قررت أكتب اليوم من واقع عملي اليومي ولأني مؤمن أنه بالإمكان أن نكون أفضل ويكون الأداء الإعلامي والتواصل مع الناس أفضل. هناك أسباب كثيرة دفعتني لكتابة هذا المقال منها: أولاً: قبل أيام اجتمعنا_ مدراء الإعلام والعلاقات العامة في المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية_ مع أمين عام مجلس الوزراء والمتحدث باسم الحكومة، وذلك لمناقشة الواقع الإعلامي لمؤسسات الدولة.
ثانياً: حالة عدم الرضا في الشارع الفلسطيني على أداء المؤسسات بنسب مختلفة طبعاً. ثالثاً: الإشاعات المدمرة لروح العمل المؤسساتي. رابعاً: ازدياد الأخبار القاسية التي تواجهها مؤسساتنا. خامساً: صعوبة المرحلة التي يعلمها الجميع التي تواجهها القضية الفلسطينية بشكل عام. وهنا سأحاول_مجتهداً_ أن أضع خبرتي خلال 15 شهر بموقع مدير عام الإعلام والعلاقات العامة بوزارة المالية منتدب من وزارة العمل لطرح ومعالجة الواقع الإعلامي:
هناك غياب للمفهوم الحقيقي لعمل الدوائر الإعلامية في المؤسسات الحكومية بنسب مختلفة متفاوتة من أعلى رأس هرم المؤسسة وصولاً الى القاعدة، وهذا ما يجعل الإعلام في مؤسسة ما يتمحور فقط في أخبار تسلط الضوء على نشاطات يقوم بها رأس هرم المؤسسة، تاركاً الإنجازات - وهي كثر بالمناسبة - بشكل يومي يتم تحقيقها من قبل الموظفين بالميدان بمختلف المحافظات والدوائر الحكومية التابعة لها. ومن زاوية أخرى ربما يتم تهميش هذه الإدارة كلياً على الصعيد المهني والعملي، وربما أيضاً على الصعيد البنيوي والهيكلي للمؤسسة ذاتها.
على سبيل المثال لا الحصر لا يوجد في هيكلية وزارة المالية إدارة عامة للإعلام والعلاقات العامة على الرغم من أهمية عملها اليومي والمباشر مع كافة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والدولية أيضاً وكذلك مع كل مواطن فلسطيني. باختصار نفتقر لرؤية واضحة حول الإعلام الحكومي رغم أنها من أهم ركائز الحكم الرشيد الذي نجمع كمجتمع أنه مطلب وحق.
غياب هذه الرؤية والإدراك الحقيقي لأهمية هذا التخصص وعمله في المؤسسات الحكومية يترجم ايضا بعقبات داخلية تواجه ذوي الاختصاص ومنها عدم التعاون من قبل بعض الدوائر في ذات المؤسسة مع الطاقم الإعلامي. أيضا، هناك عدم إدراك لأهمية العمل الإعلامي وحقيقة أن هذا العمل مكمل للجهد التقني ولا يمكن أن يحصل بشكل عشوائي أو متقطع أو أن يكون رهين الصدفة. الأداء الإعلامي بحاجة إلى خطة واضحة يضعها المختصون وتكون مبنية على أهداف وسياسات المؤسسة وهو ليس عملا توثيقيا من باب رفع العتب أو الحديث عن فعاليات. العمل الإعلامي الحكومي يجب أن يكون هادفا ولديه رسالة تتخطى الحدث الاني وحتى الشخوص المعنيين لأنه الرسالة الثابتة لمؤسسة لا تتغير بتغير من يقودها.
عدم التعاطي مع وسائل الإعلام المختلفة يجعل الرواية الحكومية غائبة في أغلب التحقيقات والقصص الصحافية وحتى الأبحاث التي تقوم بها المؤسسات الأهلية، مما يحصر الرواية الحكومية في رد الفعل مع أنه المطلوب هو المبادرة. الأمثلة على ذلك يومية، ما عليك سوى مقارنة أي وسيلة إعلامية بشكل يومي لتخرج بهذا الاستنتاج، لذلك يلجأ البعض لمهاجمة وسائل الإعلام للأسف وهو لم يعمل وظيفته الداخلية بخصوص أي خبر كان. وعدم التواصل مع الإعلام وتوفير المعلومة لا يعني أن الإعلام لن يتناول الخبر لكنه يعني بالضرورة أن الطرف المتمنع – نتيجة تقصير أو عدم دراية حقيقة بطبيعة واجبه ومقتضيات العمل المهني – هو من يقصي نفسه عن الخبر ودائرة الفعل والتأثير. وسائل الإعلام لا تنتظر أحد، علينا أن نذهب لها بما لدينا مباشرة، وأيضاً علينا الاقتناع بأن وسائل الإعلام تبحث عن الخبر الطازج والسبق الصحفي فهي لن تنتظر أحد خصوصاً في عصر الثورة التكنولوجية الإعلامية. وهنا يجب الانتباه أن هذا التقصير ينتج عنه انعدام للثقة بين وسائل الإعلام والجهات الحكومية وهذا يفقد أي جهاز حكومي أهم أداة له للتواصل مع الرأي العام والتأكيد على التزامها بمبادئ الحكم الرشيد. بعد ذلك أطلب من كل وسيلة إعلامية أن تلتزم بالمبادئ المهنية فلا يعقل أن ينشر خبر كاذب باستقالة المتحدث بإسم الحكومة وهو على رأس عمله، سأتحدث بمقال منفصل عن الإعلام المحلي ودوره في رسم صورة المؤسسات.
حق الوصول للمعلومة حتى وان لم يكن مشرعا في القانون حتى الان هو مبدأ يجب أن تتعاطى كل مؤسساتنا به فالمعلومة ليست حكرا على أحد، وهي أيضاً أكبر ضمان للحكم الصالح في العمل المؤسساتي، ومن يعتقد عكس ذلك هو الخاسر الوحيد وخصوصاً في غياب القوانين التالية: قانون حق الحصول على المعلومات، قانون الإعلام الإلكتروني، قانون المرئي والمسموع. بالتالي ومع غياب المجلس التشريعي الضمان الوحيد هو التواصل السليم والبناء والهادف مع السلطة الرابعة من أجل ضمان الحكم الصالح في كافة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية. عدم وجود هذه التشريعات ليس عذرا. بالإمكان والواجب أن يكون الأداء الإعلامي أفضل وبالتأكيد يجب أن يكون هذا الأداء مبادرا. لدينا ما يكفي من المنغصات وتحسين الأداء في هذا المجال فرصة لتوضيح النجاحات الكثيرة التي لا يعرف عنها أحد للأسف.
[email protected]
أضف تعليق