يُصادف اليوم 25 نوفمبر، اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، وتأتي هذه المناسبة التي دعت إليها الأمم المتحدة جميع الحكومات والمنظمات الدولية وغير الحكومية لدعم مساواة المرأة، ورفع الوعي على مدى المأساة التي تعيشها المرأة المعنّفة، والتي تتعرض الكثيرات منهن وبشكلٍ يومي للاغتصاب والعنف المنزلي وختان الإناث، وأشكال أخرى مختلفة من العنف، بالتأكيد لا يرضاها المُعنِف لنفسه هو.

وتعمل الأمم المتحدة باستمرار على إصدار منشورات تتعلق بالعنف ضد النساء، ويتم توزيعها على المكتبات، كما تجري سنويًا احتفاليات دورية بمناسبة هذا اليوم العالمي، يتم من خلالها تقديم مقترحات إضافية للمساهمة في القضاء على العنف ضد المرأة. ويُشارك مسؤولون كبار سنويًا في مثل هذا التاريخ بالنشاطات الاجتماعية والسياسية التي تُقام دعمًا لحق المرأة بالحرية الكاملة والمساواة بسائر البشر. وقد سطّر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون جملةً حُفرت إلى الأبد في قلوب النساء، حين قال: "إكسروا حاجز الصمت، ولا تقفوا مكتوفي الأيدي، عند مشاهدة ظواهر العنف ضد النساء والفتيات".


هذا ما يجري على صعيد العالم الغربي، بِما فيه من مظاهر عُنف سلبية، لا تقل كثيرًا عن العنف الممارس ضد نسائنا العربيات والفلسطينيات، ففي الغرب أيضًا تُغتصب المرأة، وتقتل، وتُهان ويُميّز ضدها، عندما لا تكون قادرة على المواجهة والتحدي، لكن تظل النسبة في العنف بفضل التوعية المُستمرة، أقل بكثير مما يجري للأسف في فلسطين وفي العالم العربي.

أما ما نعيشه نحنُ هُنا في الداخل الفلسطيني مِن عُنفٍ يومي يُمارس ضد المرأة العربية فيمكن أن نتحدث ليسَ فقط بكلمةٍ ورسالة يوجهها طاقم الإدارة والتحرير في موقع بكرا، بل إنّ المكتبات لن تتسع في إصدار كتبٍ ومجلات، تتطرق بالتفصيل لحجم وروايات الجرائم والعنف التي تحصل في مجتمعنا، خصوصًا من قِبل الرجال، وأحيانًا من المرأة نفسها، ولا نُبالِغ إذا قُلنا أنّ هناك حقائق دامغة، يصعُب وصفها، لنساءٍ تعرضن للأذى بما لا يحتمله بشر، لكنّ المرأة في النهاية تبحث عن الأمان والعيش، وتربية الأبناء بصمت، فتُضطر إلى السكوت للأبد.

قتل النساء وتعنيفهن: غاية أم وسيلة؟!

لعلّ أفظع وأسوأ صور العُنف المُمارسة ضد الأنثى الفلسطينية، هي ما تتعرّض له الطفلات العربيات في الداخل: عُنف ضد الأطفال والأناث منهن تحديدًا، عندما يتم معاقبة الطفلة وتدليل الطفل الذكر، هذه الظاهرة لا يُمكن أنكارها، ولا يخفى على أحد أنّ الأطفال وبالأساس الإناث منهن، عُرضة للتحرش الجسدي بشكلٍ أو بآخر، خاصةً مِن أقرب أفراد العائلة (الوالد، الشقيق، الأقارب)، ثم يأتي دور المرأة في التعنيف والتحرش الجسدي والجنسي خاصةً مِن الأزواج، الأشقاء، الآباء، في فترة البلوغ.

ولتأكيد ما نقوله إليكم بعض الإحصائيات عن العنف الممارس ضد المرأة: 9.3% من الأسر العربية تعرّضت لأحد أشكال العنف: * 30.4 % من النساء العربيات المتزوجات أو اللواتي سبق لهن الزواج، تعرّضن لأحد أشكال العنف من قبل أزواجهن. ومن بينهن 28.7 % من النساء للعنف النفسي، 10.2 % من النساء للعنف الجسدي، 3.4 % من النساء للعنف الجنسي، 6.9 % من النساء لعنف اجتماعي و 9.4 % لعنف اقتصادي.
وإذا كُنّا نتناول المرأة والعُنف الممارس ضدها، لا يمكن أن تغفل عيوننا عن العنف الذي يتعرض له الأزواج أيضًا، أو الشباب من جيل 18-44، وفي هذه الحالة، كما حال النساء أنّ العُنصر الأضعف هو مَن يتعرض للتعنيف.



النساء ضحايا القتل: والقاتل مجهول!

وعندما نعرِض لقراء بكرا قضية العنف الممارس ضد النساء (والرجال، بنسبة أقل)، فإننا لا نغفل الجرائم التي تُقترف بحق نسائِنا، بما يسمى "بشرف العائلة"، رغم أنّ العلاقة ما بين القتل والشرف أبعد ما تكون عن الواقع، فلا شَرف أبدًا في قتل نساء بريئات، لا ذنبَ لهن، سوى أنهن، قُلنَ للرجال كلمة "لا"، وكأنهن تحديْن الواقع القاسي، فدفعن ثمن ذلك دماءً تسيل لتروي عطش القاتل، وهذا العام قُتلت 19 امرأة في البلاد، بينهن 14 امرأة وطفلة عربية. علمًا أنّ معظم حالات القتل التي تعرضت لها نسائنا العربيات نُسبت إلى المجهول،  بينما يظهر القاتل في أقل من 24 ساعة، عندما تكون الضحية من الوسط اليهودي.
 
وإن كُنّا نتحدث عن قتل النساء، لا ننسى الجريمة النكراء الأخيرة التي اقتُرفت بحق عائلتين من دبورية، حيثُ خلّفت الجريمة التي ارتكبها القاتل المنتحِر بشير نجار، خمسُ ضحايا هم: الوالدة زهيرة جيجيني (37 عامًا، طليقة القاتل)، وابنتها لمى (8 سنوات)، وابنتا الزوجة الأولى مادلين (16 عامًا) وأماني نجار (14 عامًا)، وعبد السلام عزايزة (55 عامًا) موظف في بيتِ المسنين، عصر يوم الأحد الأول من أيلول الماضي.
خيوط هذه الجريمة البشعة، تُثير فينا الكثير مِن الرواسب التربوية السلبية التي نعيشها ولا نشعُر بِها، إلا عندما يغيبُ عنّا مَن نُحب، متغافلين جميعًا، والشرطة – المسؤولة الأولى عن هذه الجرائم – كونها لم تُعالِجها عندما عرفت بِها، ونحنُ أيضًا مسؤولون أننا نصمِت، عندما يحتاج الأمر إلى صُراخ لمنع العُنف الممارس ضد نسائنا وأفراد عائلتنا.



حقائق مؤلمة في واقع مجتمعنا الحالي

وهُنا نستحضِر بعض الوقائع التي يعيشها مجتمعنا، وبناءً عليها يجب ألا نظل صامتين، من بينها:

الأبوية وانعدام المساواة في المجتمع الفلسطيني في الداخل كعامل خطر للعنف ضد النساء وكحاجز لمنع المشكلة ومنع معالجتها، من خلال ما يلي: السلطة الأبوية: إذ من الواضح أنّ المجتمع الفلسطيني يمنح الرجل الصلاحية والسلطة في الحيّز العائلي والجماهيري، ويحمي هذه الصلاحية، بكافة الوسائل، فالرجُل هو القادر على الإعالة، وصاحب الرأي، والمكانة المهنية وعليه فإنّ الهيمنة على النساء يجعلهن ضعيفات، مقابل القوة والعنف الذي يستعمله الرجل لتأكيد مكانته. وفي ظل هذه السلطة الأبوية، يُمارس العنف ضد النساء، ولا يُساند المجتمع المرأة المعنّفة بما فيه الكفاية.

• الرجولة المفروضة: بمعنى أنّ المجتمع الأبوي يشجع الرجل على ألا يتصرف كالنساء أو الأطفال، وهكذا يتصرف الصغار الذين يريدون الحفاظ على "رجولتهم"، كما يتصرف آبائهم، الاستمرار بالعنف ومضايقة النساء والتعامل معهن بعدائية.

• الحاجة الاقتصادية للنساء: بسبب حاجة المرأة لمعيلٍ في ظل عدم خروجهن للعمل، يُصبحن بمثابة "طيّعات"، وتابعات للقادرين ماديًا، وتُضطر المرأة المحتاج إلى الخضوع بالإكراه للزوج العنيف، خوفًا من الفقر في حال الطلاق أو الانفصال.

• تربية الأولاد عبءٌ على النساء: في غالبية البيوت الفلسطينية تأخذ المرأة الدور الأساس في تربية الأبناء، ويكُن حاضنات للأطفال طوال الوقت، وتابعات للزوج المُعيل، لكنهن يتحملن مسؤولية التربية وحدهن، وفي حال كانت المرأة تعمل، فإنّها تتحمل أيضًا مسؤولية إضافية بالمساهمة في التكاليف والمصاريف علمًا أنهن يتعرضن أيضًا للتمييز في العمل.

• اتهام المطلقة بالدونية: لا يزال مجتمعنا ينظر إلى المرأة المطلقة، أنها مخلوقٌ يجب تجنبه، وبسبب العادات الاجتماعية السلبية، تُضطر المرأة القبول بحياة صعبة تحت كنف رجل قاسٍ وظالم من اختيار الطلاق ونظرة المجتمع السلبية تجاه المرأة المطلقة.

• المفهوم الذاتي السلبي تجاه المساواة مع المرأة، ففكرة المساواة مع المرأة بالنسبة لبعض الرجال، تنال مِن حقهم ودورهم ومكانتهم في المجتمع، وعليه فإنّ المبنى الاقتصادي، الاجتماعي السياسي، التربوي والديني للمجتمع الفلسطيني، تغيب فيه المساواة مع الرجل، وفي حال نجحت المرأة وتفوقت على الرجل، فإنها تُصبح في دائرة العنف والخطر كسائر النساء المعنّفات.

• التهاوُن ومسايرة الرجل، عندما تتعرّض المرأة للعنف والضرب، فالمجتمع نفسه الذي يتحدث عن الأخلاقيات، لا يتوقف عن وعظ المرأة، وسكوتها عن فضيحة الرجل، إذا ما أساءَ لها وعنفها، وأخطأ في حقها.



مِن أجلِ مجتمعٍ أفضل

وماذا بعد؛ أمام الواقع الصعب الذي تعيشه المرأة العربية الفلسطينية في الداخل مِن عنفٍ ومضايقة، فإنّ هناك بصيص أمل، وواقع مُغاير، يقول أنّ النساء العربيات وبالأخص الطالبات، نجحن بتحصيل نتائج تعليمية ممتازة تفوق الرجل، وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدُل أنّ المجتمع الذي فيه مثقفون، هو مجتمعٌ يسيرُ نحو التقدم والوعي الحضاري، وهذا ما يجب أن نعوّل عليه في السنوات القريبة.

كما أنّ النساء في المجتمع استطعن من خلال الجمعيات والمؤسسات ومن على منبر الكنيست فرض قوانين تُنصف المرأة وتساهِم في تطورها وتقدمها في المجتمع مِن بين القوانين التي تخص المرأة: "رفع سن الزواج إلى 18 عامًا فما فوق"، وهو انجازٌ رائع، يعالج الزواج المبكر، الذي ساهم في تدمير الكثير من العائلات العربية الفلسطينية في الداخل، ثم هناك قانون تمّ اقراره في القراءة التمهيدية، حول ضمن مكانة لائقة للنساء في التمثيل البلدي ، وهو أيضًا قانونٌ يرفع من مكانة المرأة ويرفع مستوى الوعي لدى نساءً.

بقعة ضوء في عتمة الطريق

بناءً على ما سبق فأنّ بقعة ضوء في عتمة الطريق تتسع وتُصبح أكثر وضوحًا، أنّ المرأة الفلسطينية في الداخل يجب أن تطوّر نفسها وتعي جيدًا، أنّه لا تغيير بدون رفع الصوت، هكذا خاضت النساء في الماضي صراعاتٍ حياتية كي تحقق ذاتها، وتبنّي مجتمعها، وهكذا نحنُ أيضًا، ستكون النساء الفلسطينيات في الداخل جزء من الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ومعًا نساءً ورجالاً، سنحقّق الانجازات تلو الإنجازات، مِن أجلِ مستقبلٍ أكثر إشراقًا، وفي 25 نوفمبر من العام القادم، بل قبله، نأمل لمجتمعنا ولنسائه واقعًا أكثر تجذرًا في الوطن وتحقيق النصر بالإنجازات العلمية والثقافية، في ظل مساواة وعدل اجتماعي وأخلاقي. 


لكم منا كل التقدير، وباقة وردٍ معطرة مهداة إلى نسائنا في كل بقاعِ الأرض

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]