هنالك الكثير من المشاعر الهدّامة التي تؤثّر على مجرى حياتنا وعلى نفسيتنا ومزاجنا وعلى انجازاتنا وعلاقاتنا مع الآخرين. يتصدّر لائحة تللك المشاعر الندم على ما فات والقلق مما سيأتي

أوّلا وقبل ان اسرد اقوالي اريد ان اعترف للقرّاء الاعزّاء بانني لستُ بدارسٍ لعلم النفس ولست بضليعٍ بالفلسفة وما سأورده هنا ما هو إلاّ انعكاسٌ لتجارب حياتية ومطالعات شخصية ومشاهدات عادية قد تحدث مع كل واحدٍ منا فالرجاء المعذرة ممن فاتوني علما على اختراقي منطقة نفوذهم بدون استئذان. هناك الكثير من المشاعر الهدامة التي قد نلتجئ اليها دون ان ندري بانها مطبات عويصة, واحدى تلك المطبات هي الشعور بالندم. الندم على أمرٍ فعلناه او أمرٍ لم نفعله, الندم على قرارٍ إتخذناه او لم نتّخذه, الندم على مقولةٍ قُلناها او لم نقُلها. طبعاّ المقصود هنا ليس الشعور العابر بالندم الذي لا خِلاف على شرعيته وانما الشعور المتواصل بالندم على ما جرى وما كان الى درجة الإدمان . كم من مرة نردّد عبارات مثل يا ليتني اخترت الموضوع الفلان في الجامعة, يا ليتني سمعت بنصيحة والدي ولم اسافر الى الخارج, يا ليتني ذهبت..يا ليتني رُحت..يا ليتني تناولت الدواء في الوقت المحدّد..يا ليتني لم اترك عملي السابق.. يا ليتنا قبلنا بقرار التقسيم وغيرها من المقولات التي باتت تستحوذ على تصرّفاتنا وتشحن نفسيّاتنا وتعكّر مزاجنا وتشوّش نظرتنا للمستقبل. ان الشعور المُفرط بالندم يشلُّ حركتنا ويهدرُ طاقاتنا سدىً. إنّ ما حَصل قد حَصل, ولو ندمنا عليه طيلة حياتنا فلن يتغيّر شيء. هل سمعتم عن أحد قام بتغيير أمرٍ قد حدث في الماضي؟ إذاّ الندم هو سلوكٌ غير مجدي ومثله مثل الذي يقوم بتعداد حبّات الرمل على شاطئ البحر هل يُعقل ان نقوم بمثل هذا العمل العبثي؟! إذاً لماذا نَدَع الندم يؤثّر على تصرّفاتنا ونظرتنا للحياة؟! لماذا نلجأ اليه عندما تضيق الدنيا بنا؟ والإجابة على ذلك واضحة .. نحن نفعل ذلك من باب الهروب من المواجهة واتخاذ المسؤولية المباشرة على حلِّ مشاكلنا. فَبَدَل استنتاج العِبَر ترانا نسترسل في عملية الندم والأسف. وهنا يجب ان نسأل انفسنا هذا السؤال لو نزلت السماء على الارض هل ممكن ان نغيّر ما حدث في الماضي؟ للندم شقيقات أخريات مثل الحسرة والأسف والشعور بالذنب والتباكي والجلد الذاتي وكلهّن تتبعنّ لعائلة واحدة وهي "الهروب" من الواقع. هنالك ايضاً ظاهرة اخرى لا تقِلُّ وقعاً سلبياً على حياتنا وعلى تصرّفاتنا وهي القلق. وطبعاً المقصود به هو القلق المُبالَغ به والذي من شأنه ان يجمّد حركتنا ويجعلنا اسيرين لمخاوفنا. لا تخلو حياتنا من الامور المقلقة فهنالك القلِقُ على فقدان مصدر عيشه ,والقِلق على مستقبل اولاده او على امكانية نشوب حربٍ ذرّية وهنالك القِلقُ من إمكانية تدهور صحّته او صحّة احبّائه وهنالك القَلق من رفقة السوء التي اختارها ابناؤه وغيرها وغيرها. وهنا يُطرح نفس السؤال الذي سؤل سابقاّ هل سيؤثر شعورنا بالقلق على ما يُمكن ان يحدث معنا؟ هل نستطيع ان نمنع الحدث المستقبلي بأن يأتي؟ هل ارتماؤنا في حضن القلق سيحمينا من الأخطار المحدقة بنا؟ والاجابة على ذلك هي بالطبع لا. يُقال بأن الاغلبية الساحقة من الامور التي نخشى حدوثها وتُقلقنا لا تتحقّق بالفعل. للقلق يوجد أيضاً اشقّاء وهم التشاؤم والخوف والشك الذين لا شُغل لهم غير ضعضعة ايماننا بانفسنا وبقدرتنا على تغيير احوالنا والتغلّب على مشاكلنا. الندم والقلق سيّان في قدرتهم على تعكير صفو الحاضر الذي نحياه. االندم يتبعُ للماضى الذي ولّى ولن يعود والقلق يخصّ المستقبل الذي لا قُدرة لنا على تغييره, فلماذا لانعيش حاضرنا بأمانٍ وسلام ونَدَع المشاعر الهدّامة جانباً؟!. الظاهرة الثالثة التي اودُّ التحدّث عنها هي التأجيل. التأجيل هو ان نرجئ عمل اليوم الى الغد دون الاخذ بالاعتبار "المصائب" التي ممكن ان تحلُّ بنا لأننا لم نقم بتنفيذ مهامّ معيّنة في الوقت المناسب. فهنالك من تؤجّلُ البدءَ بعملية تخفيف وزنها الى الاسبوع القادم الى ان صار وزنها كوزن مصارعي "السومو" وآخر بات يؤجّل دفع مخالفات السير المستحقّة عليه الى درجة اضطر بها الى بيع سيارته ليسدّد دين المخالفات وآخر بات يؤجّل تصليح أسنانه ليُرغَمَ على تركيبِ شدة اسنان وما زال في اواسط كهولته وآخر لم يقدّم طلب القبول للجامعة في الوقت المحدّد فراحت عليه سنة ثمينة من عمره قضاها متسكّعا وآخر يؤجّل الإقلاع عن التدخين ليوم الأحد القادم كل يوم اثنين الى ان اصبحت رئتاه عيّنة يستعملها الأطبّاء للشرح عن أضرار التدخين وغيرها وغيرها من الحالات التي نصادفها في حياتنا. لو عرفنا ان تأجيل حلّ المشكلة لن يزيدها الا صعوبة وتعقيدا لما كنا اقدمنا على التأجيل. التأجيل مثله مثل الندم والقلق نلجأ اليه عندما نريد الهروب من الواقع, من العمل الجادّ من المواجهة الحقّة. إذا كنت قد فكّرت بحمية غذائية لتخفيف وزنك فاحذف الصحيفة التي تقرأ بها الآن واعلن للمحيطين بك "انا بدأت الحمية" الآن..الآن.. ليس الشهر الآتي ولا الاسبوع التالي وليس بعد يومين وانما الآن. إذا كنت قد نويت زيارة مريض او دفع فاتورة او تهنئة صديق او تعزية عزيز فافعل ذلك الآن لكي لا تزيد الامور سوءا. للتأجيل يوجد اشقّاء ايضاً يعرقلون انجازاتنا ويهدمون علاقاتنا مع مقرّبينا واحبّائنا ومشغّلينا وهم اللامبالاة والتعذّر والتملّص والتنكّر. كلها ظواهر هدّامة علينا تفاديها لكي نضمن حياة رغيده وفكر سليم ونفسية مرتاحة.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]