إن كل شيءٍ في عصر الإعلام المتطوّر، يتغيّر إلى الأحسن، سواء في مجال التّرفيه أو الأخبار أو حتّى في مجال تحديث تقنيّات البث أو في ملاءمة استوديو الأخبار، حسب المواصفات العصرية، لدرجة أن برامج قناة 33 العربيّة، التّابعة لسلطة البث المسيّسة، قد خطت خطوةً صغيرة إلى الأمام في رفع مستوى برامجها الحواريّة فقط، أمّا الترفيهيّة، فإنها ما زالت سخيفة ومتخلّفة تقنيًا، كما هو حال نشرة الأخبار العربية في قناة 33، التي لم تتطوّر بالمرّة، رغم المتغيّرات التي حصلت في مجال إعداد نشرات الأخبار.

تابعتُ صدفةً النّشرة الإخباريّة العربية لقناة 33، ليلة وفاة رئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون، توقّعتُ أن تكون التّغطية التاريخيّة، واقعية غير جانية على الحقائق التي يعرفها العالم بأسره، ولكن يبدو أنها لم تُغيّر من نهجها الاستسلامي لأوامر سُلطة البث، لأن مكتب رئيس الحكومة، هو المسئول عنها، يفرِض على نشرات الأخبار في قناة 33، القسم العربي تحديدًا، بعدَم استخدام المصطلحات السياسية الحرجَة، المسيئة لسمعة الجيش الأكثر أخلاقيّة!!... يعني نشرة إخبارية موالية للحزب الحاكم، كما في دول العالم الثّالث، لذلك تنصاع قناة 33 لأوامر مكتب رئيس الحكومة، من أجل أن تُخفّف عنه عبء انتقادات الإعلام الإسرائيلي اللاذعة!

أقامت سُلطة البث لهذا الحدث الجلل جدارًا إخباريًا واقيًا، لئلاّ تخترقه أي قذيفة معلوماتية تُفجّر ثكنة كرامة الميت، فتُعكّر الأجواء الحزينة في تلك الليلة! خلال عرض التّقرير الإخباري المصوّر عن حياة شارون فوجئت باستعمال مصطلح "حملة سلامة الجليل"، بدَل الاسم الرّسمي "حرب لبنان" التي شنّها شارون في حزيران 1982، لم يَذكُر التقرير أن شارون، لم يأخذ موافقة الحكومة، وهو الذي ضلّل رئيس الحكومة بيغن، مُخفيًا عنه حقيقة احتلال الجّيش لبيروت، بكل بساطة شهِدنا في تلك الليلة تعتيمًا معلوماتيًّا كبيرًا، وذلك ليبقى شارون الرّاعي الأمني الصّالح، الذي حَمَلَ على كتفيه سَخِل الدّفاع عن أمن إسرائيل وسلامة مواطنيها.

الشّيء المؤسف، عندما وصل التقرير إلى ذِكر مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول 1982، التي نفّذتها الكتائب اللبنانيّة، بمعرفة شارون، هنا تمّ تقوية الجدار الإخباري، إذ منع تسريب كلمة "مجزرة"، واكتفى بتسريب كلمة "حادثة"، ولم يقُل "حادثة مؤسفة"!!... يا للعار، بالفعل تُعتبر حادثة، قياسًا بالمجازر التي قام بها شارون ضد الشّعب الفلسطيني، على مرّ تاريخه العسكري! لم يَذكُر التقرير "لجنة كاهان"، التي أمرت بإحالته من منصبه، كما تجاهل التّقرير المظاهرات الاحتجاجيّة الصّاخبة التي ندّدت بالمجزرة، والضجّة الشّعبيّة التي ثارت في أعقابها.

لقد تغاضى التقرير المصوّر تمامًا، عن ذِكر الحملة العسكريّة الواسعة التي أُطلِق عليها اسم "الجدار الواقي"، في آذار 2002، عندما تولّى شارون رئاسة الحكومة، فأعاد جيش الدّفاع احتلال الضفّة الغربيّة، وحاصر الزّعيم الفلسطيني الرّاحل، ياسر عرفات في المقاطعة، تغاضى التقرير عن مجزرة جنين، شطب التقرير جملة "انتهاك شارون حُرمة المسجد الأقصى"، فقط ذَكَر "دُخول المسجد الأقصى"... لم يَرِد بالتقرير أن قَدَم شارون التي دنّست حرمة المسجد، هي التي أطلقت شرارة أكتوبر المباركة في الأول من تشرين الأول من عام 2000.

باختصار شديد... كان تقريرًا تاريخيًّا تجميليًّا عن شارون، غطّى ندبات فظائعهِ، كما كانت عاملة المكياج المرافقة له، تغطّي الندبات التي على وجهه، قبل ظُهوره الإعلامي، لتُجمّل ملامحه الشّرسة! هذا ما فعلته النّشرة الإخباريّة لقناة 33، فهي الوحيدة التي غطّت على أعماله الإجراميّة بحق الشّعب العربي عامّةً. الإعلام الإسرائيلي، عظّم ومجّد تاريخه، لكنه بالمقابل لم يتجاهل قرارات شارون الفردية، لم يتجاهل مجازره في مَعرضِ مناقشة تاريخه... لم يتغاضَ عن كون شخصيّته موضع خلاف.

لماذا في مجال الإعلام الإسرائيلي المرئي هناك سياسة الكيل بمكيالَين، فقسم الأخبار العبري، مسموح له أن يتناول الحقائق كما هي، بينما الخصم العربي... عفوًا القسم العربي ممنوعًا من ذلك؟! والسّبب أن الصّحفيين الكبار الذين يعملون في القسم العبري لا يقبلون الإملاءات من أحد، ولديهم آراءهم السياسية الواضحة، وهناك نقابة الصحفيين التي تساندهم، وتثير ضجّة إعلامية كبيرة في حال نشر أي معلومة مغلوطة أو كاذبة، بينما قسم الأخبار العربي، يبقى تعيسًا، أخباره رهينةً بين يدي سلطة البث، مذيعيه ليسوا أصحاب خبرة طّويلة في مجال الصّحافة المرئيّة، وغير معروفين، لذلك يقومون بواجبهم الإخباري على أتم وجه، كما كانت فاعليّة هذا الجدار الإخباري قوية!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]