رافق العنف أولى مراحل تطوّر الإنسان البدائي خلال العصر الحجري، لأن عقليّته كانت متخلّفة، نظرًا لانعدام القيَم الاجتماعية التي تردعه عن ممارسته، لذا كان العنف مصدر رزقه، ووسيلة للدافع عن نفسه من أجل صراع البقاء، لأن الإنسان البدائي افتقر للرّقي الفكري، الذي يمكّنه من فرض قانون يحمي به نفسه، ومع أن المجتمعَين العربي والإسرائيلي، وصلا إلى أقصى درجات الوعي الحضاري، كما لديهما أحدث الوسائل الوقائيّة والأدوات القانونيّة الصّارمة، إلاّ أنّهما لم يستطيعا أن يحميا المرأة، من المنحرفين جنسيًا.

الاعتداءات الجنسيّة في المجتمع الإسرائيلي طالت كبار السّن وهي شائعة جدًا... تتصدّر عناوين الصّحف الإسرائيليّة بين الفينة والأخرى... فهذا يُنذِر بانهيار البُنية الأخلاقيّة والقِيَم الاجتماعية لدى البعض. في مجتمعنا العربي لا نسمع عن اعتداءات جنسيّة، إلاّ أنها موجودة، رغم محاولة بعض العائلات التكتّم عليها، تصب في خانة التحرّش الجنسي العائلي، لأنّ المعتدي العائلي، يعلم تمامًا، أن قريبته أو ابنته لا تستطيع أن تقاومه، لأن بنيته أقوى منها، وتخاف أن تبوح لأحد أقاربها بذلك، لئلاّ يعتبرها مختلّة عقليًا!!

لا شك أن التّحرّش الجنسي داخل بعض العائلات العربية، ليس له رواجًا إعلاميًا عبر الوسائل المختلفة، لا نسمع من الجهات المعنيّة أنها قامت بحملات توعية، فذلك يعتبر من المحرّمات الاجتماعية، يجب عدم الخوض فيها علنًا، منعًا لإحراج العائلة!! وحفاظًا على سمعة الفتاة!! فإن الدراما العربية وخاصّةً السّوريّة، طرحت قضية التحرش الجنسي العائلي بجرأة عالية، من خلال مسلسل بعنوان "العِشق الحرام"، من بطولة عبّاس النّوري ومجموعة من النّجوم، وذلك لأنّها باتت مرعبة رغم حساسيّتها.

على ما يبدو فالعادات الشّرقيّة الأصيلة لمجتمعنا العربي قد تعولمت، ولم يعُد لها وزنًا كما في الماضي، لأنّه يَعتبِر ظاهرة التّحرّش الجنسي العائلي من "الخصوصيّات"، لا يجوز التّدخّل بها أو الإفصاح عنها! وذلك عملاً بالمثل القائل "البيوت أسرار"!... مع أنه يجب أن تتمتّع بعض الفتيات المعتدَى عليهن جنسيًا بالجرأة، من أجل الحديث عن الموضوع، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

التحرّش الجنسي يُعالَج ضِمن أُطُر علاجيّة خاصّة وسريّة غير معلنة، فقط الأخصّائيون النّفسيّون وعلماء الاجتماع يتحدّثون عن هذه الظاهرة المقلقة باختصار، دون التّعمّق فيها، عبر وسائل الإعلام المرئيّة، كما شاهدتُ مؤخّرًا، ولكن اللوم كلّه يقع على جهاز التّربيّة والتعليم، الذي ما زالت مضامينه التربويّة متخلّفة ولم تتطوّر... لم تواكب التغيّرات التي طرأت على تصرّفات الطلاّب، خلال العقد الأخير... لا يخصّص منهاج التّربيّة والتعليم حصصًا حول التربية الجنسية السّليمة في المدارس العربية واليهوديّة، لينشر بين الطلاب الثقافة الجنسية الصّحيحة، كي ينقل لهُم الصّورة الحقيقية للعلاقة الجنسيّة الطبيعيّة غير المقزّزة، كالتي يشاهدونها عبر الأفلام الإباحيّة الخياليّة.

التقنيّة الإباحيّة العصريّة قد باتت متنقّلة، وبمتناول الجميع، من خلال الهواتف الذّكية التي تسمح لبعض حامليها أن يُرسِلوا لأصدقائهم مقاطعًا إباحيّة عبر تطبيق الدّردشة، الواتس أب الشّهير، بمنتهى السّهولة!! ممّا يساعد على تأجيج الغريزة الجنسيّة لديهم، وتحديدًا في سن المراهقة، الذي تكون فيه كمّية الهورمونات عالية جدًا.

بعد أن تفاقمت ظاهرة الإرهاب الجنسي بشكل غير مسبوق في المجتمع الإسرائيلي، أقرّ الكنيست الإسرائيلي منذ بضعة أيّام بالقراءتين الثّانية والثّالثة، قانونًا يقضي بعدم نشر المضامين الجنسيّة المصوّرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أو عبر حيّز الإنترنت، إلاّ إذا وافق الطّرف الآخر، والذي يخالف القانون، يسجن 5 سنوات، يعتبر هذا القانون استكمالاً لقانون التحرّش الجنسي الذي أُقِرّ عام 1998.

هذا القانون غير متشدّد بما فيه الكفاية، بعد إضافة جملة "بموافقة الطّرف الآخر"، أليس فيه تشريعًا قانونيًا، لترسيخ التّسيّب الأخلاقي؟! ودعوةً لتبرير أي تصرّف شائن يقوم به أي طرف، في حال علِمَ الأهل بالفضيحة؟! هذا دليل على أن القوانين التي سنّتها الكنيست، تساهم في إبقاء المرأة مستضعفة، لا قيمة لها، فتصبح أداة رخيصة، لاستباحة جسدها.

الإباحيّة الإعلاميّة المرئيّة التقليديّة، وأقصد الأفلام التي تُعرض على شاشات التلفاز، عبر الصّحون اللاقطة، التي تدعم وسيلة الاتصال بالإنترنت، لفك ترميز القنوات المشفّرة، تعتبر أيضًا محفّزًا على اتّساع وباء الإرهاب الجنسي، مع أن القنوات الفضائيّة الغربيّة والإسرائيليّة، تنتهج طريقة الدّفع مقابل مجموعة قنواتها الإباحيّة المشفّرة، إلاّ أن استخدام تقنيّات الإنترنت الحديثة، تُمكّن فَتح مثل هذه القنوات، فعزّزت لدى المنحرفين غريزة العنف الجنسي بشكلٍ حاد، وهذه هي إحدى مخاطر الإنترنت.

نعلَم أن مواقع الإنترنت غير مراقبة بالمرّة، تساهم في تفشّي الإرهاب الجنسي، رغم انتشار العديد من البرامج الوقائيّة الإلكترونيّة المجّانيّة غير المرئيّة، إلاّ أن بعض الأهالي يجهلون هذه التقنيات، بينما البعض الآخر لديه إلمامًا واسعًا بمثل هذه التقنيّات، لكن الذكاء الفطري الذي يولَد مع هذا الجيل النّاشئ، جعله يفتّش عبر الإنترنت عن أدوات برمجيّة، تساعده على اختراق جدار الحماية، أو يستعين هذا المراهق بأصدقائه "الضليعين" بمثل هذه التقنيّات! فلذا من المفضّل أن يفرض الأهل على أبنائهم رقابة كل فترةٍ لدرءِ الخطر عنهم... ومن الأفضل أيضًا عدم التغاضي عن تفشّي الإرهاب الجنسي في المجتمعَين العربي والإسرائيلي، لأنّه يسبب إعاقةً نفسيّة لكل من يتعرّض له، وليس فقط عاهةً جسديّةً.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]