بعد أيام قليلة تغيب شمس العام 2013, العام الثاني, بل أكثر, لمخطط برافر. ينتهي هذا العام في منعطف هام في تاريخ نضال عرب النقب في صراعهم مع السلطة ضد مصادرة أراضيهم. من المهم بمكان تحليل خطوات الحكومة الأخيرة واستنتاج العبر منها.
قرار الوزير السابق بيغن ومن وراءه رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو بوقف تشريع قانون برافر-بيغن له دلالات كثيرة. لا شك أن هذا القرار هو تاريخي بامتياز. لم نتعود على حالات كثيرة قامت بها حكومة إسرائيل بالتراجع عن قوننة مخطط بهذا الحجم من قبل. فقد بدأ التحضير لمخطط برافر في العام 2008, أي أن برافر وطاقمه يعملون على الخطة أكثر من خمس سنوات. كما أنه استثمرت فيه كل طاقات الهيئات الرسمية وغير الرسمية في إسرائيل, بدءً بالحكومة، الراعية للمخطط والقائمة على تنفيذه، وحتى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي حيث ولد المخطط، من الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كييمت) إلى الوكالة اليهودية. الكل مع هدف واحد هو تهجير سكان القرى الغير معترف بها ومصادرة أراضي عرب النقب. لهذا السبب لا يمكن التقليل من حجم القرار وانعكاساته. يكفي أن نذكر بأن القانون كان قد مر بالقراءة الأولى في ظل حكومة يمينية متطرفة وضعت كل ثقلها من اجل إقراره في القراءة الثانية والثالثة. استقالة بيغن وتصريحاته وعدم تسرع الحكومة برئيسها نتانياهو، المهتم في الموضوع شخصيا، بعدم الكشف عن خطواته المستقبلية يوحي إلى تخبط الحكومة بهذا الموضوع.
ماذا يعني إيقاف تشريع القانون؟
أولا: إيقاف تشريع القانون معناه وقف مسيرة نزع الشرعية، حاليًا، عن سكان القرى غير المعترف بها. في حالة سن القانون ممكن اعتبار السكان هناك، الساكنين على أرضهم منذ قبل قيام الدولة، "غزاة" وتستطيع الدولة إخلائهم بالقوة. الآن وعلى الأقل لا يوجد غطاء قانوني لأعمال الإخلاء والهدم الإجرامية التي تقوم بها الوحدة الخاصة في الشرطة، "يوئاف".
ثانيا: وقف سن القانون معناه أن محاولة مصادرة أراضي عرب النقب عنوة ومن خلال القانون وحيثياته ستتوقف مرحليًا. تصميم قوانين خاصة بهدف مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي العربية في البلاد توقف منذ زمن بعيد. ويعد الرجوع إلى هذه القوانين من خلال قانون برافر عودة إلى سنوات خلت في بداية الدولة. كذلك فأن التعويض المادي (المقترح في مشروع قانون برافر) للأراضي التي صودرت في الخمسينات هو مدخل إلى حل قضايا أراضي مهجري الداخل وإنهاء الأمر بتعويض مادي بخس.
ثالثا: وقف تشريع القانون معناه أن سياسة إسرائيل بإغلاق مناطق معينة في البلاد أمام المواطنين العرب النقباويون ورفض حقهم بالسكن أو تملك الأرض في شمال النقب قد باء بالفشل.
رابعا: كشف كذب السلطة وخداعها ومحاولات دق الأسافين بين العشائر والقرى المختلفة من خلال نشر الأكاذيب وكأن 80% من عرب النقب يوافقون على مخطط برافر. الخصام والنقاش بين أحزاب السلطة المختلفة أدى إلى نشر خارطة برافر "المخفية" منذ أكثر من سنتين. هذه الخارطة توضح ما قلناه في البداية إنها سترحل غالبية سكان القرى الغير معترف بها البالغ عددهم 70 ألف نسمة وهدم غالبية القرى غير المعترف بها ومصادرة مئات ألوف الدونمات.
هذا هو الوضع الجديد مع إيقاف تشريع القانون. لكن هل سياسة حكومة إسرائيل تغيرت مع وقف التشريع؟ طبعا لا. إن سياسة حكومة إسرائيل العنصرية هي منهجية ومستمرة منذ قيام دولة إسرائيل. يكفي أن نذكر أن يوم الأرض عام 1976 حدث على خلفية محاولة مصادرة بضع آلاف من الدونمات في ارض المل, منطقة البطوف, في مثلث سخنين-عرابة- دير حنا. في تلك الأيام استطاع طيب الذكر توفيق زياد وزملاؤه بإيقاف مخطط المصادرة. منذ ذلك الوقت أوقفت حكومة إسرائيل المصادرة المباشرة للأرض العربية (عدا عن قانون مصادرة أراضي تل الملح في النقب المعروف ب"قانون السلام". لكن وبدل المصادرة المباشرة عمدت حكومة إسرائيل ومنذ ثمانينات القرن الماضي, على السيطرة، الغير المباشرة، على الأرض العربية من خلال جهاز التخطيط في إسرائيل. هذا الجهاز يتحكم في مواضيع كثيرة منها: مناطق نفوذ بلداتنا, استعمالات الأراضي، مسطحات البناء، هدم البيوت والخرائط الهيكلية التي لا تستجيب لحاجيات الجيل الشاب في بلداتنا.
نعلم أن هناك مخططات بديلة في جعبة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة. وهناك احتمالا بالاستمرار في سن قانون برافر تحت "قيادة" وزير آخر. لكن نعلم أيضا أن سياسات حكومة إسرائيل خططت، أصلاً، لتركيز كل عرب النقب في ثلاث بلدات فقط. والتي سرعان ما وصلت إلى خمسة ومن ثم إلى سبعة وبعدها الاعتراف (المنقوص) بأحد عشرة قرية جديدة. كل هذا حدث من خلال نضال مثابر وعمل مهني دؤوب بقيادة المجلس الإقليمي للقرى الغير معترف بها. النضال الشعبي والنضالات الأخرى كانت وما زالت حجر الزاوية للنجاح في الوصول للاعتراف وهذا ما حدث الآن مع إيقاف العمل على تشريع قانون برافر.
خطوات مستقبلية
مخطط برافر, على ما يبدو, أوقف الآن في الكنيست. لكن على الأرض أقيمت في السنتين الأخيرتين مؤسسة كاملة تعمل على ترحيل عرب النقب ومصادرة أراضيهم. ف "سلطة التوطين" و"طاقم التطبيق" ووحدة "يوئاف" تعمل على الأرض لتمرير هذه السياسة يوميًا. هل سيحال كل هؤلاء للتقاعد؟ طبعا لا. ما كان في النقب من هدم للبيوت وتشريد يومي سيستمر بدون قانون برافر. لذلك من المهم بمكان تصعيد النضال الشعبي ودعم صمود الأهل على الأرض والمعتقلين. كذلك من المهم الاستمرار في تحريك الرأي العام العالمي أكثر بدون التراجع عن محاولة تغيير ميزان القوى في الكنيست ضد مخطط برافر. هناك حاجة لتغيير الخطاب وتصعيده والمطالبة بوقف سياسة هدم البيوت والإفراج عن المعتقلين وإغلاق الملفات ضدهم، المطالبة في الاعتراف في القرى الغير معترف بها، تخطيطها وتقديم الخدمات لها، وبالأساس محاولة إقناع الحكومة الإسرائيلية بتبني المخطط البديل الذي وضعه المجلس الإقليمي ومؤسسات أخرى.
"استراحة محارب" غير قائمة في النقب. الوقت يجب أن يكرس للتخطيط للأيام والأشهر القادمة ورص صفوف وتعزيز وحدة الناس في النقب والبلاد. يثلج الصدر أن نرى غالبية رؤساء السلطات المحلية العربية في النقب يشاركون في اجتماعات لجنة التوجيه العليا لعرب النقب وهم جزء منها ويستعدون لأخذ الكثير على عاتقهم في الدفاع عن إخوتهم في القرى الغير معترف بها.
لقد كانت وحدة شعبنا دائما هي الصخرة التي تحطمت عليها كل مؤامرات الحكومات الإسرائيلية ضد شعبنا منذ العام 1948. هل سنرى في مظاهرة 9-1- 2014 القطرية, أمام "سلطة توطين البدو" في بئر السبع والتي أعلنت عنها لجنة التوجيه, أم المظاهرات؟؟ مظاهرة تقلب حسابات عام 2014 عند كل من يريد السوء لعرب النقب أصحاب البلاد؟ هذا منوط بي وبك وبكل واحدا منا.
[email protected]
أضف تعليق