مـسـيـحـيّ إسـرائـيـلـيّ!
"أنا مسيحيّ إسرائيليّ"!
ذاك الفتى لا يرى أنّه عربيّ. هو يعرّف نفسه بأنّه مسيحيّ إسرائيليّ.
مسيحيّته انتماءٌ دينيّ (دينيّ شكليّ. في حالته، لا يصلح اعتبار ذلك انتماءً إيمانيًّا -إذا صحّ التعبير). إسرائيليّته انتماءُ مواطَنةٍ. أمّا الانتماءان العروبيّ والفلسطينيّ، فلا يذْكرهما. لم يذْكرهما لأنّه لا يعرفهما، لا يحسّهما. لو كان يعرف "رائحة" الانتماء القوميّ والوطنيّ، لَما قال ما قال أمام كاميرا التلفزيون. فلِمَ العجب؟!
صريحًا تكلّم ذاك الفتى. وإذا كنّا مضطرّين إلى توجيه التحيّة له، نحيّيه لصراحته لا لموقفه!
إهـانـة!
وذاك الآخَر المشابِه يقول بالعبريّة للمذيع: "أنت تهينني إذا قلتَ عنّي إنّي عربيّ فلسطينيّ"!
يا صديقي المستاء، امتعضْ كما تشاء، واغضب، لكن لا تستغرب! ماذا تتوقّع ممّن يروّج لتجنيد العرب الفلسطينيّين المسيحيّين من مواطني إسرائيل في جيش "الدفاع"؟ هل سيقول إنّه يدعو إلى هذا التجنيد من منطلق عروبيّ قوميّ وطنيّ؟!
هذا التعالي (في "أنت تهينني إذا قلتَ عنّي إنّي عربيّ فلسطينيّ") ليس تَعاليًا! أنت تدرك يقينًا أنّ هذا كرْهٌ للذات. هذا تحدُّر. هذا تنكُّر. هذا تزلُّف. تزلُّف للأكثريّة العنصريّة المتحكّمة. والمتزلّف من أين سيَلقى الاحترام؟! المتنكّر لجذوره له عِبرة في ما حدث ويحدث لمن خدموا في "جيش جنوب لبنان"، ومَن خدموا الاحتلال (بالعمالة مدفوعة الأجر) من أبناء الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. حين تتبدّل مَصالح المستخـدِم وسياساتُه وتكتيكاتُه، لن يتردّد في أن يُلقي بالمستخـدَم في سلّة المهمَلات إذا استدعت مصلحتُه ذلك. بعد أن تُعصَر الليمونة الوسخة، لا تُحفَظ في المطبخ. الدِّمَن في انتظارها...
أولئك "المسيحيّون"، المتجنّدون والداعون إلى التجنيد، المتهجّمون المتجهّمو الوجوه والنفوس، أولئك الذين يعلنون براءتهم من العروبة ومشتقّاتها، ويحصرون أنفسهم في المسيحيّة والإسرائيليّة، أتوقّع أنّ إسرائيليّتهم ستسخر منهم، وآمل وأتوقّع أن تمسح المسيحيّة عن نفسها هذا العار، وأن تُقصي وتلفظ مَن يسيء إليها باسمها. عندذاك لن يبقى لهؤلاء المتبرّئين ما ينتمون إليه، وعساهم يتذكّرون كلمات السيّد المسيح العظيمة: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالَم كلَّه وخسر نفسَه"؟!
مِن معظم رجال الدين المسيحيّين ننتظر كلامًا واضحًا لا يتأتئ ولا يغمغم ولا يهادن، كتابةً وتصريحًا، على الملأ وفي الغرف المغلقة على حدّ سواء. وقفة العزّ في انتظار مَن يقفها.
رجـل ديـن!
تتّسع حدقتاك وأنت ترغي وتزبد اندهاشًا وغضبًا... وما الخَطْب؟ رجل دين مسيحيّ (عربيّ فلسطينيّ!) يروّج ويدعو لتجنيد المسيحيّين في الجيش!
أخي، ذاك رجل دين، لا رجل إيمان. رجل مصلحة شديدة الضيق، لا رجل مبدأ.
أخي، هل تعتقد أنّ رجال الدين فئة واحدة؟!
متنوّعون هم ومتفاوتون... في الإيمان، وفي المواقف، وفي المقدرات والمواهب، وفي المَسالك...
مِنهم مَن يَخدم؛ ومِنهم مَن يَهدم.
مِنهم مَن يُفيد؛ ومِنهم مَن لا يُفيد؛ ومِنهم مَن يضرّ ويؤذي.
مِنهم المنير المستنير؛ ومِنهم المظلم الظلاميّ.
مِنهم مَن يَـهـدي؛ ومِنهم مَن يَـهـذي.
مِنهم مَن يُرشد؛ ومِنهم مَن يُضَلِّل.
مِنهم الرفيع العالي؛ ومِنهم المترفّع المتعالي.
مِنهم مَن يريد لرعيّته أن تعبد المعبود؛ ومِنهم مَن يريد لها أن تعبد العابد.
مِنهم مَن يضحّي لك؛ ومِنهم مَن يضحّي بك.
مِنهم مَن يرغّب الناس في الإيمان؛ ومِنهم مَن يدفع بهم بسلوكه إلى مَهاوي الكفر.
مـتـمـرّد ثـوريّ
مثلما دعت تعاليم السيّد المسيح إلى التسامح والمحبّة غير المتناهية، دعت كذلك إلى الثورة على الظلْم. السيّد المسيح نفسه كان متمرّدًا وثوريًّا. جمْعُه بين التسامح ونزعة التمرّد هو أحد مكوِّنات عظَمته الفائقة. هكذا أرى أنا المسيح. هكذا أحبّ أن أراه. لكن هنالك مَن اختلطت عليه الأمور -في رأيي-، فأساء الفهمَ وأساء إلى المسيحيّة التي يتوهّم أنّه يخدمها بتعصُّبه وانغلاقه وانسلاخه عن شعبه.
يا مَن تَعيبون علينا وطنيّتنا، وتتباهَوْن بما لا يُتباهى به...
"أحِبّوا أعداءكم" لا تعني: اكرهوا شعبكم، وتذيَّلوا لأعدائه!
"بارِكوا لاعِنيكم" لا تعني: اشتموا شعبكم!
"أحسِنوا إلى مبغضيكم" لا تعني: أسيئوا إلى شعبكم!
لـو عَـرَفـوه...
- مساكين! يظنّون أنّ مستخدِمهم يحترمهم أو سيحترمهم.
** لو عَرَفوا مقدار الاحتقار الذي تُشِيعه تصريحاتهم ومسلكيّاتهم في نفوس مستخدِمهم، لَقتلهم الخجل.
- لا، لن يقتلهم الخجل.
** كيف ذاك؟! لِمَ الاعتراض؟!
- لن يقتلهم هو؛ فهو لا يعرفهم، وهُمْ لا يعرفونه. لو عرفوه، لَما قالوا ما قالوه.
شـيء مـن الـتـاريـخ
الاستناد إلى التاريخ والاستشهاد به ليسا كالاتّكاء عليه؛ وقليل من التاريخ قد يضيء بعض ما في الحاضر...
وممّا يرويه هذا الواعظ الكبير (التاريخ) أنّ إمبراطور فرنسا نابوليون تمكّن من احتلال النمسا بفضل معلومات قدّمها ضابط نمساويّ تعاون مع جيش فرنسا المحتلّ. وحين دخل الإمبراطور الفرنسيّ برفقة جيشه الفاتح إلى فيينا مزهوًّا ممتطيًا جواده، اقترب إليه ذاك الضابط النمساويّ لينال مكافأته، فرمى إليه نابوليون من على جواده صرّة من المال الذهبيّ.
- لكن أنا أرغب في مصافحة الإمبراطور...
- هذا الذهب لأمثالك؛ أمّا يدي فلا تصافح امرأً يخون وطنه!
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
kol el e7tram kolna 3rab iad wa7de mse7eie w eslameie ... la lel ta2efeie kolna 3rb