لم تكمن الأهمية التاريخية لحدث الإبعاد في عدد من أُبعدوا من أبناء فلسطين حيث سجلت أنها أكبر عملية إبعاد شهدها التاريخ في العصر الحديث. ولم تكمن أهمية الإبعاد في نوعية ورمزية ومكانة من تم إبعادهم حيث أن جميع من أبعدوا كانوا من الشخصيات الاعتبارية وأمة المساجد والأطباء والمهندسين وطلاب الجامعات.
الأمر تعدى هذا وذلك، وبرزت الأهمية من وجهة نظري في أمرين: الأول إصرار وقرار هؤلاء رفض هذا الأمر والعودة للوطن وتحمل كل ظروف المكان والطقس والشتاء والمطر والبرد فكانت العودة بعد الصمود ولولا الصمود لما كانت هناك عودة.
والثاني بالطريقة المميزة التي استطاع بها هذا الجمع الكبير من مختلف مناطق الوطن ترتيب نفسه وتنظيم صفوفه واختيار ناطق باسمه وقاده وأمراء وتوزيع المهام لكل الأمور في منظر جميل ورائع أظهر هؤلاء الناس بهذا الشكل أمام العالم فكانت صورة جميلة انعكست إيجابا على الصورة الفلسطينية.
مرج الزهور كانت تجربة رائدة وملحمة بطولية صمد فيها وخلالها الجمع وضربوا أروع الصور وأجمل القصص والحكايات ولكن ليس هذا ما أريد الحديث عنه.
الأهم من كل ما ذكر وهو ما حدث بعد عودة هؤلاء الرجال بعد هذه التجربة الرائدة الرفيعة، وهو العودة للعمل الجهادي والوطني والانتقال به نقلة نوعية جعل البعض يقول أن الحركة الوطنية الفلسطينية بعد مرج الزهور ليس كما قبل مرج الزهور وهذا أمر لا يختلف عليه اثنين.
عاد الرجال أشد عودا وأصلب شكيمة وكأن جبال لبنان الباردة أشعلت في صدورهم جذوة ونارا حرقت المحتل وأصابته بالذهول. فبعد مرج الزهور كان هناك أبو هنود والسركجي وجمال منصور وجمال سليم وعبد العزيز الرنتيسي وعبد الرحمن العاروري رسموا خارطة الوطن وسجلوا ملحمة في البطولة والفداء قل نظيرها.
بعد مرج الزهور واصل الأغلب الكفاح والنضال فأمضى من عاد من ذلك المرج الشامخ أغلب شبابه عشرات السنين يتنقلون من سجن لآخر ومن معتقل لمعتقل ترجل من سجون الاحتلال الشهيد زهير لباده ولم يكد يفارق السجون حسن يوسف ومحمد جمال النتشة والشيخ جمال الطويل وأبو نعيم النتشة.
فرسان ذلك المرج ما زالوا على العهد لم يخلعوا من عنقهم بيعتهم الأولى منهم من مضى ومنهم من ينتظر ذلك اليوم الذي يجتمعون فيه حول حوض نبيهم.
تحن حجارة ذلك المرج للرجال الركّع السجّد لصوت الرنتيسي الهادر وحكمة المنصورين وخلق السركجي وذكاء أبو النور دروزة وترتيل العشرات ممن يحن لهم المرج وأرض المرج.
لمرج الزهور مكانة كبيرة في قلوب من عاشوا في ذلك المكان ففيه تجمع الرجال وخاضوا أقسى المعارك من مسيرة الأكفان للعودة منصورين لأرض الوطن. هناك كان اللقاء ولذلك المكان الحب والحنين وفي ذكرى مركز الزهور سلام للشهداء وحرية للأسرى وصبر جميل للقابضين على جمرتي الوطن والدين.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]