافهم، خاصة وأنها قد تنحدر الى مزيد من السلبية وهي مسلحة تسليحاً كبيراً ما يهدد مجمل الوضع الأمني في البلد وتحديداً بعد الحرب الضروس التي اشتعلت بين امراء الحرب في سورية من جبهة نصرة ومجموعات الدولة الاسلامية في العراق والشام داعش حيث يتم الحديث عن مقتل الآلاف من الفريقين في قتال لم يتجاوز عمره الشهر الواحد في حين أنه يشير إلى أنه مرشح للتصاعد بسبب عدم قدرة اي من الفرقاء الذين دفعوا باتجاه انشاء وتقوية مثل تلك الجماعات على لجمها أو وقفها عند حدود معينة.
تخشى مصادر سياسية وأمنية أن يكون مصير منطقة الشمال اللبناني كمصير شمال سورية لجهة سيطرة الجماعات المسلحة المختلفة فيما بينها على التفوق وانتزاع مناطق نفوذ هنا او هناك لاعتبارات أمنها الذاتي بالدرجة الأولى ومحاولة فرض أمر واقع سياسي من خلال ذلك على مختلف الجهود المبذولة لإعادة رسم معالم المرحلة المقبلة من جهة ثانية وهذا ما قد يعزز من مخاطر انتشار العبوات الناسفة والإنتحاريين والتفجيرات في كل أنحاء لبنان كما سيعزز من فرضيات حصول اغتيالات خاصة للشخصيات التي ينظر اليها على أنها تخلت عن دورها إلى درجة الخيانة كما برز عبر وسائل الإعلام من طرابلس تحديداً.
أما على المستوى الإقليمي – الدولي، فقد اسقط الإئتلاف السوري من شروطه مطلب عدم تمكين الرئيس بشار الأسد أو أحد من عائلته من لعب أي دور في مستقبل سورية، وهو ما قال أحمد الجربا أنه اتفق بشأنه مع كل الدول التي حضرت مؤتمر باريس الأخير الأسبوع الماضي، ما يعني أن السعودية تراجعت عن الكثير من المطالب التي كانت وضعتها في ملف الأزمة السورية وهي بالتالي باتت مستعدة على إعادة النظر في مجمل المواقف من هذا الملف وباقي الملفات التي تصر اطراف اخرى على عدم فصلها انطلاقاً من محورية العمل الذي تقوم به.
المصادر السياسية والأمنية نفسها تقول إن الأمر الأساسي الذي اذعنت له السعودية ينطلق من المستجدات الميدانية التي تحققت في سورية على صعيدين: الأول، أن جبهتها هناك قد تقهقرت بالكامل أمام ضربات الجيش السوري الذي بات يطارد الجماعات المسلحة في كل مكان على الأراضي السورية وهو ما أدى إلى الشرخ الكبير بين تلك الجماعات من "داعشيين" و"جبهة نصرة" وغيرهم واندفاعهم باتجاه التقاتل على تحصين كل منهم موقعه على حساب الآخر، لكن ذلك لن يخدم استراتيجياً السعودية التي تعلم بكامل أجهزتها أن محاصرة هؤلاء في مناطق نفوذهم المفترضة أمر يسهل على الدولة المركزية في سورية وأجهزتها الأمنية والعسكرية تحقيقه، ناهيك عن أن وجودهم بالأصل بات يقلق العالم الذي هب لمواجهتهم دفعة واحدة في سورية ولبنان بعد قرار تسليم ماجد الماجد، والتحرك الحاسم ضدهم في العراق حيث أعطيت الحكومة هناك الضوء الأخضر والدعم العسكري للقضاء عليهم.
إنها مقدمات جنيف 2 المرتقب لبنانياً وسورياً بعد يومين.. وقد تكون تلك المقدمات مؤشراً إلى نتائجه إذ أن الأهداف التي بات العالم يأمل في تحقيقها على مستوى مكافحة الإرهاب أضحت هي الشعار الذي يرفعه المؤتمر إلى جانب ما يتمناه السوريون من تحقيق إصلاحات ستبدأ حكماً من "جنيف دمشقي" يرسم معالم المنطقة مستقلاً، بدل "الطائف" و"سايكس بيكو" وما إلى ذلك من اسماء "سميتموها أنتم" ما أنزل الله بها من سلطان.. وإصلاحات ديمقراطية محطتها الأساسية إجراء انتخابات رئاسية تكون فيها الكلمة الفصل لصناديق الإقتراع.
[email protected]
أضف تعليق