التجسس الاسرائيلي على لبنان لم يعد مقتصراً على اللبنانيين. الانتهاكات وصلت حد التنصّت على مراكز اليونيفيل والسفارات. هذا ما سمعه 27 ممثلاً للبعثات الدبلوماسية، في ساحة النجمة أمس. وحده السفير الأميركي دايفيد هيل لم يلبِّ الدعوة.

اطّلع سفراء 27 بعثة غربية وممثلوها في لبنان على وثائق تثبت تجسس إسرائيل على سفارات بلادهم في لبنان وعلى قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب. لكن اللافت كان تخلّف السفير الأميركي ديفيد هيل عن تلبية الدعوة التي وجّهها رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الدبلوماسيين لحضور جلسة لجنتي الاتصالات والخارجية النيابيتين المخصّصة لبحث موضوع التجسّس الإسرائيلي.

قد يكون مهيناً لهيل أن يحضر اجتماعاً تدان فيه إسرائيل على تعدّياتها. أو، رُبما، لا تدخُل المعطيات السرية التي جمعتها اللجنة ضمن قائمة اهتمامات الرجل الذي، ربما، تصله حصيلة عمليات التجسس من الإسرائيليين مباشرة، بحسب رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب حسن فضل الله. فيما رأت مصادر نيابية في الامتناع الأميركي عن الحضور «أمراً طبيعياً»، إذ إن بلاده لا تزال تحاول لملمة فضيحة تجسسها على قادة البلدان الأوروبية الحليفة لها وعلى حكوماتها ومواطنيها. وبالتالي، من الأفضل تجنّب الاحراج عبر الغياب، وإلا فسيكون الرجل كمن بيته من زجاج ويرمي بيت إسرائيل بالحجارة!

في حال التسليم، جدلاً، بأن سياسة العداء للبنان تستدعي «تجسساً» (يعاقب عليه القانون الدولي)، فكيف يُمكن تجاهل توسيع اسرائيل بيكار تجاوزاتها التي وصلت إلى حد التنصت على نشاط البلدان الغربية داخل لبنان؟ كان هذا ما اطّلع عليه ممثلو البعثات الدبلوماسية الذين توافدوا إلى ساحة النجمة، لحضور جلسة موسّعة كشفت عن انتهاكات اسرائيل على طول الحدود اللبنانية الفلسطينية.

في القاعة العامة، كشفت اللجنة، في حضور نواب لبنانيين ووزراء الخارجية والاتصالات والإعلام، تقاريرها التي أشارت الى أن «داتا» اللبنانيين لم تعد كافية لاشباع نهم وحش التجسس الاسرائيلي، فقرر أن لا يترك زاوية في هذا البلد الا و«يمسحها»، بما فيها المراكز الرسمية وغير الرسمية التابعة لدول حليفة لتل ابيب. وجوه الدبلوماسيين بعد الجلسة لم تشبه وجوههم قبلها، ولكن لم يُدل أي منهم بتصريح. المعلومات والأرقام التي عرضت أمامهم على شاشة كبيرة، سمحت لهم بالتدقيق بالخروقات الإسرائيلية، وكانت كفيلة بخلق صدمة، بعدما بلغ مستوى التجسس حدّاً غير مسبوق. فهؤلاء، بحسب مصدر نيابي، «لم يتوقعوا أن تكون تحركاتهم واتصالاتهم ومعلوماتهم وأحاديثهم كلّها تحت مجهر التنصّت الإسرائيلي»، ولا سيما أن «اللجنة أبرزت المعطيات المتعلقة بهذا الجانب، والتي تُختصر بمراقبة وتعقّب تردّدات الهواتف الخلوية والثابتة وموجات القوات الدولية العاملة في الجنوب، وبالتالي اتصالات القوى الأمنية والجيش في المنطقة»، إضافة إلى معطيات عن «خضوع الأبراج والهوائيات المنصوبة في المنطقة الحدودية والبالغ عددها 39 إلى تطوير تقني ملحوظ».

جمعت اللجنة أدلتها، وعرضتها أمام سفراء الاتحاد الاوروبي والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن. فيما لم يُدعَ أي دبلوماسي عربي أو ممثل للجامعة العربية إلى الجلسة التي ترأسها النائب عبد اللطيف الزين. ومع أن الجلسة كانت استثنائية، بحسب الحاضرين، فإنها استغرقت أقل من نصف ساعة. فلا نواب 8 و 14 آذار دخلوا في نقاش عميق، ولا اللجنة انتظرت ملاحظات الدبلوماسيين الذين اكتفوا بتكوين فكرة عامة عن الاعتداءات الإسرائيلية على اللبنانيين، والتي لم تستثن اتصالات السفراء واليونيفيل، لرفعها في ما بعد في تقارير إلى دولهم. لم يكُن هناك مساحة للجدال داخل الجلسة. إذ إن اللجنة المتابعة لملف التجسس لم تترك أمام «الأجانب» مجالاً للشك، وقدّمت لهم «شرحاً مفصلاً عن طرق التنصّت التي يتعرضون لها»، كما «وضعوا في أجواء الخطر الإسرائيلي المحدق بلبنان». أما المطلوب منهم؟ فلا شك «مساعدة لبنان في الحدّ من هذا التجسّس، والضغط على إسرائيل من خلال دولهم ومجلس الأمن».

حتى الآن، لا يزال لبنان «الرسمي» هو من يتولّى ملف التجسس الإسرائيلي عبر اللجان النيابية. إضافة إلى طرح الجيش الموضوع في اجتماعاته مع قوات اليونيفيل، ليستتبع بعد ذلك بتقديم شكوى الى مجلس الأمن ومذكرة الى الأمين العام للأمم المتحدة وصولاً الى متابعة الجهود لطرد اسرائيل من الاتحاد الدولي للاتصالات. هذا ما أشار إليه النائب حسن فضل الله بعد انتهاء الجلسة، مؤكداً أن «الهدف من الاجتماع هو إطلاع الدول من أجل المساعدة على الحد من هذا العدوان التجسسي الاسرائيلي على لبنان»، ولا سيما أن «كل وسيلة اتصال تمر عبر الهواء تُعتبر تحت الخطر الاسرائيلي». وعن دور المقاومة في التصدي لهذا العدوان، أعاد فضل الله التذكير بكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، لافتاً إلى أن «الملف اليوم في عهدة الدولة التي لديها قدرات لبنانية وإمكانات عالية لمواجهة الاعتداء».

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]