السنة الرابعة بعد العشرة الاولى والألف الثانية للميلاد،هي السَّنة التي تشهد الذكرى الثالثة وبداية الرابعة لانطلاقة ثورات الربيع العربي ،وهي السَّنة التي تعقب احداث ميداني رابعة العدوية ، ونهضة مصر والتي تعتبر علامةً فارقةً في عمر الثورة المصرية. كيف نستقبلها في ظل التحديات الجسام ؟ والى اين تمضي أُمَّة سيد الانام ؟ ما مآل الثورات العربية .التي تحوَّلت الى مجازر بشعة ودمار شامل ، وشلل تامّ ؟ نحاول سويَّة ونحن نودِّع عاماً ميلادياً ، ونستقبل عاماً جديداً ان نستطلع توجُّهات شعوبنا العربية ، وخيارات امتنا الإسلامية ، وتطوّرات المشهد الفلسطيني في الداخل وفي مناطق السلطة الفلسطينية وفي الشتات. والله المستعان وبه الهداية والرشاد.
عامٌ عصيبٌ مضى.... ولكن ماذا بعد ؟
لا شكَّ ان العام 2013 الذي نودِّعه ، شهد انتكاسات كبرى في عمر الربيع العربي . كان ولا شكّ ابرزها الانقلاب العسكري الفاشي والخؤون على السلطة الشرعية المُنتخبة في ارض الكِنانة ، مصر العروبة والإسلام . ثم ما تبع ذلك من مجازر رهيبة يندى لها جبين البشرية والإنسانية في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر والمجازر الاخرى ، والتفجيرات المفبركة والاعتقالات العشوائية التي طالت القادة والأفراد ، الشباب والفتيات ، ثم المحاكمات المخزية التي برّأت المجرمين من مبارك وفلوله ، وأدانت وجرَّمت الشرفاء والشرعيين والمُنتخبين ، بِدءاً من الرئيس مرسي ووزرائه وقادة الاخوان وشرفاء المجتمع المصري.
ولكن لا ننسى الى جانب ذلك تلك الوقفة الاسطورية التي صمد فيها الشعب المصري وما يزال صامداً مُصابراً ، في وجه الة الدمار المتوحشة والمجرمة . ما زال الشعب المصري بأطيافه المتعدِّدة يقضي ستة شهور في مظاهرات يومية ، ومليونيات جبَّارة ، ومسيرات متواصلة للتعبير عن اصراره على استعادة منجزاته.وعدم الاستسلام لأجهزة القمع ، وحيتان الفساد ، وأوكار الاجرام التي يدعمها نظام الانقلابيين المجرمين.
العام الجديد هو عام التحدي والحسم في مستقبل الدولة العربية الكبرى.هل سيؤدي الضغط الشعبي الذي يُحاصر الانقلاب من الداخل ، ومحاكمة رموزه الخونة في الخارج الى سقوط الانقلاب ، وإفلاسه ، وتفكيك منظومته ؟ ام ان الاجرام والفساد والقهر سينتصرون في معركة ألدستور ، وإقرار نظام قمعي يعترف به العالم ولو لبعض الوقت ؟. نحن نراهن على صبر وثبات وقوة عزيمة شعبنا المصري،وابتكاره المتواصل لأدوات النضال ، انها ستحسم المعركة لصالح حُريَّة وكرامة الشعب المصري ، وعودة الشرعية ، وانتصار الاحرار على مواخير الفساد والإجرام.
والثورة السوريّة تترقَّب الحسم
طال امد الثورة السورية ، وفاقت ضحاياها كل حصرٍ وعدٍّ . قرابة نصف الشعب السوري ما بين قتيلٍ وجريحٍ وسجينٍ وشريدٍ. دمار القرى والمدن والبيوت والمؤسسات ، البُنى التحتية والقدرات العسكرية ، ولا تبدو في الافق نهاية. مجزرة الغوطة الدمشقيَّة بالسلاح الكيماوي ، هي واحدةٌ فقط من جملة مجازر،استرعت انتباه الغرب المنافق ليعمل جاهداً من اجل تدمير السلاح الكيماوي السوري.وليس لوقف المجازر البشعة ، ولا لحسم معركة التحرير لصالح ثوَّار سوريا . ومؤتمر جنيف(2) الذي كثر الحديث عنه منذ زمن بعيد ، ولا يدري احد الى أي الصفقات سيفضي ذلك مصحوباً بالتعزيز المستمر للقوى الداعمة للنظام السوري سواءً كانت روسيا ام ايران ام الاحزاب الشيعية في لبنان والعراق. كل ذلك يدعونا للخوف الحقيقي على مستقبل الثورة السورية . والسؤال هو : هل سيبقى شيء في بلاد الشام بعد كل هذا ألدَّمار ؟ وهل سيستفيق الضمير العالمي لنجدة المنكوبين في سوريا ، ونصرة المُستضعفين فيها ؟.
الامر حقيقةً اكبر بكثير من اغاثة النازحين الذين يقتلهم الثلج والصقيع في مخيمات اللجوء ، مع شكرنا وعرفاننا لمن يقف الى جانب المنكوبين في محنتهم . ولكن الامر اصبح صراع ارادات دولية ، وحلبة مواجهة بين قوى الاستكبار العالمية على مصير منطقتنا ، يدفع الشعب المسكين تلك الفاتورة الغالية من دمائه وحياته وحياة ابنائه والأجيال القادمة.
عام التحدّي والصمود لشعبنا الفلسطيني
ولم يسلم شعبنا الفلسطيني في كل اماكن اقامته من مواجهات آلات الدمار والقتل والتشريد .وما كان امامه من بُدٍّ إلاّ ان يدفع ضريبة ذلك صبراً وصموداً ورباطاً وتضحيات في الاموال والأنفس .
1) تذكروا الصمود الاسطوري لأسرانا البواسل في سجون الاحتلال ، والإضرابات عن الطعام بمددٍ قياسيّة اسفرت عن اطلاق سراح بعضهم ( وأبرزهم مؤخراً الاسير المحرَّر سامر عيساوي – الذي نهنِّئه بالمناسبة تهنئةً حارّة ) .
2) كذلك الصمود الاسطوري والنضال المستمر لأهلنا في النقب . فما بين صمودٍ في القرى مسلوبة الاعتراف التي هدم بعضها عشرات المرَّات – كالعراقيب . وما بين صمود اهل البيوت المهدومة ومواجهة الاعتقالات ، والخروج للمظاهرات والتحرُّكات السياسيَّة والنضالية ، التي اربكت السلطات الاسرائيلية الصمَّاء المتعجرفة وأدَّت الى تراجعات وتغييرات في مخططاتها . إلا أنَّ النضال سيبقى مستمراً، والصمود سيبقى سَّيد الموقف. والرباط ومواجهة الظلم والقهر هما خيارنا الاوحد حتى يقضي الله امراً كان مفعولاً .
3) استمرار الانتهاكات للمسجد الاقصى ومسجد بئرالسبع ، ومشاريع الهدم لدى المواطنين العرب ، مقابل مشاريع الاستيطان لدى المستوطنين .تحتاج منا جميعاً المُضيّ في برامج الصمود والتحدِّي .
4) القضايا النضالية المختلفة المتعلِّقة بمناطق ساخنة .ففضلاً عن القدس والنقب ، برز نحم شفا عمرو في قضية معتقليها الاشاوس ، ورمية ، وبلعين ، وباب العمود ، ودهمش وغيرها الكثير.
5) مواجهة اعمال الزعرنة التي يقوم بها المتطرِّفون اليهود تحت مسمى " جباية الثمن " (تاج محير) ، في ام القطف وعكبرة ، وصفد ، وباقة الغربية ،وغيرها.
كل ذلك وغيره من القضايا المتفرقة يضع شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية والإسلامية امام التحدِّيات الجِسام والترقُّب المستمر لأحداث العام الجديد . كلُّنا رجاءٌ في الله تعالى ان يجعل لأُمتنا مخرجاً من الضيق الى السَّعة ، ومن الضعف الى القُوَّة ، ومن الهزيمة الى النصر ومن الضياع الى العِزَّة والتمكين . وعسى ان يكون عامنا الجديد هو البداية المتجددة لذلك الطموح الكبير
وما ذلك على الله بعزيز
[email protected]
أضف تعليق