لقد كثرت وتهافتت الشروحات والتحليلات والقراءات السياسية للانتخابات للسلطات المحلية العربية ولكن، اقتصرت هذه التحليلات المتعجلة، في الغالب، على انطباعات أولية ومقولات مألوفة ومكرورة وتطفو على السطح مثل "شراء الذمم"، "تزييف الأصوات"، "عودة دور العائلة والحمولة"، " ضعف ألأحزاب" والخ .
ولم تتعمق الكثير من هذه التحليلات في طرح الأسئلة الجريئة والسليمة حول مباني العمق للمجتمع العربي والتي تعزز هذه الظواهر.
إن الانتخابات المحلية تعكس بنية المجتمع العربي، وكان من الممكن تسليط الضوء على اية ظاهرة أو حدث أو قضية من أجل فهم أسباب الظواهر والوصول إلى التجريد النظري الذي يفسر المسلكيات والسيرورات المجتمعية والسياسية التي نشهدها ونعيشها يوميا.
وقبل أن نخوض في مساهمتنا في هذا المضمار من الضروري القول بان لكل بلدة عربية سياقها وظروفها وديناميكيتها وتاريخها وتحالفاتها القديمة وكراهياتها القديمة ومصالحها الجديدة. وبالتالي يجب التعمق في كل بلدة من أجل فهم أعمق للتعميمات ولكن مع ذلك فهنالك بعض المميزات المشتركة لأغلب السلطات المحلية مما يمكننا استنباط وملاحظة توجهات عامة .
ان محاولة الحفر في المبنى المجتمعي والسلوكيات السياسية توصلنا إلى نتيجة مفادها انه تداهمنا منذ سنوات، ثلاثة أزمات تشل حراكنا الجماعي وتعيق تطورنا كمجتمع فاعل ومنتج :
1. أزمة قيادة- في جميع المجالات المحلية والقطرية، الدينية والتربوية الاجتماعية والاقتصادية، الثقافية والصحفية وهذا ينعكس في مبنى وأداء مؤسسات جماعية مثل لجنة المتابعة، الأحزاب السياسية، المجالس المحلية، مؤسسات ألمجتمع المدني والجهاز التربوي الخ. ويمكن القول إن القيادات لا تتعاون وتعمل بشكل جماعي فكل مركب من أي مؤسسة جماعية هو أقوى من المؤسسة الجماعية، كما أن القيادات تنسى أن هنالك الكثير من القضايا التي تحتم الوحدة مع احترام التعددية والخصوصية.
2.أزمة فكر - هنالك فقدان لمشروع سياسي، ثقافي، جماعي ومشترك يجمعنا ويوحدنا يتخطى ويتجاوز أنماط التفكير المعهودة والمكرورة.
3.أزمة أخلاق- هنالك فقدان لمشروع أخلاقي وقيمي، يتواصل مع تراثنا وينخله ليفرز الايجابي والمفيد منه والبناء عليه، والتخلي عن السلبي وغير المناسب.
أن وجود مشروع أخلاقي يستند إلى قيم إنسانية وحضارية بوسعه المساهمة في حل جزء من مشكلاتنا والمساهمة في صياغة مستقبل أفضل.
لقد برزت وانكشفت ظواهر عديدة في الانتخابات مثل (الكذب، الفساد، الجبن، عدم قول الحقيقة، النميمة، عدم محاسبة الذات، التهرب من المسؤولية ) ولذلك فنحن بحاجة إلى سيرورة تربوية للجميع ليس فقط للصغار، ولا تقتصر على الوعظ والتنظير وإنما التعاطي مع القضايا اليومية من منظور ومرجعية أخلاقية.
إن الرؤساء المنتخبين والأزمات التي واجهتها الأحزاب سوف يكون لها تبعات على صورة قيادة المجتمع العربي (من خلال تركيب لجنة المتابعة ولجنة رؤساء السلطات المحلية) وسوف يكون لها تأثير للأمدين القريب والبعيد لذلك يجب استغلال نتائج الانتخابات كفرصة ونقطة ارتكاز لنا جميعا كمجتمع لنراجع أداءنا ولنكشف العوامل والفواعل والظواهر الاجتماعية، اللغة، مباني القوى فقد كشفت لنا الانتخابات على سبيل المثال لا الحصر، انه رغم نسب التصويت العالية إلا أن هذه المشاركة ليست حقيقية بل موهومة، يتنازل بها الفرد عن حقه في الاختيار.
كما يترتب على الباحثين في العلوم الاجتماعية دراسة المجتمع العربي والتغيرات التي تحدث في داخله من اجل الفهم ومن ثم تقديم أفكار جديدة لأجراء نهضة شاملة وتحول جوهري آخذة بعين الاعتبار خصوصية المجتمع العربي الفلسطيني، كما يترتب على المتعلمين والمثقفين التواصل مع المجتمع بشكل حقيقي وعدم استغلال العطوبات الاجتماعية وانتهاز حالة التردي لتحقيق مصالح شخصية ضيقة.
من الضروري التعامل مع هذه الأزمات بشكل جدي عن طريق خلق آليات حوار حقيقية وبناء مؤسسات قوية تحمل رؤى متفقا عليها وتحظى بشرعية وتشكل مرجعية تتحمل المسؤولية وقادرة على تحليل السياق التاريخي الذي تعمل به وعلى الرقي به.
ينبغي التأكيد على أنّ التغيير لن يحصل ما لم يتولّد الوعي بضرورة التغيير، ولذا، علينا جميعًا أن نعمل على بلورة الوعي السياسيّ كمقدّمة لإجراء التغيير وترشيد النظُم والأداءات والتغلّب على المعيقات البنيويّة والعينيّة وتجاوزها، من أجل إحداث نهضة شاملة تضمن الحقوق الفرديّة والجماعيّة المدنيّة والقوميّة ويخلق مركز حراك عربيّ جِدّيّ.
[email protected]
أضف تعليق