قد كتبت في إحدى مداخلاتي الفيسبوكية أنه بعد موسم الانتخابات المحلية قد نناقش موضوع موسم الزيتون، وها أنا لا أكذب خبراُ وأكتب عن الزيتون وزيته. ويشغلني هذا الموضوع ويشكل أحد هواجسي منذ نعومة أظفاري عندما شدتني ولفتت انتباهي في المرة الاولى ومن بعدها عشرات المرات أحاديث الأهل وبعض رجال ونساء العائلة في جلسات شرب القهوة عن مشكلة الزيت التي عاشتها الرامة في بداية الخمسينيات عندما انتفض أهل القريه جميعاُ، ورفضوا فرض الحكم العسكري آنذاك الذي قضى ببيع منتوج زيت الزيتون للحكومة فقط وبالتسعيرة المجحفة التي فرضت عليهم. وواجه حينها أهل القرية جميعاُ برجالهم ونسائهم وأولادهم جنود الحكم العسكري، وانقضوا عليهم بالعصي والحجارة والأحذية، وسجلوا إحدى أشرف معارك النضال في تاريخ القرية فيما عرف وسمي لاحقاُ "بطوشة الزيت".

وبالرغم من عراقة وجودة الزيتون من النوع "السوري" الذي يملأ معظم كرومنا، وطعم زيته الخاص الذي يجمع بين الحدة والحامضية المثاليتين، لا يخفى على أحد الوضع المتردي الذي اآل إليه حال الزيتون وزيته وتخبط سوقهما وانخفاض أسعارهما في العقدين الأخيرين في الرامة، وفي جميع قرى الجليل والمثلث بسبب كثرة الإنتاج وشحّ الطلب حتى بات يحفظ المنتوج في مخازن البيوت لسنة أو سنتين دون سائل، ويباع في النهاية في الأسواق المحلية بأزهد الأسعار.

ابتعاد الناس عن اراضيهم 

وأدى هذا إلى ابتعاد الكثير من الناس عن أراضيهم وإهمالها أو بيعها أو مبادلتها بأراض للبناء بسبب ضيق مسطحات القرى، طبعاُ ساهم ازدياد نسبة المتعلمين وانشغالهم بوظائفهم وبباقي هموم الحياة وتحدياتها في ابتعاد الناس عن الزيتون وفي التقليل من ارتباطهم بأرضهم في الوقت الذي يتم فيه استيراد عشرات آلاف الأطنان من الزيت والزيتون في كل سنة للاستهلاك المحلي، فمن يطالع صفحات الإنترنيت بهذا الخصوص يستطيع أن يقرأ مثلاُ عن إحدى الصفقات التي تم فيها استيراد 1300 طن من زيت الزيتون سنة 2011 بدعم حكومي وبضريبة جمركية مخفضة بنسبة 33% والتي بيعت في الأسواق المحلية والسوبرماركتات على أنه زيت من إنتاج محلي بعد تعليبه، وهذا غيض من فيض، فلا تخفى على أحد سياسات الحكومة الهادفة لضرب ارتباطنا بأرضنا ومصادرتها وعدم التعامل معنا كمواطنين مساوين والاستثمار في مواردنا وتدعيم زراعتنا واقتصادنا.

ماذا عن مناعتنا الاقتصادية والصناعية والزراعية والوطنية؟ 

والأسئلة التي تطرح هنا ماذا عن دورنا نحن؟ وماذا عن مناعتنا الاقتصادية والصناعية والزراعية والوطنية؟ ماذا عن البطالة المستفحلة في مجتمعنا قي الداخل؟ ماذا عن استثمار خبراتنا العلمية والتكنولوجية الغنية؟ ألا يمكننا اللعب حتى ضمن قوانين اللعبة الإسرائيلية مع الحفاظ على عزتنا الوطنية وتشييد مصانع لتعليب الزيت والزيتون وتصدير المنتوج إلى أسواق العديد من دول العالم؟ هل سنبقى "نبكي على الأطلال" ونندب حظنا بدون رؤيا ولا إرادة ولا مبادرة؟! أين دور مستثمرينا؟ وماذا عن دور لجنة المتابعة والأحزاب العربية في الوقت الذي تفيد فيه التقارير الصادرة عن "مجلس الزيتون الدولي" عن ازدياد في استهلاك زيت الزيتون قي السنة الأخيرة في العديد من دول العالم ومنها اليابان بـ 74% وكندا ب 25% والصين ب 19% والبرازيل ب 16% وروسيا ب 12% والهند ب 21% والتي ارتفع استهلاك زيت الزيتون فيها في النصف الأول من السنة الحالية بما يعادل 9400 طن مقارنةُ بالنصف الأول من السنة الماضية، وبازدياد الطلب ارتفعت أسعار زيت الزيتون في جميع أنحاء العالم، فمثلاُ ارتفع سعره في إسبانيا وهي أكبر الدول المنتجه لزيت الزيتون ب 72% وفي إيطاليا ب 35%.

كما ويفيد تقرير “The Olive Oil Times” بتعاون حاصل بين الهند وشركات إسرائيلية خاصة يهدف إلى تحويل الهند لدولة منتجة للزيتون وزيته، ويدور الحديث في المرحلة الأولى عن زراعة ورعاية 200 هكتار بأشجار الزيتون والتي ستصل خلال 4-5 سنوات إلى 5000 هكتاراُ!

المؤسسة الاسرائيلية تتعامل معنا كأعداء

لا جديد تحت الشمس، فالمؤسسة الإسرائيلية بقطاعيها العام والخاص تتعامل معنا بالمجمل كأعداء، وفي أحسن الأحوال كعديمي الصلة في أي تخطيط زراعي أو صناعي أو اقتصادي. وفي ظل سياسات التمييز هذه هل هناك مساحة لأمل يرجى في سلوكنا كشعب صاحب مؤسسات وتعاونيات وشركات تصون مصالحه وارتباطه بأرضه بالنوايا وبالارادة الجمعية وبالممارسة والمبادرة، وليس فقط بالتصريحات والشعارات والمظاهرات، كشعب يتطلع نحو المستقبل ويحصن ذاته ويعزز مناعته الاقتصادية والوطنية ويعاصر الحداثة ويواكب التطورات وفرص السوق بالتخطيط والإستراتيجيات وبرامج العمل العلمية والعملية المنهجية؟

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]