نشطت الصحف الإسرائيلية منذ الشهر الماضي في نشر "تسريبات" ومعلومات مختلفة تتعلق بمستقبل المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية بعد أن بدا أنها على وشك الانفجار، مع اقتراب نهاية المدة المحددة لها مع إطلاقها في تموز الماضي، وهي تسعة شهور. وشملت "هذه التسريبات المختلفة" التي يبدو أنها رسائل موجهة ومقصودة أكثر مما هي "تسريبات" معلومات تتعلق بالمقترحات التي سيحملها جون كيري لكل من نتنياهو وأبو مازن، في مطلع العام الجديد، بعد عطلة أعياد الميلاد، وتخوض في قضايا الحدود واللاجئين، والترتيبات الأمنية، والقدس، وأخيرا كما نشرت اليوم معاريف، مسألة ضم أراض من المثلث داخل حدود 48 إلى الضفة الغربية بدلا عن الكتل الاستيطانية.
ويمكن للمراقب إذا أمعن النظر وأعاد الذاكرة إلى مطلع الشهر الماضي، الانتباه إلى أن الهدف الأساسي من وراء هذه المقترحات والمعلومات، وفي مقدمتها إطلاق الحديث عن ما يسمى "اتفاق إطار"، هو تخليص وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، من ورطة فشل فرض حل على نتنياهو، من جهة، ومد إسرائيل بطوق نجاة يمكِن الإدارة الأمريكية وإسرائيل توزيع عبء "فشل المفاوضات" على الطرفين مناصفة، حتى لا تبقى إسرائيل تتحمل وزر فشل هذه المفاوضات.
فمنذ الثالث عشر من ديسمبر الماضي، خرجت صحيفة يديعوت أحرونوت في ملحقها الأسبوعي يوم الجمعة، بتقرير مفصل حول "إحباط يلازم" وزير الخارجية من عناد نتنياهو، دفع الأول إلى "اجتراح" فكرة اتفاق الإطار العام" كمخرج يجنب اضطراره إلى أخذ موقف حاسم في تحميل إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات، خاصة مع إعلان نتنياهو المتكرر عن بناء المزيد من وحدات الإسكان في المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، في حال طرح كيري اقتراحا أمريكيا ملزما للحل على الطرفين ورفضه نتنياهو.
وبحسب يديعوت في ذلك الوقت تبلورت لدى طاقم كيري فكرة تغيير أهداف المفاوضات في التسعة شهور، من كونها مدة يفترض فيها على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني التوصل إلى اتفاق للحل الدائم، إلى اعتبارها فترة مفاوضات لبلورة المواقف العامة تمهيدا للمفاوضات حول الحل الدائم.
وتطورت هذه الفكرة بشكل سريع ومذهل بعد قبول الجانب الفلسطيني بفكرة اتفاق الإطار، باعتباره يمكن في حال الاتفاق عليه التوصل خلال فترة تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة، من التوصل إلى اتفاق دائم بين الطرفين، وفقا لتصريحات رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، د. صائب عريقات أمام الصحافيين الأجانب في بيت جالا في المأدبة التي دعاهم إليها بمناسبة أعياد الميلاد، في 18 ديسمبر، وتبعتها تصريحات الرئيس محمود عباس، في أمام وزراء الخارجية العرب في القاهرة ، الأسبوع الماضي، أن كيري سيعرض اتفاق إطار عام في زيارته القادمة.
في المقابل واصلت الصحف الإسرائيلية "البوح" بمزيد من المعلومات حول ما قد تحمله مقترحات كيري، والكشف عن خطة الجنرال الأمريكي ألن جون، وما سبقها من مقترحات بيرنز، لتعلن صحيفة إسرائيل اليوم، الأسبوع الماضي، أن نتنياهو طلب من كيري تمديد فترة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، والتأكيد في الوقت ذاته على مسألتي الترتيبات الأمنية في غور الأردن، ويهودية الدولة .
وبين هذا وذاك، قدمت ميري ريجف، من حزب نتنياهو، الأحد، للجنة الوزارية لشؤون التشريع، اقتراح قانون فرض القانون الإسرائيلي والسيادة الإسرائيلية على المستوطنات في غور الأردن، فيما رد الجانب الفلسطيني، حتى قبل التعمق في دلالات وحقيقة إجراءات التشريع في إسرائيل، بموقف يرفض المصادقة، علما بأن مقدمة الاقتراح تعلم أن هذا الاقتراح لن يمر في الكنيست، وأن الهدف الأساسي منه هو كسب نقاط على حساب نتنياهو داخل الليكود نفسه، مع أنه لا ضمانة بألا يكون الأمر تم بالتنسيق مع نتنياهو، حتى يظهر أمام كيري بأنه يصارع اليمين الإسرائيلي داخل حزبه، وأن يديه مقيدتين في كل ما يتعلق "بمدى" التنازلات التي يمكنه تقديمها.
عند هذه النقطة خرجت معاريف اليوم الأول من كانون ثاني 2014، "بالتسريبات " المتعلقة بطرح فكرة مقايضة المثلث بالكتل الاستيطانية وأن الفكرة طرحت أمام كيري، بموازاة "اشتغال أطقم إسرائيلية منذ سنوات بدراسة قانونية الخطوة واحتمالات قبولها".
لكن هذه القنبلة الدخانية التي كشفت عنها معاريف، أخفت عمليا ورائها القنبلة الناسفة التي تجعل من الفلسطينيين شركاء متساوين في تفجير المفاوضات، وهي القول بأن "اتفاق الإطار لن يكون ملزما لأحد، من جهة، وأنه سيمهد في نهاية المطاف لاتفاق دائم يكون فيه على الفلسطينيين إعلان نهاية الصراع ، والأهم من ذلك القبول بيهودية إسرائيل.
تهدف القنبلة الأخيرة إلى تحقيق هدفين، ألأول هي ضرب الفلسطينيين في الداخل، من خلال استفزازهم "لرفض" الالتحاق بالدولة الفلسطينية العتيدة، لأن المقترح ينص بالأساس على الأراضي التي ظلت معهم، وليس على إعادة ما سلب منهم، ناهيك عن كونه أصلا مجرد بالون يهدف لتصويرهم كمن يفضلون البقاء ضمن الدولة الإسرائيلية، وفي الوقت ذاته دفع الطرف الفلسطيني إلى رفض الاعتراف بإسرائيل يهودية ورفض الإعلان عن نهاية الصراع وهو ما سيوفر لنتنياهو "إعلاميا" على الأقل طوق نجاة يبعد المسؤولية عن "فشل" المفاوضات عن عاتقه ويوزع هذا العبء على إسرائيل وعلى الفلسطينيين بشكل متساو.
تبقى نقطة أخيرة، كان أشار إليها ، في واقع الحال عضو الكنيست الإسرائيلي، عمرام متسناع، من حركة هتنوعاة، والذي شغل لفترة قصيرة منصب زعيم حزب العمل. فقد اعترف متسناع أنه خلافا للاعتقاد السائد، فإن استمرار المفاوضات الحالية دون الوصول إلى نقطة الحسم هو عمليا مصلحة كل مركبات الائتلاف القائم في إسرائيل، وأنه لا أحد من مركبات الائتلاف وبالتحديد حزب "البيت اليهودي" وحزب "يسرائيل بيتنا" وحزب ييش عتيد معني الآن وفي الظروف الحالية بإسقاط الحكومة الحالية والذهاب إلى انتخابات قد تعني عدم عودة هذه الأحزاب بقوتها الحالية. فهي تخشى في نهاية المطاف من خسارة قوتها وتأثيرها بفعل الانتخابات.
ولعل من المهم الإشارة هنا، إلى أن هذا الأمر قد يكون أيضا العامل الأساسي في قبول الجانب الفلسطيني مسبقا بفكرة اتفاق الإطار العام، ومد عمر المفاوضات لأن إعلان موقف حاسم يترتب عليه فشل المفاوضات قد يفضح عمليا أن "المبرر" الوحيد للسلطة الفلسطينية اليوم هو عملية التفاوض، لا سيما وأنها تعلن أن خيار المفاوضات هو خيارها الاستراتيجي والوحيد.
[email protected]
أضف تعليق