قبل 20 عاما فقط، سقط الجدار القائم بين برلين الشرقية وبرلين الغربية، واندفع الشرقيون بعشرات الآلاف نحو ألمان الغرب بعد فرقة قامت منذ نهاية الحرب. وما لبثت الألمانيتان أن عادتا واحدة كما لو أنهما لم تفترقا. في تلك المرحلة، بين 1989 و1991، حدثت أوسع عملية تغيير في التاريخ. هوى الاتحاد السوفياتي وتهاوت أنظمة أوروبا الشرقية وزال النظام الشيوعي ودخل الجميع في الاقتصاد الرأسمالي الذي كان محظورا ومكروها منذ عقود.
عدد الضحايا في كل ذلك؟ بضعة قتلى في حوادث سير وابتهاج. الربيع العربي الذي أخذ اسمه زورا من «ربيع براغ»، ترك من حوله عشرات آلاف القتلى. وحدة سوريا تصدعت، ووحدة مصر مهددة، ووحدة العراق في رعاية صاحب «دولة القانون» العابر للوحدات، ووحدة لبنان قاتمة، والفرقة في تونس واضحة، وليبيا على حافة السقوط في مهاوي الفرق الأجنبية.
لماذا يتغير الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية دون دماء، وتتحول المنطقة العربية إلى ملاجئ ومقابر مفتوحة؟ لماذا لم يقاوم «الستاسي»، أفظع جهاز مخابرات في العالم، مطلب الحرية، ولماذا تفتت سوريا بسبب هذا الطلب؟ لماذا وصل إلى الرئاسة في تشيكيا كاتب مسرحي نقلها فورا إلى مستوى التنافس الأوروبي، ووصل في مصر رجل انهمك في تغيير المحافظين والانتقام من القضاة؟ لماذا - باستثناء رومانيا - خرج الحكام السابقون إلى بيوتهم وأحيلت مصر السابقة على المحاكمات والزنازين ومشاهد السجناء التي لا تليق بأحد؟
أنا شخصيا أعرف أن هذا هو الفارق بين عالمين لكنني لا أملك الجواب. تقول إحصائية للأمم المتحدة إن 82 في المائة من العنف السياسي العالمي هو في مناطقنا. ترانا نحصد ما زرعنا، أو ما تجاهلنا؟ كتب العنف وفضائيات العنف ودعاة العنف وبرامج العنف والشتم والسب والضرب بالأكواب واللكم على الشاشة؟
كل ما فهمناه عن المطالبة بالحرية هو حرية السب والرصاص والتخوين والكليبات التلفزيونية التي تدعو - بالصوت والصورة - إلى قطع الأعناق. قبل أن نسأل لماذا هذا الهلاك المفتوح والخراب المرمد، يجب أن نسأل: من نشر هذه الثقافة، ومن حول مشهد القتل إلى خبر يومي في أول النشرة، ومن صور فيلسوف الإبادة بطلا؟
خرجت أوروبا الشرقية من الديكتاتورية لتدخل في وحدة ديمقراطية مع جوارها الغربي، وخرج العنف من نظامنا السابق ليفتت الوحدات الداخلية. خرج الأوروبيون الشرقيون يطلبون اللحاق بمستويات القرن، وخرجنا نطالب بالكهوف، ونمجدها.
[email protected]
أضف تعليق