كيف حفظ 29 وزيراً عربياً وإسلامياً، وصحبهم والفنيون الذين كانوا يوفرون لهم شؤونهم... كيف حفظ كل هؤلاء ألسنتهم طوال أسبوعين، بحيث تركوا ليديعوت احرونوت متعة التسريب الكبير، الصاخب، لنبأ افتتاح شمعون بيريز للقمة الأمنية التي انعقدت في أبو ظبي؟ الرجل خطب في القوم بواسطة الفيديو كونفرانس.
وتحرص الصحيفة على تحديد المكان: "مكتبه من القدس". وتزيد بمتعة عارمة: كان وراءه بالطبع العلم الإسرائيلي. استمعوا إليه ينصحهم ويبصرهم. وللدقة، فبيريز لم يخاطبهم مباشرة، ولا هم خاطبوه، بل ـ ويا للخفر ـ مر الجميع عبر تيري رود لارسون الذي أدار "الحوار". ولكنهم صفقوا لبيريز حين انهى كلامه. فهم مهذبون.
وأما التسريب الصغير، الخافت، الذي لم يهتم له احد، فتولاه توماس فريدمان في نيويورك تايمز غداة الحدث، أي منذ أسبوعين. ولكنه جاء وسط مقال. ويبدو انه ليس العرب وحدهم من لا يقرأ، أو أن الآخرين قرؤوا ولم يأبهوا.
وهذا لا يعني أن العرب عندما علموا أبوا. لا أبدا. ولكن وسائل الإعلام العربية اضطرت لنقل الخبر، لا سيما أن الناطقة باسم الرئاسة الإسرائيلية عادت فأكدته. العرب مفتونون هذه الأيام بـ"أولياء الدم". وهذا تعبير انتشر كالنار في الهشيم، أعاده على الموضة سعد الحريري حين طالب بحقه في السياسة ـ أو باسترضائه ـ مذكّرا بأنه ولي دم أبيه (ولو انه لا علاقة لهذا بذاك). ثم، وطالما الدم المهدور كثير، فأولياؤه أيضا كثر، راحوا يرددون التعبير المقيت، الآتي من الجاهلية، ويتفننون بالأخذ بالثأر.... لا بأس. السؤال هو ما الفائدة؟ المؤتمر يتعلق بأمن دول الخليج.
وبيريز قال لهم إن إسرائيل يمكنها عمل الكثير لأجلهم (الحق قال "لأجل المنطقة"، فهو أيضاً مهذب). لعل القوم ينوون مثلا الاستقواء بإسرائيل ضد إيران؟ أو لعلهم يريدون بهذه الطريقة استعادة ود أميركا (مارتن انديك كان هناك) الذي بدا لهم أنه ذهب إلى إيران، في منطق يقترب بطريقة خطرة من صراعات الضرائر ومكائدهن. من دون وعظ، وبكل عقلانية: هذا التصرف أخرق ومجاني، يضعف دول الخليج تلك ومعها كل العرب (ممثل الجامعة العربية كان هناك أيضا، لتكتمل الأفراح).
بل هو يقوي إيران! ولو اشتعلت غداً حرب ، فأول من يدفع الثمن هي ممالك الخليج.
[email protected]
أضف تعليق