تفنن الهواة والمراقبين في تسمية العاصفة التي تسببت في المنخفض الجوي الذي ضرب الأراضي الفلسطينية وعدد من دول الجوار فمنهم من اسماه عربيل ومنهم من اسماه الكسا ولكن هو بكل المعاني "وكسة للإنسانية " أو " عورة الإنسانية العارية " فمع اشتداد الرياح العاصفة التي أزاحت في طريقها الكثير ضمن ما أزاحته هو قناع الإنسانية الزائف التي تتخفى خلف كم كبير من الشعارات الزائفة اسمها حقوق الإنسان والإنسانية المفقودة .
فلسطين كان لها نصيب الأسد من المآسي التي خلفتها موجة البرد والصقيع القارص متقاسمة الهم مع الأشقاء في سوريا الأولى تعيش حالة من الحصار وغياب كل مقومات الحياة والثانية يتكالب عليها برودة الجو والاقتتال الداخلي .
غزة المنكوبة بدون أي عوامل خارجية والتي تفتقد إلى كل مقومات الحياة فحصار خانق على مصادر الطاقة من كهرباء وغاز طهي وسولار وبنزين وأدوات البناء وحالة من البطالة القاتلة لأبنائها جاء المنخفض ليضيف برودة جديدة إلى جدران منازلها الباردة والمعتمة ,يجرف الأشجار وأسقف منازل الفقراء المغطية بألواح الصفيح "الزينقو" ويدخل معظم البيوت الواقعة في طريق مياه الأمطار التي لا تجد لها مصرف إلا منازل الناس بفعل البنية التحتية التي لا تحتمل هذا الكم من المياه والتي لا يستطيع الغزيين تطويرها بفعل غياب المواد اللازمة والمنازل التي لم تدخلها المياه لابتعادها عن مسار مياه الأمطار يجلس أصحابها وسط الظلام لغياب الكهرباء والغاز والسولار والبنزين مصدر التدفئة الوحيد هو أجساد الأطفال المرتعشة من البرد والمتلاصقة أملا في بث جزء يسير من الشعور بالدفيء ,مئات من منازل المواطنين تحولت إلى برك للسباحة بدون الحاجة إلى مهندسين ديكور وتعجز طلمبات الضخ عن إفراغها من الماء الذي أصبح يحاصر العديد من المنازل و المخيمات ويغطي معظم الطرقات .............
الأسرى فصل آخر من فصول عار الإنسانية التي تعجز عن توفير أدنى مقومات الحياة الإنسانية داخل المعتقلات العنصرية الإسرائيلية التي يفاخر بها العالم على أنها دولة مدنية ,كيف يعيش الأسرى الفلسطينيين داخل السجون والمعتقلات الاحتلالية العنصرية ؟؟ يا من تجلس على فراشك الدفيء إن الأسرى منهم عدد كبير معتقلين في خيام في سجون صحراوية يمنع ان يضعوا أغطية الرأس او القفازات ويسمح لهم فقط بغطاء واحد "حرام " وبالتأكيد لا توجد أي وسيلة للتدفئة وبالقطع هذا كله مخالف لكل الشرائع الإنسانية والاتفاقات الدولية لكن العالم لا يرى ولا ينظر ....
الضفة الغربية و عشرات القرى التي لا يسمح الاحتلال بتطويرها والبناء فيها من اجل التضييق على أهلها وإزاحتهم لصالح التمدد الاستيطاني ويحرمهم من مصادر المياه والكهرباء فيها ويعيش أهلها إما في الكهوف أو بيوت الشعر والخيام أو بيوت مصنوعة من ألواح الخشب والصفيح ضربها المنخفض ولكنه لم يستطع ببرودته الشديدة من إطفاء وطنيتهم وانتمائهم لهذه الأرض فجذورهم عميقة لم تستطع العاصفة من اقتلاعهم رغم أنها اقتلعت منازلهم وتركتهم في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء التي تمطرهم بزخات من الثلج والمطر دون أي من مقومات الحياة إلا إيمانهم بحقهم في الحياة على هذه الأرض فهل مازال العالم عاجز عن رؤية حق هؤلاء الناس في العيش بكرامة وإنسانية فوق أراضيهم التي توارثوها عن أجدادهم الذين توارثوها عن أجدادهم الأولين حتى آلاف السنين في عمق التاريخ .
القدس التي كساها اللون الأبيض بلون نقاء قلوب أهلها لم تكف عنهم جرافات الاحتلال التي تهدم بيوتهم بحجة عدم وجود التراخيص وتتركهم في العراء يصارعون إلا أنهم يرفضون الرحيل عن ارض هي ملكهم وتاريخ يعرفهم ويتلمس في وجوههم وقسماتهم فصوله لصالح غازي أجنبي غريب تلفظه الأرض والمكان , وتحت الأرض تنشط الأعمال التخريبية من اجل التعجيل في هدم المنازل والمؤسسات والأبنية التاريخية والدينية وتترك بصمات هذه الأعمال التخريبية على جدران منازل المقدسيين ومؤسساتهم التي تئن من التصدعات والشقوق العميقة وبالرغم من ذلك يبقى المقدسيين صامدين في وجه المنخفض الجوي وممارسات الاحتلال وصمت العالم على الانتهاكات المتواصلة بحقهم والتي يرتقي بعضها إلى مستوى الجرائم بحق الإنسانية التي افتقدت كل معاني الإنسانية .
البشر الموجودين في خيام اللجوء من أبناء الشعب الفلسطيني والأشقاء من سوريا ممن تعصف بهم الرياح وتغرق أجسادهم المياه وتأكل أطرافهم برودة الشتاء ويئن أطفالهم من الم البرد ممن يتنقلوا من لجوء إلى لجوء ومن خيمة إلى خيمة كل هذه الشواهد تؤكد أن العاصفة لم تعري المواطنين وتكشف سترهم من أسطح أبنية متهالكة وتغرق منازل متواضعة لكنها كشفت عورة الإنسانية الصامتة على معاناة هؤلاء الناس ............
أبناء شعبنا لعل برودة المنخفض ورياحه التي كشفت عورة الإنسانية وظلمه لشعبنا وعدم رؤيته لمعاناتنا وعدم رؤيته لأطفالنا الغارقين في المياه وعجائزنا وشيوخنا ولو ان قطة هي التي كانت تسبح في مياه المنخفض لسارعت عدسات الكمرات لنقل المشهد المؤلم لجلب تعاطف العالم ولسارعت مؤسسات حقوق الإنسان للشجب والاستنكار ووردت عشرات المتبنين للقطة والاتصالات لعرض المساعدة للمسكينة لكن هذا مرة أخرى يؤكد أن معاناة شعبنا لا يشعر بها إلا أبناء شعبنا وقلة من أبناء امتنا العربية لذلك علينا أن نصرخ بكل قوة نلعن الانقسام ونتمنى انتهاءه فلنرفع الأكف للسماء مع قطرات الخير المرسلة إلينا ندعو الله بان يوحد شعبنا ولنجعل من دفء قلوبنا بالانتماء والوحدة والحب لبعضنا البعض سبيل ننتصر فيه على برودة الطقس وبرودة الإنسانية الظالمة .
[email protected]
أضف تعليق