هل الناصرة في خطر؟!

رفعت في الأونة الأخيرة اعلانات ضخمة تعلن ان الناصرة في خطر، وتدعو لاعادة انتخابات رئاسة البلدية.

هل اعادة الانتخابات سيخرج الناصرة من الخطر؟

ارى ان كل هذا الضجيج مفتعل وضرره أكبر من فائدته.

لا احد ينكر ان الناصرة ومختلف بلداتنا العربية تواجه واقعا يزداد سوءا . تواجه سياسة رسمية تمييزية في جميع مستويات القرار والتنفيذ.

لا ارى ان الانتخابات لرئاسة البلدية هي وراء الخطر الذي تحذر منه الاعلانات الضخمة.

الخطر على الناصرة لم ينشأ نتيجة عدم وضوح حاسم في تحديد من هو الفائز برئاسة البلدية... وليس بسبب صندوق مهما كان ، فرز او لم يفرز.

الناصرة والوسط العربي عموما في مسار خطر لم يبدأ ولم ينته بانتخابات البلدية الأخيرة ، او بخلاف على عدد من الأصوات قد لا يتجاوز عدد اصابع اليدين لتحديد من المحق ليكون رئيسا للبلدية!!

طبعا هناك مخاطر اكثر اهمية من نتائج انتخابات بلدية الناصرة والفائز فيها.

الخسارة التي مني بها (افتراضا) مرشح الجبهة رامز جرايسي ليست خسارته الشخصية.والفوز الذي انجزه(افتراضا أيضا) مرشح قائمة ناصرتي علي سلام ليس فوزه الشخصي . الخطر ليس بمن تقرر المحكمة انه الأحق برئاسة البلدية.

يجب النظر لحدث الناصرة الانتخابي من زاوية مغايرة تماما.

الزاوية التي يجب ان نرى انها تشكل خطرا على الناصرة والوسط العربي بكل بلداته، وعلى المواطنين العرب، هو حالة الاحباط التي تسود الجماهير العربية، اقلية غير موحدة، تتراجع في مستوى الوعي ، تتراجع في العصرنة، انحسار في الهوية المركزية (الهوية القومية) وتنامي هويات هامشية تعمق تفككنا القومي، الهوية الطائفية تصبح ذات سيادة مطلقة، تندمج بها الهوية العائلية ، الأحزاب تخطب ود الطائفيين والعائليين طمعا بزيادة قوتها دون تفكير بنتائج هذا التودد، لا فرق بين يسار ويمين . برامج الأحزاب وتحالفاتها تحكمها دوافع غير سياسية ،غير فكرية وغير منطقية بميزان الفكر السياسي الاستراتيجي. كل التكتيكات السياسية تتحكم بها اهداف شخصية، العداء للجبهة (الحزب الشيوعي) مثلا هو المحرك السياسي والفكري للتجمع (حزب عزمي بشارة وورثائه) والعكس صحيح أيضا... حتى لو اعطى ذلك القوة لقوى لا يمكن ان تكون في الحساب الأخير لمصلحة التجمع او الجبهة وما يمثلانه من فكر ثوري وطني علماني متنور، بمواجهة اصولية دينية وانغلاقا عائليا. اي الحساب ليس للمستقبل ... بل للحظة القائمة التي تتحكم فيها ترسبات شخصية .

الهدف لم يعد تعميق الوعي، لم يعد العمل المنهجي للتأثير على المجتمع اليهودي ، في حالتنا لهذه المهمة قيمة لا يمكن الاستهتار بها، لم يعد التنظيم يشكل قوة مؤثرة على صياغة القرارات والمواقف . يبدو ان مفاهيم القيادة استبدلت بمفاهيم "الوجهاء" قائد الحزب هو الوجيه او المختار ، اي ان النهج السياسي للأحزاب العربية أضحى نهجا شخصانيا ، المختار او الوجيه الحزبي هو المقرر... يجري التصويت؟؟ مهزلة ديمقراطية ليس الا.. كل شيء مقرر سلفا!!

الشعب مصاب بالاحباط ، احباط سياسي ، احباط اجتماعي ، احباط نفسي واحباط اقتصادي يتعمق ويزيد حالة الوسط العربي تأزما.

للأسف ، القيادات ( الوجهاء) هي جزء هام من حالة الاحباط السائدة في اوساط الجماهير العربية.

قيادات الوسط العربي عاجزة، مفككة تتكلم ولا تعمل.

قيادات الوسط العربي بالكاد تعرف ما يجري داخل المجتمع العربي الذي يفترض انها تمثله وتقوده.

الأقلية العربية في اسرائيل تعدادها مليون ونصف تقريبا. هذه الأقلية تعيش احد أخطر الأمراض ...مرض الطائفية المستند الى اصولية دينية ظلامية ومرض العائلية المتنامي باتساع مقلق في السنوات الأخيرة.

الانتماء لم يعد لما يوحد ويجمع بيننا، بل صار انتماء الى هويات دينية وطائفية وعائلية. هذا الانتماء يتفوق على الانتماء القومي..هل يتوقع احد ان نخرج كطائفيين وعائليين من بوتقة وفقاعات الانتماءات الهامشية بدون نشاط مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية؟

هل سال احد نفسه لماذا تتقلص العلمانية في مجتمعنا؟ لماذا خان رافعوا لواء العلمانية علمانيتهم ( واتهم اليساريين والقوميين) ويتقدمون بحذر الى مواقع التواطؤ مع الأوساط الدينية المتطرفة والعائلية المتزمتة؟

لا اتهم طرفا بعينه ولا اعفي من تهمي أي طرف .

الخطر الذي نواجهه هو خطر انهيار كل مؤسسات الجماهير العربية في اسرائيل.

ماذا يفعل قادتنا لانقاذ وحدتنا وتنمية وعينا وخلق اجواء انفراج من حالة الاحباط السياسي للمجتمع العربي؟

للأسف لا شيء... الا اذا اعتبرنا ان الجعجعة القومية، التي تزداد كلما ازدادت أزمتنا الشاملة هي الفعل القيادي الذي سيخرجنا من أزمتنا .

الخطر على الناصرة هو انعكاس لواقع مأزوم. واقع تفكك وحدتنا، تراجع وعينا ورفضنا للعصرنة. اذن الخطر على مجتمعنا العربي كله وليس على الناصرة بسبب الخلاف على مجموعة أصوات.

نحن نعيش حالة فكر بلا فعل وفعل بلا فكر.كما يقول المفكر الفيلسوف د. فؤاد زكريا في مقال له قبل 30 سنة حول مستقبل الأصولية الدينية ، صحيح انه تناول المجتمع المصري ولكن الواقع ينسحب على مجمل المجتمعات العربية ونحن ضمنها. اليوم تبدو كلماته كانها قيلت عما نواجهه نحن اليوم وليس مصر قبل ثلاث عقود. كتب:«أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر( اقرأ الجماهير العربية في اسرائيل) فى تطلعها إلى المستقبل هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل، وفعل بلا فكر، وأحسب أنه لن يكون لنا خلاص إلا فى اليوم الذى يصل فيه الذين يفكرون إلى المستوى الذى يتيح لهم أن ينقلوا فكرهم إلى حيز الفعل المؤثر والفعال، أو يصل الذين يفعلون إلى المستوى الذى يدركون فيه قيمة الفكر المتفتح والعقل المستنير"ّّ!!

هذا هو التشخيص الدقيق لواقعنا !!

في ظل هذه الأجواء ذهبنا للتصويت...

هنا الخطر وليس نتائج التصويت. الخطر في ابتعادنا عن التحولات الحضارية . نعيش في احلام الماضي . الماضي لن يعود مهما كان عظيما. لا بد من بناء حاضر بدل الحلم .

ان استعراض فترة صعود الجبهة في الناصرة عام 1975 وانتخاب توفيق زياد لرئاسة بلدية الناصرة بأكثرية 75% من الأصوات ، وصولا الى ما نواجهه اليوم من صراع قضائي على مجموعة اصوات لا تتجاوز العشرات القليلة، مقابل مرشح خاض الانتخابات مستقلا، هي حالة تستحق الدراسة. ليس دراسة الفشل الحالي، انما دراسة التقدم المتواصل للجبهة من تقلص الى تقلص، من ضعف الى ضعف.من تفكك المؤسسات المكونة للجبهة وانشقاق قوى مؤسسة للجبهة على صعيد تأزم في العلاقات الشخصية بين مركبات الجبهة، اضمحلال هيئاتها واختفائها وليس خلاف على رؤية تطويرية ونهجا قوميا.

لا اتهم رامز جرايسي بالفشل، كرئيس لبلدية الناصرة لا يختلف حتى منافسيه انه من افضل رؤساء البلديات في اسرائيل ... انما اتهم قيادات سياسية ومؤسسات حزبية لم يشغلها التراجع المتواصل، لم يقلقها التفكك والانشقاقات التي بدأت تضرب بنيان الجبهة، ولم تقم باي جهد فكري او عملي بظن ان "الأمن مستتب" والفوز محصلة حاصل. هذا هو الدرس الذي يجب ان يبحث لعله يعطي درسا بان القيادة السياسية ليست وجاهة ومخترة!!

ربما هناك ضرورة لفحص الاعلام ودوره في تعمق الاحباط لمجتمعنا العربي الفلسطيني داخل اسرائيل وصولا الى اضمحلال الجبهة وفقدانها مكانتها الطليعية والقيادية في أكثر من 15 بلدة عربية وصولا الى عاصفة السقوط في الناصرة (جوهرة التاج للجبهة وحزبها) في الانتخابات الأخيرة. صحيفة "الاتحاد" ، الصحيفة صاحبة التاريخ الاعلامي والتثقيفي والتنويري كانت أشبه ب "الميت الماشي"، موجودة شكليا وغائبة فعليا.

ليس بسبب تجاهل مقالات نبيل عودة،التي لم يُكتب غيرها او افضل منها في تسويق رامز جرايسي وقائمة الجبهة ، لكن "هيئة تحرير الميت الماشي" قررت ان "نبيل عودة عدوا طبقيا الصراع معه تناحري" ولم تقدم اي بديل دعائي لائق لمعركة انتخابات بالغة الأهمية لهم ولحزبهم وجبهته!!

صحيح اني لم اتجند الى جانب رامز جرايسي من منطلق حزبي ايديولوجي، بل من منطلق رؤية شخصية لدور رامز جرايسي المميز سياسيا وطنيا ومهنيا!!.

السؤال الملح ما هو دور الاعلام الحزبي في معركة مصيرية مثل معركة انتخابات بلدية الناصرة؟

تريدون جوابا؟... يجب تنظيف الاعلام الحزبي من الشلل الفكري والاعلامي السائد!! هذا الشلل يلعب دورا سلبيا على الصعيد التنويري العام!!

الاستنتاج الأساسي ان علي سلام بما يمثله من شريحة اجتماعية، وما استطاع ان يجمعه من دعم ، انجز ما كان يبدو غير قابل للتنفيذ.

انجاز كبير بغض النظر عن قرار المحاكم.

لا ارى ان الناصرة في خطر لفوز علي سلام. الناصرة في خطر اذا عدنا لسياسة الجعجعة الحزبية التي افشلت رامز جرايسي عمليا.. وستواصل كما يبدو قيادة الفشل.

يجب ايجاد صيغة جديدة. اذا تقرر ان علي سلام هو الرئيس لبلدية الناصرة يجب توفير الدعم الكامل له ليقود الناصرة تطويريا ووطنيا بشكل سليم وان يحافظ على المكاسب التي انجزت في فترة الجبهة (التي كان جزءا منها) ويعطي دفعة جديدة بتنفيذ مختلف المشاريع التي طرحتها الجبهة ولا ننسى انها ليست مشاريع شخصية لرامز جرايسي بل مشاريع للناصرة كلها.

لا ارى خطرا على الناصرة الا من تعمق الطائفية وتفكك مؤسسات شعبنا !!

[email protected]

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]