أصدرت الأمم المتحدة في عام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي بموجبه وضعت مبادئ المساواة، الكرامة الإنسانيه وتكافئ الفرص كلبنات لإرساء مكانة الدول والشعوب التي تقطن فيها. ومن ثم بدأت الأمم المتحدة بإحياء أيام خاصة لتسلط الضوء فيها على قضايا حقوقية مختلفة فمثلاً أقرت العاشر من كانون أول ليكون اليوم العالمي لحقوق الإنسان، كذلك شرعت الامم المتحدة بإصدار الاتفاقيات الحقوقية وفتح باب التوقيع عليها ومن ثم المصادقة عليها من قبل الدول المختلفة لتصبح ملزمةً لها فمثلاً في عام 1969 أُقرت الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي مَنحت شعوب الدول المختلفة حقوقا أساسية من ضمنها الحق في الحياة، الحق في الحرية، الحق في التصويت وحرية العبادة وغيرها.
تعتبر الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتي أقرتها الأمم المتحدة في كانون أول 2006 أول اتفاقية حقوقية في القرن الحالي والتي جاءت لتسلط الضوء على شريحة لطالما همشها المجتمع الدولي ووضعها في أسفل السلم الاجتماعي وتجدر الإشارة أن دولة إسرائيل وقعت على الاتفاقية في آذار 2007 وصادقت عليها في أيلول 2012. تعتبر الاتفاقية مادة حقوقية دسمة تحتوي في ثناياها على مجموعة من الحقوق الأساسية الممنوحة لأصحاب الإعاقات على مختلف أنواعها، والغرض من الاتفاقية هو ﺗﻌﺰﻳﺰ وﺣﻤﺎﻳﺔ وﻛﻔﺎﻟﺔ ﺗﻤﺘﻊ ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺷﺨﺎص ذوي اﻹﻋﺎﻗﺔ ﺗﻤﺘﻌﺎ ﻛﺎﻣﻼ ﻋﻠﻰ ﻗﺪم اﻟﻤﺴﺎواة ﻣﻊ اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮق الاﻧﺴﺎن واﻟﺤﺮﻳﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ، وﺗﻌﺰﻳﺰ احترام كرامتهم المتأصلة. كما وتكفل الاتفاقية المذكورة مجموعة هامة من الحقوق مثل: الحق في التعليم، الحق في إتاحة المباني والمعلومات والحق في العمل وغيرها... وفي أعقاب هذه الاتفاقية المرموقة تحتفل الأمم المتحدة في الثالث من كانون أول من كل سنة باليوم العالمي لأصحاب الإعاقات تعزيزاً لفهم القضايا المرتبطة بالإعاقة وحشد الدعم لكرامه الإنسان ورفاهية أصحاب الإعاقة وذلك من أجل سن التدابير لتحسين ظروفهم وتوفير فرص التكافؤ لهم.
يعيش في المجتمع العربي في البلاد ما يزيد عن 400,000 إنسان صاحب إعاقة حركية، حسية، نفسية وعقلية يعانون التهميش والإقصاء الممنهج من قبل مؤسسات الدولة والمجتمع العربي نفسه. من هنا جاء هذا المقال ليطرح السؤال، هل يعقل أن نسلط الضوء على قضيه حالكة كقضية أصحاب الإعاقات فقط في يوم واحد في السنة ؟؟ ومن هنا يجدر بنا كمجتمع عربي أن نراجع حساباتنا وأولوياتنا الاجتماعية ونفكر بأكثر مسؤولية اجتماعية لنلتفت لقضايانا الاجتماعية الحالكة ومن ضمنها قضايا الشباب، العنف، والنهوض بأصحاب الإعاقات.
أنشط في المناخ الاجتماعي منذ أكثر من ثماني سنوات ورغم أنني سعيت جاهدًا مع شركائي في أسرة المنارة لنحفر في الصخر ونزرع بذور التغيير في مجتمعنا لكن كل سنة ندرك أن المسيرة ما زالت طويلة وأن التغيير المنشود لا زال بعيد المنال. نحن لا ننكر أن مجتمعنا يمر في ديناميكية إيجابية ولكن لا زلنا نفتقر الى المهنية والمنهجية الكافيه لصقلها، ومن هنا تبرز الحاجة الى رص الصفوف بين أطياف المجتمع المختلفة، المؤسسات، السلطات المحلية، المجتمع المدني وغيرها للتكاتف من أجل إحداث التغيير المنشود.
أنتخب المجتمع العربي مؤخرًا مندوبيه في السلطات المحلية العربية المكلفون بقيادة سفينة التغيير والتأثير في بلداتهم المختلفة ونحن ننتهز هذه الفرصه لنبارك لرؤساء السلطات المحليه العربية ونتوجه اليهم بأن يقتنصوا الفرصة ليستهلوا فترتهم الانتخابية بوضع خطة شاملة لعمل السلطة المحلية وبضمنها إدراج قضية أصحاب الإعاقات على رأس سلم الأولويات. ومن أهم التحديات التي تواجهها سلطاتنا المحلية هي: إتاحة البنيه التحتية مثل المباني، الأرصفة والشوارع لتسهيل التنقل وإمكانية الوصول للآلاف من أصحاب الإعاقات القاطنين في البلدة خصوصا وأن القوانين المحلية والاتفاقية الدولية باتت تلزم هذا الحق.
أود أن أؤكد أننا في جمعية المنارة نتعهد بالتعاون مع كل سلطة محلية تسعى للنهوض بأصحاب الإعاقات فيها بتقديم النصح والمشورة لإتمام المهمة على أحسن وجه. وأود ان أختتم مقالي بنظرة تفاؤلية نحو مجتمع أفضل يضع الإنسان في المركز ويسعى إلى تحقيق العدل الاجتماعي بين كافة شرائحه المختلفة وبالتالي الإعلان عن أحقيتنا بأن نكون في طليعة الشعوب المتحضرة والمتقدمة، واسمحوا لي أن أكرر سؤالي هل يعقل أن نسلط الضوء على قضيه حالكة كقضية أصحاب الإعاقات فقط في يوم واحد في السنة؟؟!!
* كاتب المقال هو مؤسس ومدير جمعية المنارة لدعم أصحاب الإعاقات
[email protected]
أضف تعليق