جلس الى جانبي ملتحياً يرتدي عباءته البيضاء الفضفاضة وينتعل حذاءه البيتي المخملي يسرد عليّ تفاصيل حياته التي قضاها في بلاد الغربة والتي كنت اجهلها، تفاصيل ما كان سيكشف لي عنها لو لم تقبض عليه المخابرات وتحقق معه لساعات طوال، ومن ثم تقرر عدم سفره لمتابعة دراسته واعادته لأمه الولهانة دون شهادة الطب التي وعدني بها، لأفتخر بها امام العائلة والجيران....

لا ادري كيف ابدأ الحكاية هل من البداية ام من النهاية وكلتاهما مهمة صعبة.

فلتكن البداية عندما فقدت زوجي في حادث طرق عندما كان عائداً من عمله في تل الربيع، ترك لي ابناً وحيداً في الثالثة من العمر، رفضت ضغوط العائلة بالزواج من قريب العائلة كي يهتم بي ويرعى ابني، وآثرت التوجه للعمل في مجال النظافة، وهكذا قضيت ايامي وسنين عمري الى ان تخرج ابراهيم(اسم مستعار) واراد متابعة دراسته بموضوع الطب في احدى الدول الاوروبية.

بالرغم من الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي اعيشها الا انني لم اكسر بخاطر ابراهيم، لا سيما ان اصدقاء له سبقوه الى هناك، فكان له ما اراد....

ومرت سنة وسنتان وثلاث سنوات ومن ثم اربع سنوات، وحدث ما لم اتوقعه....

انطونيو شريك ابني في الشقة التي يستأجرانها، ترك الشقة وترك عائلته قاصداً" الجهاد" في سوريا، نعم، فالتقرير الصادر عن "المركز الدولي لدراسة التوجهات الراديكالية ICRS" مؤخراً، كشف أن عدد المقاتلين الأجانب الموجودين في سوريا وصل الى 5500 مقاتل، أي نحو 10% من مجموع المقاتلين.

وبين المركز أن "الأرقام الواردة في هذا التقرير استندت إلى أكثر من 450 مصدراً من الإعلام العربي والغربي، بالإضافة إلى قوائم بأسماء القتلى التي تنشرها المواقع "الجهادية".

ذهب انطونيو "للجهاد" في سوريا ولم يعد الى بلده.

وبدأت عائلته تتمحص وتتفحص الموضوع الى ان توصلت الى السر.

فقد اقنع ابراهيم انطونيو المسيحي على "الاسلام" وعلى" الجهاد" ضد "الكفرة"(النظام) السوري، وبعد اتصالات مع المسؤولين ركب انطونيو الركب الجهادي وسافر الى بلاد الشام ليخلصها من النظام الاسدي "الكافر"، الا انه قُتل هناك وعاد الى اهله جثة هامدة داخل تابوت اسود، عاد من المعركة لكن ليس بطلاً وبدون علم دولته.

فما كان من المخابرات الاجنبية الا ان بدأت بالتحقيق في القضية ووصلت الى مربط الفرس، ابراهيم.

كان ابراهيم في هذا الوقت في البلاد، في عطلة الصيف، وعندما اراد العودة لمتابعة دراسته، تم توقيفه في المطار والتحقيق معه لعدة ساعات، وفي نهاية المطاف كان التلخيص: انت غير مرحب بك في تلك الدولة، انت مطلوب لتلك الدولة، عد ادراجك الى بيتك، انت مراقب الان من قبلنا، احذر....

هذه قصتي مع ابني" ابراهيم"، وهناك الكثير من القصص لعائلات فلسطينية في البلاد عاشت وتعيش الأمرين مع ابنائها الذين" يجاهدون"، في سوريا، ومنهم من انقطعت اخبارهم عن العائلة، ومنهم من عاد وزج السجن الاسرائيلي، وووو

كانت هذه قصة ام فلسطينية اصيلة، سردتها، وقمت بتدوينها مع اجراء عدد من التغييرات، كي لا يتم الكشف عنها....

وانهت هذه الام كلمتها بتوجيه اللوم لنفسها وتساءلت: هل انا المسؤولة عما حدث لابني؟ هل كانت هناك اشارات لم التفت اليها؟ هل كنت مخطئة عندما ارسلته لبلاد الغربة بعيداً عني؟ هل" الجهاد" بالقتل والبطش؟ وهل يصح الجهاد مقابل المال؟؟؟؟؟وهل وهل وهل....

خلاصة الحديث مهما كانت الاجتهادات المختلفة لرجال الدين والفقهاء بشأن ما يحدث في سوريا الا انني كأم لا اقول لابني الا انني اريده حياً الى جانبي وليس" شهيداً" في" الجهاد".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]