معلمنا وقائدنا
تحل علينا ذكرى ميلادك هذا العام ونحن متعبون، كان بودنا أن نحتفل بهذه المناسبة بشكل آخر. وكنا سنتساءل مع الشاعرة السورية عفيفة محمد الحصني كما تساءلت في عهد مضى، محتارة أي هدية تقدم لك لتعبر عن فرحتها بهذه المناسبة السعيدة الواقعة في الخامس عشر من يناير
عيدُ ميلاد جمال عيدٌ كونٌ يفتديه
حار فكري ودعاني ما الذي أهديه فيه؟
وفي أيامنا العصيبة والسوداء هذه، نتساءل لكن بأسى: ماذا نهديك في يوم ميلادك هذا العام؟ أنهديك خلافاتنا وانقساماتنا وتباعدنا وانهيار أحلامنا القومية وفي صلبها حلم الوحدة العربية؟ أنهديك تقهقرنا وتراجعنا وانهزامنا وذلنا أمام الطامعين والمستعمرين الجدد؟ سنتعبك معنا كما أتعبناك دائما وأرهقنا قلبك الذي لم يحتمل انقساماتنا وتكالبنا على بعض، فتوقف ونحن بأمس الحاجة اليك كما نحن اليوم، فلماذا رضيت الظهور بيننا، لماذا جعلتنا نعيش معك أجمل وأروع أيامنا، حيث رفعت رؤوسنا وزرعت فينا الكرامة والشهامة، وجعلتنا نفتخر بعروبتنا؟
لا تعتب علينا أو تؤاخذنا إن أتعبناك في موتك كما أتعبناك في حياتك، فنحن "قتلناك بكلتا يدينا" واليوم نعيد قتلك بخلافاتنا وانقساماتنا وتباعدنا وانهيار أحلامنا القومية، "فمثلك كان كثيرا علينا.."، فهل نستحق قائدا مثلك وزعيما بحجمك ورئيسا بقامتك؟
وإليك ثلاث حالات من واقعنا الرديء في هذا العصر القميء..علنا بلجوئنا اليك نجد التعزية، فأنت من حملت هموم العرب في حياتك، فلتحمل عنا بعض هذه الهموم في مماتك، ونعرف أنك يا أبا العرب بمقدورك أن تحمل، لأننا تعبنا ولن نجد قلبا مثل قلبك يتسع لهموم أمته..
ريّسنا،
ها هو شعبك المصري الذي ثرت من أجله عام 1952.. يعيش حالة قلق وانقسام وتوتر وخلافات داخلية منذ ثلاث سنوات.. واليوم يحاول العودة الى مسار الأمان والاتفاق الداخلي، عبر الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي اختير أن كون في يوم ميلادك، وربما يكون في هذا الاختيار بصيص أمل.
كثيرون رأوا في الضابط عبد الفتاح السيسي شبيها بك، حيث قام على رأس الجيش المصري بالاستجابة لإرادة الشعب المصري يوم الثلاثين من يونيو عام 2013، في محاولة لتصحيح مسار الثورة الذي انحرف به جماعة الاخوان المسلمين، حيث قام محمد مرسي بخيانة الثقة الشعبية وانحرف بالديمقراطية نحو الانقضاض عليها باجراءات وخطوات دكتاتورية، وانكشفوا بسرعة أمام الشعب.. وتأكد من ظلمك سابقا أنك كنت على حق، فقد عرفت حقيقة تلك الجماعة منذ البداية، لأنك عايشتهم وجربتهم ولذا صدقت مقولتك بهم بأنهم يريدون الوصاية على الثورة، وهذا ما فعلوه بثورة 25 يناير حيث انقضوا عليها متأخرين وسلبوا انجازاتها وجيروها لصالحهم، وواصلوا الانقضاض على الثورة بالانتخابات التي لم يحصلوا فيها على ثقة الشعب ،انما انتخبهم الشعب معارضة لمنافسهم ممثل الحقبة السابقة، وعندما نسمع ونقرأ ما قلته فيهم قبل 60 عاما نصاب بالذهول، لأنه يطابق ما نمر به في أيامنا هذه " لقد انحدر الاخوان الى الهاوية الحزبية البغيضة، الى محاربة الوطن وعزته، لم يحاولوا هدم فاروق ( يمكن استبدال مبارك بفاروق- ز.ش) او الانجليز او الاستعمار، ويحاولون اليوم هدم الثورة التي اخرجتهم من السجون" وفعلا فهاهم يلجأون الى العنف والقتل والتفجير والاعتداء على عناصر الشرطة والجيش وعلى المؤسسات الوطنية، فهذا هو أسلوبهم وطريقهم.
قائدنا ومعلمنا،
سوريا التي أحببتها وأحبتك، التي أبكتك والتي حملتك على الأعناق، سوريا بشعبها العربي العظيم الذي حقق مع مصر الوحدة العربية الفعلية الأولى، وانتخبك رئيسا لأول جمهورية عربية متحدة، سوريا ومنذ ثلاث سنوات تتعرض لمؤامرة كونية استعمارية، التقت فيها الأضداد بهدف ضرب معقل القومية الأخير وتفتيت سوريا الى دويلات طائفية وعشائرية.
جاءوا بهم من كل أصقاع الأرض، جاءوا باسم الجهاد، وأطلقوا هتافات "الله أكبر" مع كل جريمة ارتكبوها بحق الأبرياء، استغلوا الدين ورموزه من أجل أطماعهم وتحقيق مآربهم، وزرعوا الخوف في قلوب الناس. وكنت يا معلمنا، قد كشفت القناع عن أولئك المتاجرين بالدين قبل ستة عقود، حين واجهتهم علنا وبجرأة متناهية بالقول "أي دين هذا الذي يقوم على الحقد والضغينة؟ وأي دين هذا الذي يقتل المثل العليا والمباديء؟" حقا إنهم أبعد ما يكونون عن الدين ورسالته السماوية السمحة.
أما عن حال الأمة العربية فحدث ولا حرج.. فهي لم تعد تملك "وحدة اللغة التي تصنع وحدة الفكر والعقل".. فاللغات باتت كثيرة ومتشابكة ومتداخلة، ولم نعد نفهم منها سوى الصياح والصراخ البربري، وبالتالي تشتت الفكر وضاع العقل في متاهات الانتماءات الصغيرة والضيقة. ولم تعد الأمة "تملك وحدة التاريخ التي تصنع الضمير والوجدان" فالضمير مات وسيق الوجدان الى سوق النخاسة، بعدما تم تشويه تاريخ امتنا وتحول الى تاريخ قبائل وطوائف تتصارع وتتقاتل وتتقاسم الغنائم الصغيرة والاستعمار يبقى الرابح الأول والكبير، ويطمح للفوز بآخر حصة تستعصي عليه وهي حصة الأسد. ولم تعد الأمة العربية "تملك وحدة الأمل التي تصنع وحدة المستقبل والمصير"، فالأمل فقد لدى أمتنا برحيلك، ولم يعد للمستقبل أي معنى في ظل الانقسامات والتدخلات الخارجية، فالمستقبل بات مجهولا وتحول الى ماض أسود بدل أن يكون مستقبلا مشرقا.
أما بعد،
رغم كل الهزائم، رغم كل المؤامرات، رغم كل التراجعات .. فان الكرامة التي زرعتها فينا ما زالت موفورة.. والإرادة التي أحييتها فينا ما فتئت موجودة.. والقومية التي بعثتها فينا من جديد ما انفكت مرفوعة.. وكما خرج الشعب المصري ومعه الشعوب العربية في 9 و10 يونيو 1967 نرفض الهزيمة وتعلن "حنحارب"، نعدك أننا نرفض الهزيمة الجديدة ونعلن حتى آخر قومي في هذه الأمة، أننا سنحارب المؤامرة الخارجية والداخلية على السواء، وسنبقي علم العروبة والوحدة عاليا خفاقا، فهذا "ليس وقت البكاء.. انما وقت العمل".
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
الموضوع رائع جدا من كاتب رائع .. رحم الله جمال عبد الناصر