عندما فكّرتُ أن أكتب هذه الخاطرة، ثارت في داخلي الحروف التي لا تنتهي، وبدأت أفكاري تنهمر بغزارةِ هطول أمطار يناير، حين تبدأ الأحلام مجدّداً. الكلمات تتسارع وتتبعثر في ذاكرتي بجنون لا يستطيع أيّ شيء في الوجود أن يتصدّى لها؛ لما لها من رغبة أكيدة وإرادة قويّة، فهي لا تتوقف في أيّ محطة.

لا أحاول أن أسأل أين أنتِ بحقِّ السّماء، أو من تكونين، ولا أعلم إن كان الكاتب الفرنسيّ المعروف فولتير قد صدق عندما قال: " لا بدّ أن نحكم على الأشخاص من خلال أسئلتهم بدلا من أن نحكم من خلال إجاباتهم".

فكيف بمقدوري أن أحكم على الإمكانيّة الأولى، أو الثانية؛ لِما يدور في داخلها من تناقض وجنون فاق كلّ التوقعات والحدود. ملامح وجهها المبعثرة تخفي أسرارا مبهمة تشير إلى معادلة معقدة لدرجة أنّي أصبحت أشكّ في حقيقة وجودها.

يُدهشني جنوح مشاعرها الشّرسة التي ترتبط بأيّ شيء، وتخفي رموز وألغاز الكون، ولا تعرف معنى لأيّ من المصطلحات! ولا أعرف بماذا تؤمن، أو لا تؤمن، كأنّها من عالم آخر لا ينتمي إلى هذا العالم، لا يحكمها نظام ولا يقيّدها مبدأ، مفاهيم، عادات، قيم ولا حتّى دين. قد تكون ساحرة، ملاكًا، هلاكًا ؟!

سرّها يكمن في سحرها، كما يكمن سحرها في سرِّها. كلّ من يجلس برفقتها يتوق لمعرفة ما يدور في أفكارها وأعماقها من مخزون ثريّ، وطاقات هائلة بكلّ المعايير والمفاهيم. لا أحد يقدر على مقاومتها أو فكِّ شيفرتها. الكلمات التي تقولها برموشها تحتاج إلى قدرات هائلة لتحليلها وتفسيرها. عندما تتحدّث تسحر الحاضرين، كأنها فيلسوف ومعجزة صنعت تاريخا حافلا في الماضي والحاضر ولها فضل كبير على المجتمع.

قالت في ساعة متأخِّرة من ليلة مقمرة، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة: "كنت أتمنّى أن أرحل، وحياتي غيرُ عقيمة وتاريخي حافلٌ؛ لأشعرَ أنّي تركت وسطّرتُ فيه الكثير؛ عائلة تحبّني، أرضا تفتقدني، ووطنا يحضنُني". 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]