تتجه الأنظار هذه الأيام إلى تركيا، وردة فعل رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي، العنيفة ضد قيادات من الشرطة بما فيهم قائد شرطة أسطنبول حسين جابكين، بعد أن قاموا بالتحقيقات في ملف الفساد الذي طال مسؤولين وأبناء وزراء مقربين منه.

اتجاه الأنظار لتركيا ليس استنكاراً لوجود الفساد فيها؛فالفساد منتشر في كل مكان، خصوصاً عندما يجد المسؤول كل شيء، متاحاً ومباحاً، وأموال الدولة تتدفق بين يديه وأفراد أسرته، لكن ردة فعل أردوغان التي لم تطح بقيادات الشرطة فقط بل شككت في القضاء!

سقط بن علي في تونس لأنه لم يقف في وجه الفساد، وسقط معه المتنفذون والأقارب والأصهار، وفي مصر أودع الرئيس وابناه السجن، لأنه لم يقف في وجه الفساد، وسقط معهم كل الوزراء وعدد من رجال الأعمال المتنفذين، وفي سوريا كل هذا القتل والدمار لأن الفساد مستفحل حتى النخاع. ليبيا وفي كل دول العالم الثالث الفساد موجود، ويمكنك رؤيته بالعين المجردة إذا استطعت رؤية " الهوة السحيقة " التي تفصل بين " قلة متنفذة" تملك كل شيء و" أكثرية صامتة" لا تملك غير الصبر وشحنات من الغضب تخرج في دفقة واحدة عندما تكتمل لها الأسباب وتسمى تلك الدفقة " ثورة ".

إذن ليس غريبا القبض على الفاسدين، والعدالة تأخذ مجراها كما يقولون ، طالما أن هناك قضاء عادلاً يفصل في الأمر، لذلك جاءت ردة فعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والغضبة على جهاز الشرطة التي تتولى التحقيقات لأنها تورطت بالقبض على أبناء المسؤولين المتهمين بالفساد، أو لاتهامها ( باستغلال النفوذ ) و ( عدم ابلاغ سلطة الوصاية السياسية بالتحقيق) حقا ردة فعل مثيرة للدهشة،خصوصا وهو يباهي بالحكومة المحافظة المعتدلة وتتخذ من مكافحة الفساد شعاراً لها! ( لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) هو هذا الاسلام الصحيح، لذلك لا بد أن يفطن المواطن العربي إلى هذه الأساليب التي انتهجتها الجماعات والأحزاب التي تتخذ الإسلام شعاراً فقط لكن الممارسات من وراء الشعار الدعائي لا تنتمي الى الإسلام.

هل انتهى العصر الذهبي لاردوغان الذي شهد تغني العربان من كتًاب ومفكرين في الخليج العربي ومصر، به وبسياساته الديمقراطية الاسلامية المعتدلة، حتى أصبح أردوغان متحدثا رئيسيا في المؤتمرات واللقاءات، واسم حزب ( العدالة والتنمية ) أثيراً لدى الجماعات الاسلامية، فأصبحت الأحزاب ( العدالة والتنمية ) ( الحرية والتنمية ) ( البناء والتنمية ) في عمان وتونس ومصر وليبيا، كلها تعبر عن التوجه أو النهج الاسلامي في ظاهرها لكن ما خفي كان أعظم، وأصبح حزب ( العدالة والتنمية) الذي ينتمي له رجب طيب أردوغان هو " الجوكر" على مدى سنوات والأحبار تسكب تبتلاً في أردوغان الذي نقل تركيا من حال إلى حال مما أدى إلى نهضة اقتصادية وتعليمية وسياحية غير مسبوقة والكل يتغنى، حتى ظهر وجه من أوجه أردوغان في الأزمة السياسية في صيف العام الماضي" يونيه " عندما تظاهر الشباب في " ساحة تقسيم " فاستخدم في مواجهتهم كل أساليب القمع الذي وجه الانتقادات لتركيا، ويوم الأحد الماضي تدفق المتظاهرون المناهضون للحكومة الى ساحة "قاضي كوي" مرددين شعار "العدالة والتنمية في كل مكان.. الفساد في كل مكان" بينما كان شعار الصيف الماضي "تقسيم في كل مكان .. المقاومة في كل مكان" دائما هناك أيدٍ أجنبية ومؤامرات خلف الثورات، لا يعترفون أن هذه ( دفقة الغضب ).

هي هذه ديمقراطية الجماعات الاسلامية، الهيمنة الكاملة وتنفُّذ الجماعة والأبناء والأقارب وبعد ذلك يقولون هذه هي الشريعة وهذا هو الاسلام، رغم أن حزب العدالة والتنمية التركي لا يعلن هذا ولا يستخدم الشعارات الإسلامية في خطاباته السياسية، ويصنف نفسه حزبا معتدلاً، الا أن وجهه الحقيقي ظهر خلال الثورة المصرية الأخيرة.

حتى الآن نحن نكتب الرأي بناء على الأخبار المنشورة في الصحف، ووسائل الاعلام، لكن لا دخان من غير نار كما يقولون فمهما تكن قيمة حجة أردوغان حول أعدائه وحياكة السفارات الا أن ردة فعل أردوغان تعني فساد الشرطة والقضاء، وهذه كارثة أسوأ من الاعتراف بوجود فساد حتى بين الأقارب والأبناء.

تمت ملاحقة 24 شخصا بينهم ابنا وزير الداخلية والاقتصاد، ورئيس مجلس ادارة " هالك بنك " ورجل الأعمال الايراني ( رضا زراب ) بتهم التورط في الفساد والتزوير وتبييض الأموال وصفقات مالية بين تركيا وايران الشيطان الأكبر ، فكل أزمة في أي وطن عربي دائما خلفها ايران، سوريا والبحرين ولبنان، تحريضها للأقليات الشيعية في الخليج أو تدمير الاقتصاد وهاهي تضع اصبعا فاسداً في تركيا.

السؤال الآن، هل ستقضي هذه الأزمة السياسية على اردوغان وحزب العدالة والتنمية، أم أنها ستنتهي كما انتهت أزمة الصيف الماضي، أم أن هناك ثورة جديدة في الطريق؟!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]