كما يبدو وكما يجمع أغلب المحللين والمتابعين للصراع الفلسطيني- الاسرائيلي فإن زيارات وزير الخارجية الامريكي كيري العشر للمنطقة والهادفة الى احياء مسيرة التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والى تقديم مشروع التسوية، وطرح مبادئ لإطار اتفاق بأنها آيلة لا محالة للفشل، وذالك لعدة أسباب: عدم رغبة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في السلام، بل على العكس تماما، فهي تصعد وتوتر العلاقة يوميا مع كافة مركبات الشعب الفلسطيني وأينما وجدوا سواء من قبل رئيس الحكومة ووزير خارجيتها وسواء من قبل أعضاء حزبه وائتلافه الحكومي.

الحكومة تضع العراقيل وتنتج المعيقات وتختلق الاشتراطات وتنهج "سياسة بناء الفشل" لاتهام الجانب الفلسطيني بتحمل مسؤولية الفشل. بالإضافة لذلك فإنّ الحكومة تصر على مطلبها الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية من اجل القضاء على حق اللاجئين بالعودة وتكريس دونية المجتمع الفلسطيني في الداخل.

وقد اختار رئيس الحكومة ايضا استغلال وجود كيري في المنطقة هذا الاسبوع كتوقيت مناسب لنشر تقرير حول ما يسمى بالتحريض من قبل الجانب الفلسطيني في مناهج التدريس والإعلام متجاهلا أن الكتب المدرسية المتداولة في إسرائيل بحسب الباحثة نوريت بيلد-الحنان "توظف الوسائط البصرية العلمية، التي يجري عرضها دون تحيّز، من أجل غرس الأيديولوجية السياسية والأفكار التمييزية في أذهان الطلبة (اليهود)، وتحدد الخرائط المضللة والصور المهينة، التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من الخطاب المتمركز حول الإثنية.

ويجري في هذا السياق طمس وجود الفلسطينيين ومحوه من المشهد الطبيعي، وتعلم كتب الجغرافيا المدرسية الطلبة اليهود الإسرائيليين النظر إلى أنفسهم على أنهم أسياد أرض إسرائيل/ فلسطين، وتعلمهم السيطرة على سكانها وطبيعتها وفضائها، وعمل أي شيء ضروري لتوطيد أهمية اليهود وتعزيز تقدمهم فيها، وهو ما يعني توسعهم فيها"، ناسيا القوانين العنصرية بما يشمل مشروع برافر الاقتلاعي، رفع نسبة الحسم لانتخابات الكنيست، المشاريع الجديدة لتهويد الجليل، والنشاطات الإرهابية التي تقوم بها جماعة "تاج محير" (تدفيع الثمن) بشكل متواصل من احراق للمساجد والكنائس، المس بأملاك المواطنين العرب وكتابة الشعارات الداعية لإماتة أو قتل العرب.

اضافة الى ذلك فان اللجنة الوزارية للتشريع صادقت في الاسبوع السابق على مشروع قانون ضم الأغوار وفرض السيادة الإسرائيلية عليها وذلك من اجل تطويق وخنق الدولة الفلسطينية "المتخيلة" وإجهاضها قبل ولادتها، مما يذكر بالحصار المفروض على غزة ويقوض ادعاء اسرائيل بأنها انسحبت من قطاع غزة. وبعد اقرار مشروع قانون ألأغوار قدمت عضو الكنيست ميرا ريغيف للجنة المذكورة مشروع قانون جديد يلزم رئيس الحكومة بنيل موافقة أغلبية الكنيست من أجل التفاوض حول القدس أو اللاجئين.

وبموجب مشروع القانون الذي يتوقع أن تصوت عليه اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، لا يحق لرئيس الحكومة إجراء مفاوضات حول القدس أو اللاجئين دون نيل موافقة أغلبية الكنيست، ويعتبر مشروع القانون أن قيام الحكومة بإجراء مفاوضات حول هذين الموضوعين من دون تلك الموافقة غير ملزم ولا يكون ذا فاعلية قانونية تجاه المؤسسات الرسمية. من الجدير بالذكر بان ريغيف وزملاءها ينتمون لحزب رئيس الحكومة ولذلك لا يمكن استبعاد ونفي الادعاء القائل بأن هنالك تقاسما وتبديلا للأدوار.

وعلى جانب آخر، فقد قال وزير الأمن الإسرائيلي موشي يعالون هذا الأسبوع: إن المفاوضات الجارية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تهدف إلى خلق إطار يتيح استمرار المحادثات، وليس اتفاقا. وأشار "إننا لا نعمل على اتفاق إطار، وإنما على إطار للمفاوضات من أجل استمرار المفاوضات لفترة أطول". وأضاف أنه من الواضح أن هناك فجوات كبيرة بين الطرفين، موضحا أن "مصلحة إسرائيل تكمن في استمرار المفاوضات".

ان الحكومة الاسرائيلية الحالية، ترفض عودة اللاجئين وترفض الانسحاب الى حدود عام 1967 وخصوصا من القدس الشريف. كما انها بنت جدار الفصل العنصري على الاراضي الفلسطينية المحتلة ومستمرة ببناء وتوسيع المستوطنات وغير قادرة ولا تريد اخلاء المستوطنين.

ولكن ما اثار الانتباه في بداية الأسبوع ان وزير الخارجية ليبرمان الذي قال مرات عديدة في السابق ان السلام لن يتحقق في المائة عام القادمة قد ابدى استعدادا لتقبل مقترحات كيري واعتبرها الأفضل راسما لنفسه صورة "السياسي المعتدل"، وذلك نوع من انواع المراوغة السياسية لأنه في الوقت نفسه استغل الفرصة لإعادة طرح وعرض خطته المفصلة لتهجير الفلسطينيين الأصلانيين الذين يعيشون في منطقة المثلث وضمهم للسلطة الفلسطينية.

وأضاف ليبرمان أنّه لن يؤيد اتفاقًا لا يشمل تبادل أراض وسكان، مجددًا دعوته للتخلص من الفلسطينيين في المثلث ووادي عارة في إطار الحل مع الفلسطينيين لتعزيز يهودية إسرائيل. وقال ليبرمان في مؤتمر لرؤساء وممثلي البعثات الدبلوماسية: "لن أؤيد أي اتفاق سلام لا يتضمن تبادل أراض". وحول قضية اللاجئين قال ليبرمان الذي هاجر للبلاد من اكرانيا في اواخر السبعينيات من القرن الماضي ويسكن في مستوطنة (نوكديم) بالضفة الغربيّة المحتلّة، إنّه "لن يُوافق على أيّ اتفاق يتضمن عودة حتى لاجئ واحد".

إن فكرة الترانسفير ليست بجديدة غير أن إضفاء الشرعية عليها من خلال تواجد ليبرمان في وزارة الخارجية وتمثيله للحكومة وعرض افكاره على عناصر دولية تشكل تهديدًا صريحًا ومباشرًا للجماهير العربية في البلاد. إن هذا التهديد يثير القلق الحقيقي لدى كلّ من يؤمن بالمفاهيم الإنسانية للعلاقات بين البشر ويشكل ناقوس خطر ويجب ان يقض مضاجع كافة المواطنين في البلاد لأنه حتى ولو كانت امكانية تطبيقه قليلة فهي تمس بشرعية الوجود الفلسطيني وتكرس منهج المواطنة المنقوصة.

لقد وضع ليبرمان المجتمع الفلسطيني في إسرائيل هدفا لسهامه الاستفزازية ولحملاته الهجومية المتواصلة والتحريض بالإضافة إلى وضع خطة سياسية عرضت أمام الجمهور على اعتبار أنها البرنامج السياسي لحزبه قبل كل انتخابات وفي كل فرصة تتاح له، مع العلم أن ليبرمان يحوز رصيدًا خطيرًا في التحريض والتفوهات العنصرية بحق الجماهير العربية وقيادتها : حتى حين اشغل وظيفة وزارية في عهد حكومة اريئيل شارون في العام 2001 قال اليميني ليبرمن ضمن البرنامج التلفزيوني واجه الصحافة :أنا لا استبعد خيار الترانسفير. لا داعي للهروب من الواقع. إذا كنت تسألينني ما هي المشكلة الأولى التي تواجه إسرائيل فهي ليست القضية الفلسطينية .. نحن لا نلهو... إننا نرى جميع الأحداث التي تجري في مدينة أم الفحم بما في ذلك التعاطف والتضامن مع أسامة بن لادن ومنظمة حزب الله وجميع أعداء إسرائيل. هل اعتبرهم مواطني دولة إسرائيل ؟ لا! هل سنضطر لتصفية الحساب معهم؟ نعم! سيضطر العرب للبحث لأنفسهم عن مكان آخرون يلجأون اليه. من ذلك الحين وليبرمان يتقدم في الوزارات الحكومية وقوته السياسية في ازدياد وقد حول مشروعة لخطة حكومية.

يترتب علينا التأكيد مرة اخرى انه يجب رفض اية مقارنة او مشابهة او مماثلة بين المواطنين العرب ونحن اقلية وطن وصاحبة البلاد الأصلية وبين مجموعة من المستوطنين المحتلين. كل محاولة لأجراء هذه المقارنة تشير الى عدم تفكير منطقي، مراوغة وعدم تقديم حل للصراع.

ومن جانب اخر فإنّ المجتمع الفلسطيني في اسرائيل هو عبارة عن مجموعة لها مميزاتها وتشكلها الخاص ولا يمكن الفصل بين مركباتها. ولذلك فمن المفروض والمطلوب ان تطور قيادة الجماهير العربية استراتيجية مواجهة مدروسة ومتكاملة لمواجهة هذا المشروع والمشاريع العنصرية الاخرى والتنسيق مع الجانب الفلسطيني لرفض المخططات الإسرائيلية وعرض هذا المشروع والمعارضة له امام البعثات الدبلوماسية نفسها التي ادلى ليبرمان بتصريحاته امامها وتعارضها مع كل القيم والمعايير والمواثيق الدولية. كما يجب الالتقاء بالسفير ووزير الخارجية الأمريكيين وإطلاعهما على خطورة المخطط وتبعاته ومنطلقاته. كما يترتب علينا العمل بالمسار القانوني والشعبي والإعلامي المحلي والدولي كنقطة ارتكاز لتعامل الحكومة مع مواطني دولة.
 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]