" التاريخ يعيد نفسه "عبارة شهيرة يستعملها شعبنا، ولكن ما سمعنا مرّةً أنّ " التاريخ ينفي نفسه "؛ بل هو موجود نسبةً الى خبرة شعب عاش ونقل هذه الخبرة الى غيره شفهيًّا أو كتابةً، لذلك حتميّة وجود التاريخ هو وجود أشياء مكتوبة تُثبِت أصالة عيش شعوب على هذه الأرض ضمن تاريخ وحقبات معيّنة.
لذلك أيمكننا إنكار هذا التاريخ وتهميشه؟ أيمكننا أن نمحو هذا التاريخ العريق الذي حمل معه العديد والعديد من الأشياء المهمّة؟ أيمكننا هدمه؟
الحقبة التي نعيش فيها هي الحاضر؛ لذلك لا يمكننا الرجوع الى الوراء ولا التقدّم بالزمن الى الأمام، لذلك الماضي مضى والمستقبل مع المستقبل. الحاضر هو الحاكم والانسان يعيش فيه وليس لديه الإمكانيّة لا العيش في الماضي ولا في المستقبل.
عبرت الكنيسة هذا التاريخ وهي اليوم حاضرة في كلّ زمان ومكان، في الماضي، الحاضر والمستقبل. فما بتنا نسمع حتى اليوم الهجوم المباشر والمستمر على كنيستنا إن كان بالأعمال الارهابيّة وإمّا بالهجوم عليها بالكلام والانتقادات، وكأنّ هؤلاء الذين يفعلون هذه الأعمال يقدرون أنّ يقلّلوا من قيمتها أو تهميشها أو هدمها. يظنّون أن تحطيم تمثال للعذراء هو تهميش أو تقليل من قيمة سيدتنا مريم العذراء، فبإنتقالها بالنفس والجسد الى السماء بقيت صورتها نقيّة لا يستطيع أحد تدنيسها.إمّا أعمال الارهاب في العديد من البلدان عبر تفجير الكنائس، لا يمكنها أنّ تمسّ الجوهر.الذهب يبقى ذهباً مهما فعلوا به، إن أحرقوه أوّ حطموه أوّ ذوبوه، يبقى ذهباً، وهكذا الجوهر يبقى جوهراً، فلا يفتخر هؤلاء كثيراً بأعمالهم لأنّ أعمالهم أرضيّة ولا تؤثّر على جوهر خالقنا وصورته.
ننتقل من انتقاد وتهميش الكنيسة الى انتقاد رجال الدين، يبقى رجل الدين إنساناً، بطبيعة بشريّة قابلة للخطأ، ولا يحق لنا إدانته، فالمطلوب منا فقط هو الصلاة له لكي ينهض من المحنة التي سقط فيها. ما نشاهده عبر الوسائل الاعلاميّةعكس ذلك تماماً، فقد فُقدت المعايير الأخلاقيّة في التعاطي مع المقامات الروحيّةوالدينيّة. وشوّهت صورة رجال الدين والكنيسة التي هم رعاة لها.
رغم كلّ هذه الأشياء بقي لبنان أرض القداسة التي تفوح منها رائحة البخور، التي أنجبت العديد من القديسين وما زلنا ننتظر قديسين جدداً.
أمنيتي أنّ تتوقّف الأعمال التي تهين الأديان وتمسّ بالمحرمات والمقدّسات ورؤساء الطوائف وأخصّ منهم الكهنة، الرهبان والراهبات، المكرسين والمكرّسات، فهؤلاء الذين تركوا كلّ شيء وتبعوا المسيح ينقلون صورته على الأرض وهذا هو عمق رسالتهم، ومن يخلّ برسالته حسابه عند الربّ وليس الانسان الآخر هو الذي يحاسبه. " لا تدينوا لئلاّ تدانوا"، " أحبّوا بعضكم بعضاً "، هذه وصية السيّد المسيح منذ ألفيّ سنة فلنتذكرها دائماً لأنّها السبيل الوحيد للسلام.
[email protected]
أضف تعليق