قيمة الحرية، كقيمة عليا طوّرها الانسان مع التقدم، الثورة الصناعية والحداثة وعلو شأن قيم حقوق الانسان حتى إقرارها في ميثاق حقوق الانسان الذي أعدته الامم المتحدة عام 1948 أي بعد الحرب العالمية الثانية. هذه القيمة بمفهومها الاسلامي ظهرت قبل هذا بأزل طويل وكان هذا مع بزوغ فجر الاسلام وسعيه لتحرير الناس من عبادة الاصنام ومنحهم الحرية كونهم بشراً. وهنا لا يمكن المرور مر الكرام على مقولة الفاروق عمر عندما قال:" متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".
ولكن هل هذه القيمة مطلقة؟ وما هي معالم حدودها اذا لم تكن كذلك؟ كما يطرح التساؤل هل الحرية هي بمفهوم واحد لا يحبسها الانتماء الجغرافي أو الثقافي للفرد؟ وهل زيادة التحرر (أو التحلل) هو زيادة في الحرية؟
لا شك أن الحرية كقيمة هي قيمة أساس كما سلف ذكره، ولكنها محدودة ومقيدة وهذا ما يتفق عليه الغالبية العظمى من سكان المعمورة، إن كان تصريحاً أو تطبيقاً. فالحرية لا تعني أن كل ما يقوم به البشر جائز ومشروع، وعلى فرض أن قيمة الحرية مطلقة فلماذا يمنع على سبيل المثال ليس أكثر، أن يقوم الانسان بالانتحار وهو حر بجسده وذاته، كما لماذا يمنع أن يسير المرء عارياً في الشارع وهو حرٌ في جسده أليس بذلك حدٌ للحرية؟!
وهنا تأتي الإجابة أن الحرية ليست مطلقة والقوانين ومع ليبراليتها في الغرب إلى أنها تضع هذه الحدود، المقيدّة لحرية الفرد، المتماشية مع القيم المجتمعية في البيئة المعاشة للفرد، وطبعاً هذه القيم المجتمعية متفاوتة من مجتمع لآخر فما هو مقبول في أمريكا ليس بالضرورة أن يكون مقبولاً في الهند.
يكمن التساؤل هل قيمة الحرية عالميةً من حيث محدّداتها وضوابطها، فلا اختلاف على أنها عالمية من حيث القيمة والمبدأ، ولكن الضوابط لهذه القيمة مختلفة من شعب لآخر، فلا يمكن أن نقول أن كل القيم يجب أن تكون عند كل الشعوب، وهاك مثالاً قضية منع الحجاب في فرنسا هي نوع من حد من الحرية، بالمناسبة الدولة الفرنسية تعتبرها ضمان لحرية المرأة ومحافظةً على دين الدولة وهو "العلمانية"، ولكن بالمقابل في أمريكا ودول غربية أخرى لبس الحجاب حرية فردية ولا يمكن منعه.
كل ما ذكر انفاً يشير أن قيمة الحرية مضبوطة وغير مطلقة، وفي هذا السياق يجب على الغرب أو العلمانيين ألّا يحاولوا تصدير قيمة الحرية وفق مطلقها الغربي لشرقنا الاسلامي كما هم يرون ويريدون، ويجب التسليم أن واقع المجتمع وثقافته هما اللذان يحددان حدود وضوابط هذه الحرية، هذا لا يمنع أن يكون هناك حريات أساس تجتمع عليها جُل شعوب الأرض من غربها لشرقها ولكن ليس كل ما ينتج عن الاخر هو بالضرورة مناسب لي.
وإذا كانت الحرية غير مطلقة كما يتفق قولاً ومقالاً معظم العالم، فلا يجب على العلمانيين من أبناء شرقنا العربي الاسلامي العيب على الحركات الاسلامية وعلى دعاة التقيّد بالشريعة بأن يصموهم بأعداء الحرية فكما هم لهم ضوابطهم للحرية "المستوردة من الغرب"، فللإسلاميين ضوابطهم للحرية المستقاة من الدين. وكل دعوة "للتحرر" وافدة على مجتمعنا الشرقي الاسلامي هي نتاج محاولة لتقليد الغرب المختلف عنا وبمعظمها تكون محاولة تحلل من البعد الاخلاقي ليس أكثر.
وهنا يأتي التساؤل من يحدد ما يريده الشعب، وعلى عرف أهل الغرب ذاتهم فإن الشعب يحدد ما يريد وأي برنامج ومنهج وسياسة يسعى إليها من خلال صندوق الاقتراع فلماذا لا نرضى بالحرية ومحدداتها التي يستلذها أهل الشرق وحددوها من خلال من انتخبوا في صناديق الاقتراع مع الاخذ بالاعتبار أن هذه الحرية تتفق مع المعايير العليا المجمعة عليها الامم ولا تهضم حقوق الأقليات، والاختلاف والتغيير يكمن في التفصيلات والتقييدات التي يحددها عرف وقيم ودين هذا المجتمع والتي يجب أن تحترم، كما يجب أن تحترم الصناديق وإلّا لعدنا للدكتاتورية، دكتاتورية الأقلية وهي بهذه الحالة العلمانية!
• كتب هذا المقال بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان.
[email protected]
أضف تعليق