صحيح أن أخبار العواصف والأمطار وتحول الثلوج بعد هبوطها من السماء إلى جليد شغلت الناس خلال الأسبوع، إلا أن أعاصير السياسة وعواصف العنف وأمطار الصراع بقيت على حالها وإن خفّت حدتها. فالطقس قد يسوء لأيام لكنه حتماً يعود إلى طبيعته في منطقة حارة غالباً باردة أحياناً، أما أعاصير السياسة فيها وصخب الصراع على الحكم في بعض بلدانها منذ تفجر ثورات الربيع العربي فلا تتوقف أو تنتهي، وكأن على الشعوب التي سارت في طريق الثورات أن تدفع ثمن رهانها الخاسر، واختيارها الخاطئ، وطموحاتها الزائفة.
نعم، كان أسبوعاً مناخياً عاصفاً على المنطقة الملتهبة في العالم العربي بفعل العاصفة «أليكسا» التي ضربت لبنان والأردن وفلسطين وسورية وامتدت بعض آثارها إلى مصر، حيث رأى الناس ثلوجاً تتساقط من السماء، وتغطي الشوارع والأشجار في بعض المدن، وهو مشهد نادر في بلد يمر عليه الشتاء أحياناً من دون حتى أن يرتدي بعض الناس فيه الملابس الثقيلة.
بفضل «أليكسا» دخل المتقاتلون في سورية في هدنة إجبارية، وعاد الأمن إلى لبنان، واختفى نشاط المحتجين في الأردن، بينما استمر «الإخوان المسلمون» على نهجهم في مصر، لكن بإيقاع أهدأ ونشاط أقل، إذ ربما اعتقدوا أن طالما هدفهم تعطيل الجامعات ووقف حال الناس فإن الطقس السيّء والأمطار الغزيرة وتساقط الثلج أمور تكفلت بتحقيق ذلك الهدف. توقفت الدراسة في بعض البلدان العربية لكنها استمرت في مصر، رغم ما تشهده الجامعات من صخب واعتداءات. والمؤكد أن محاولات «الإخوان» إفشال خريطة الطريق السياسية، أو أي خريطة أخرى تنتشل مصر من الأوضاع التي تعانيها، وترفع العراقيل أمام عودة الهدوء والأمن، وبالتالي عودة الاستثمارات والتنمية، ستستمر بطرق مختلفة وليس أمامهم إلا ذلك الخيار، بعد ما أسقطوا منذ عزل مرسي خيار البدء من جديد، والحفاظ على الحد الأدنى من التواصل مع القوى الأخرى في المجتمع.
وحتى موعد الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد منتصف الشهر المقبل سيلتهب الشارع المصري أكثر سواء صلحت حال الطقس أو استمر على حاله، وسواء استمرت «أليكسا» تضرب المنطقة أو غيرت اسمها وانتقلت إلى الطرف الآخر من الكرة الأرضية لتضرب بلداناً أخرى، فخطط «الإخوان» لضرب أي نظام بعد نظامهم تحولت إلى عقيدة ومن دونها الموت!
لم تعد تظاهرات «الإخوان» احتجاجية، إذ اختفت تقريباً المطالبة بعودة مرسي أو دستوره أو برلمانه. بكل وضوح الهدف الآن تعطيل الاستفتاء على الدستور، ومنع انتخابات البرلمان، والحؤول دون وصول رئيس آخر منتخب إلى المقعد الرئاسي. صحيح تبدو أيادي الحكم الحالي مرتعشة أحياناً أو باطشة في أحيان أخرى أو مرتبكة غالباً لكن إذا كان الحكم «يغرق في شبر ميه»، إذا ما أمطرت، فما حاله إذا ما تعاطى مع حركة شارع لا يهدأ، وغضب جماعة لا ترتدع، وجموح فئة ذاقت طعم الحكم؟
قد تفقد حكومة الدكتور حازم الببلاوي بعضاً من رصيدها لدى الناس، وفقدت، لكن ذلك لن يضاف أبداً إلى رصيد «الإخوان»، الذين تزداد حصيلتهم كل يوم من غضب الناس ونقمتهم على الجماعة. وقد يرتبك الشارع بفعل قطع الطرق، أو الاعتداء على منشآت، لكن الحكم لن يسقط ولن يعود مرسي إلى مقعده. وقد تزداد معاناة الناس فيدفعون ثمن أخطاء النخبة وخطايا السياسيين لكنهم لن يملأوا الميادين ليطالبوا بمرسي رئيساً.
المؤكد أن الإعلان عن تاريخ الاستفتاء على الدستور في مؤتمر مرتب مر دون ما يعكر صفوه أمر لم يرض «الإخوان» بل أغضبهم، والمؤكد أيضاً أن خططاً وضعت لتخريب عملية الاقتراع داخل اللجان وخارجها. الأمر ليس سراً، فأهداف الإخوان وإن لم تعلن في بيانات أو خطب أو رسائل المرشد إلا أنها واضحة وضوح الشمس التي غابت في الأيام الماضية بفعل سحب وغيوم «أليكسا» التي ضربت ورحلت، بينما «الإخوان» مازالوا يضربون.
[email protected]
أضف تعليق