ما انفك الموضوع السوري يشغل الناس ويحدث بينهم الخلاف في الرأي والانقسام في الصفوف والتباعد في المواقف. تأتي أعياد الميلاد ودور العبادة ومنها الكنائس والأديرة خاصة الى جانب المساجد والمقامات تتعرض للقصف والاعتداءات غير المبررة. يأتي ميلاد طفل المغارة الذي يعدنا بالخلاص، وأسقفا حلب بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم، لا يزالان رهن الخطف الارهابي، وعدد من الكهنة والراهبات قد سبق ولاقى الشهادة على يد الارهابيين الظلاميين أعداء الله والانسان، ومن تحويل كنيسة الى مقر لجبهة النصرة، الى تحطيم تمثال العذراء على يد جاهل لا يفقه بأمور الدين ولم يقرأ ما نزل في القرآن عن السيدة العذراء " إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين" (آل عمران: الآية 42) فهل يمكن لجاهل موتور أن ينجس "سيدة نساء العالمين" بتحطيم تمثالها الكريم؟!

نقترب من بداية عام جديد ومئات وآلاف القتلى أعدادهم آخذة بالازدياد الى جانب عشرات ألوف اللاجئين المشردين عن بيوتهم ووطنهم الذي جمعهم يوما بأمان واطمئنان.

إن اختطاف راهبات دير مار تقلا في بلدة معلولا السورية جريمة وعمل غير أخلاقي أو انساني، وأي ذريعة واهية خرجت علينا بها بعض الأوساط المشكوك في أمرها أو وسائل اعلام تقف ضد النظام الحاكم منذ اليوم الأول للقلاقل داخل سوريا، لن لا يخفف من هول الجريمة والفعلة النكراء، وادعاءات الخاطفين أو وسيلة الاعلام الناطقة باسمهم وعرض الفيلم الاخباري عن الراهبات في مكان اختطافهن لا يخفف من دواعي القلق على سلامتهن، حيث لا يمكننا معرفة ما يمكن أن يفعله الخاطفون بهن في أي لحظة وبعيدا عن وسائل الاعلام، وهذه الألاعيب لن تثنينا عن المطالبة باطلاق سراح الراهبات بشكل فوري ودون تأجيل، وان عدم اطلاق سراحهن أمس قبل اليوم، بل كان من الطبيعي ألا يتم اختطافهن، لأنه لا ناقة لهن ولا جمل في الحرب الضروس الدائرة على الأرض السورية، وعدم اطلاق سراحهن انما يثبت أن المختطفين من العصابات الارهابية لا يفقهون لقيمة احترام الانسان وكرامته أي معنى.

إن كشف الخاطفين عن مطالبهم يؤكد أن من يخطف الراهبات والأساقفة ويقتل الكهنة ويعتدي على المقدسات الاسلامية والمسيحية، هي هي العصابات الظلامية والتكفيرية الوافدة من كل أصقاع الأرض لتدمير سوريا وضرب الدولة السورية وتشتيت وتفتيت الشعب السوري الى قبائل وعشائر وقوميات وطوائف. وعم كان يبحث الاستعمار كل الوقت وماذا كان يخطط؟ ألم يكن يود تفتيت الدولة السورية وضرب نظامها الوطني آخر نظام عربي يحمل رؤية قومية؟ ألم يهدف الاستعمار الى تشتيت العرب ومنع وحدتهم وتقسيمهم الى كيانات مصطنعة باسم دول؟ وها هي المعارضة السورية تهيء للاستعمار الأرضية الخصبة لتحقيق أهدافه، عبر التعاون المباشر مع دول وكيلة للاستعمار في المنطقة مثل تركيا والسعودية وقطر على سبيل المثال.

طبعا تعلم العصابات الارهابية أن الدولة السورية وجيشها العربي لن يسمحا بتعذيب وقتل الراهبات ومواصلة اسرهن دون ذنب اقترفنه. وتعرف تلك العصابات ومن يقف خلفها أن الدولة السورية احتضنت على مدار السنوات الكنائس والأديرة، كما احتضنت المساجد ووفرت لها الأمن والطمأنينة ووفرت حرية العبادة للمسيحيين مثلما وفرتها للمسلمين، وحافظت على علاقات طبيعية وأخوية مع رؤساء وخدام الكنائس والأديرة الذين قاموا بواجباتهم الدينية والانسانية والاجتماعية كما يليق برسالتهم وفق تعاليم الانجيل المقدس. لهذا عمدت العصابات الارهابية ومن خلفها الى القبض على اليد الموجعة للدولة السورية. وهذا يؤكد لمن يدعي العكس بأن النظام هو الذي يحمي الأقليات والطوائف الصغيرة ويوفر لها الحماية ويرعاها كما يرعى سائر المواطنين، وما فعلته العصابات اليوم يسقط كل الدعايات والحملات الاعلامية الزائفة التي تحاول تشويه صورة النظام السوري الوطني، فنظام تقدمي وعلماني وقومي كالنظام السوري –على علاته لمن يريد- لا يمكن له أن يضطهد أو يلاحق أو يعتدي على دور العبادة وأماكن الصلاة وعلى من يقوم بواجباته الدينية، وهذا الأمر لا يحتاج الى إثبات لأنه متوفر طوال السنوات التي مرت وبشهادة الجميع من أولي الأمر، لكن الأمر بات يحتاج الى تذكير فقط لقصيري النظر والمضللين وفاقدي البصيرة.

يأتي عيد الميلاد المجيد، عيد المحبة والسلام، عيد الطفولة والطهارة، عيد الترتيل والنشيد "المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة"، وقد فقدت الأرض السلام وخاصة في شرقنا ووطننا العربي بالتحديد وفي صميمه بلاد الشام العزيزة الكريمة، وقد فقد الناس المسرة الحقيقية نظرا لما يعانوه أو يعيشوه أو يعاينوه، واليوم نحتاج للصلاة أكثر من أي يوم مضى كي تزول تلك الغيوم السوداء المحملة بالشرور وتأتي بدلها سحب الخير والمحبة والتسامح لتهطل علينا أمطار الطمأنينة والسكينة والسلام.
(شفاعمرو/ الجليل)

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]