يعتقد أنّه.. ولكنّه مجرّد..!!
..علينا أن نجلدَ أنفسنا!
{إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
نتذمّر.. نتأفّف.. نتململ.. نبكي.. نشكي.. ونُلقي باللّائمات على الآخرين، محاولين أن نختلق ألف سبب ومُسبّب لنعلّق - من خلالهم - مشاكلنا السّياسيّة والثّقافيّة والتّربويّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة - حتّى الخاصّة منها - على شمّاعات الآخرين! غاضّين الطرف عن أخطائنا وعيوبنا ومفاسدنا وحقدنا وتخلّفنا وقرفنا، متنصّلين من مسؤوليّتنا المباشرة ومتناسين الأسباب الرئيسيّة والحقيقيّة الّتي آلت بنا إلى ما نحن عليه.. فهل يُعقل أن نبقى داخل مجتمعنا نلعب دور المساكين والضّحايا دومًا، نلوم في كلّ صغيرة وكبيرة "الظّالم"، ونحن أكبر الظّالمين في حقّ أنفسنا ومجتمعنا؟!
لا يخلو مجتمعنا من نفوس مريضة متطفّلة نرجسيّة "متمسكنة"، لا تحبّ الخير لغيرها ولا حتّى لنفسها.. تحاول نفش ريشها كالطّواويس، معتقدةً أنّه بألوانها "المزركشة" يمكنها تجميل صورتها الزّائفة وإخفاء عيوبها ومفاسدها. علينا أن نعمل في مجتمعنا على تنقية نفوسنا وإصلاح عيوبنا واجتثاث مفاسدنا وطرح مشاكلنا ومحاولة معالجتها، من دون الحاجة - بعد اليوم - إلى إخفائها أو عدم البوح بها؛ عيبًا أو خجلًا أو لمآرب شخصيّة؛ فجُبن أن نطمر رؤوسنا في الرّمال كالنّعام، بدل مواجهتنا أتفه المشاكل.
نوجّه أصابع الاتّهام - وبحقّ - إلى المؤسّسات والسّلطات الحكوميّة المختلفة الّتي تعمل على تفريقنا، وتمارس بمنهجيّة سياسة التّمييز والعنصريّة، ولكنّنا نمارس جريمة أكبر في حقّ أنفسنا؛ حيث نعمل، يوميّـًا، على ممارسة السّياسة ذاتها مع بعضنا بعضًا، بشكل يدعو إلى الاشمئزاز والقرف. فنجد الغالبيّة تعيش داخل فقّاعات خلقتها لنفسها، معتقدة أنّها مركَز المجتمع وأنّ العالم يدور من حولها، بينما هي - بالكاد - تدور حول نفسها، وبلا جدوى.
حان الوقت ليقف كلّ واحد منّا - مع بداية العام الجديد - وِقفة جِدّيّة مع نفسه، أمام مرآة مسطّحة يكتشف - من خلالها - حجمه الحقيقيّ وقدْر نفسه، ويكفّ عن الوقوف أمام مرآة مقعّرة لتضخيم صورته الوهميّة من خلالها، ولقلب حقيقته الزّائفة. حان الوقت لنقف أمام مرآة مستوية لنرى الأمور على نصابها، ونعمل على اجتثاث عيوبنا وإصلاح مساوئنا ونبذ سلبيّاتنا وجلد أنفسنا.
كثيرون من أشباه المثقّفين يعتقدون أنّهم مُنزلون ومميّزون عن غيرهم، "خلقهم الخالق وكسر القالب"؛ ولكنّهم - في الواقع - بخلاف ذلك تمامًا.. نجد من بينهم مراسلًا "سَخافيّـًا" يعتقد أنّه مؤسّس الصِّحافة وربّ أربابها، وهو - في الواقع - مجرّد..! وشبه كاتب أو مؤلّف يعتقد أنّه نجيب محفوظ، جبرا إبراهيم جبرا، إميل حبيبي، غسّان كنفاني، يوسف إدريس وغيرهم، وهو - في الواقع - مجرّد..! ومفكّرًا أنّه مفكّر يعتقد أنّه إدوارد سعيد أو محمد حسنين هيكل، وهو - في الواقع - مجرّد..! ومدير مؤسّسة تربويّة، بعيدًا كلّ البعد عن الثّقافة والتّربية، يعتقد أنّه وزير الثّقافة، وهو - في الواقع - مجرّد..! وربع فنّان وثُلث مسرحيّ يعتقد أنّه وديع الصّافي أو عادل إمام، وهو - في الواقع - مجرّد..! وعربيّـًا "مُستعربًا" يعتقد أنّه وطنيّ شريف، وهو - في الواقع - مجرّد..! و.. و..
علينا كصِحافيّين حاملين رسالة أن نستمرّ في مهمّتنا الصِّحافيّة النّزيهة، ضمن وسائلنا الإعلاميّة، في نشر إنجازات مجتمعنا وتميّز مبدعينا ونجاحاتهم؛ وفي المقابل، علينا أن نطرح الأمور الشّائكة الملحّة والمشاكل العالقة المؤلمة، وأن نفضح عيوبنا ومساوئنا - من دون طمر رؤوسنا في الرّمال - لهدف التّحسين والتّصحيح.. ما سيَضطرّنا، أحيانًا، إلى جلد من يستحقّ الجَلد، حتّى لو كان ذلك هو نحن!
(الكاتب صِحافيّ حيفاويّ، مدير تحرير صحيفة "حيفا")
[email protected]
أضف تعليق