مهنة الإعلام هي من المهن التي تتيح للعامل فيها نسج علاقات إجتماعية واسعة، حيث يصبح الإعلامي وبخاصة في ظل تطور وسائل الإتصال معروفاً لقطاعات جماهيرية مختلفة، وحينما يذهب إلى السوق أو يتجول في الشارع يشار إليه بالبنان من قبل اناس شاهدوا صوره في الصحف او من خلال مواقع الانترنت أو خلال تغطياته للنشاطات والفعاليات لصالح المحطة التلفزية التي يعمل.

وهناك قسمان من الإعلاميين:

الأول مثقف ومتمكن كلما تزداد شهرته وانتشاره يزداد تواضعًا ويشعر بمسؤولية أكبر ويسعى بشكل دؤوب لتطوير أدواته وصقلها وتعميق معارفه وخبراته. والحقيقة أن المتابع أو العامل في هذا المجال يدرك تماماً بأن هؤلاء قلة.

الثاني: إعلاميون صغار في العمر الزمني والمهني أو صغار في التجربة والمهنة رغم انهم كبار عمرياً ومضى على عملهم عقود من الزمن في المهنة، لكنهم انتفخوا منذ أن نشروا مقالاً أو مقالين في بداية التجربة، ولم تنفع معهم كل وسائل التنفيس القديمة والجديدة، أو مجرد أن بثت لهم فضائية معينة تقريرا او تقريرين وعاشوا بعد ذلك حالة من الإنتفاخ المزمن.

ولأن الذين ينضوون تحت هذا التصنيف اصيبوا بالغرور ظلوا يراوحون في المكان ذاته، لانهم ترفعوا على التعلم والقراءة والإستفادة من تجارب الآخرين، فقد "ختموا العلم" رغم انهم لم "يختموا" شيئا.

والغريب في الأمر اذا سألت احدهم، من هو الإعلامي الأول في فلسطين، يسارع كل واحد ليدق على صدره، أي أنه هو بلا منازع أو منافس، هذا اذا كان متسامحاً وأجابك عن سؤالك دون ان يوجه لك وابلاً من اللوم والإستنكار، فالسؤال بحد ذاته ينم عن شك، وكيف بك تشكك ولا تعرف الأول بتلقائية وبلا أسئلة!

التصنيف سالف الذكر الخاص بالإعلاميين ينسحب على الكتاب والباحثين، لأن غالبية الممارسين للعملية الكتابية إبداعا وبحثا يصنفون أنفسهم تحت إطار الأول مع الإصدار الأول في الشعر والقصة أو الرواية والبحث.

لدينا إذن معضلة الأول، ولدينا في المقابل فراغ في مرتبة الثاني والثالث والرابع والمئة.

أما القسم الثاني فيندرج ضمن التوصيف التالي:

فقد كان الصحفي في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي يعمل ويكدح يقرأ ويتابع "وينشف ريقه" قبل ان يتسنى له نشر تقرير أو مقالة، حيث الإشتراطات والمعايير المشددة وضعف الخيارات، فلم يكن في الضفة والقطاع سوى ثلاث صحف، وأن العمل كان محصورا في الصحافة المكتوبة وما أكثر الذين تمنوا الإلتحاق بصحيفة حتى لو كان الامر تطوعًا.

لذلك فإنه مطلوب من الصحفي الصغير أن يجتهد كثيراً ويسلخ من عمره السنوات حتى يغدو كبيرا، ومع ذلك لا يطلق على نفسه الصحفي الأول، لان هناك أوائل يصطفون أمامه يجلهم وينحني إحتراما لتجاربهم، وكذلك الامر بالنسبة إلى الكاتب أو الشاعر الشاب، فنشر قصيدة كان يستدعي الاحتفال والاحتفاء والشعور بالامتنان للمحرر الكبير الذي قدر موهبته الشابة وأخذ بيده لينشر نتاجه الأول، لكنه كان من الصعب جدًا أن يطلق على نفسه الأديب الأول، لانه بدأ يتلمس تجارب الأوائل ويكتشفها ويشعر أن الاقتراب منها يعني الإجتهاد ثم الإجتهاد وتدريب الموهبة وصقل الأدوات والإرتقاء بالإمكانات.

إن مهنة الإعلام والعمل الكتابي والإبداعي يتطلبان ثقافة معمقة ومعرفة دقيقة بتفاصيل الحياة الداخلية، إلى جانب معرفة ما يدور في العالم القريب والبعيد، وقبل ذلك يتطلبان نفساً طويلاً وعملاً دؤوباً مضنياً يستند إلى قراءة وقراءة. أي أن الوصول إلى الصف الأول يحتاج إلى التدرج البطيء الصبور من المئة الى التسعة والتسعين فالثمانين والسبعين... الخ. عندها يمكن لمن اختار هذا الطريق أن يصل الى الأول. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف السبيل للوصول إلى الأول، الجواب أن تبدأ بعيداً بعيداً عن الأول. لأنك اذا بدأت من الأول ستظل أخيرًا مدى الدهر.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]