ممكن ما سأكتبه في هذا المقال هو رومانسي، خيالي، جدلي، فلسفة ممكنة؟ فبالإمكان أن نرضى بالنصيب ونكتفي بما هو موجود، بالإمكان أن نقول قضاء وقدر، لكن هل سنستطيع النوم بعد ذلك؟ بالإمكان أن نضع التبريرات التي نصدقها_رغم كذبنا على أنفسنا_ لأي أحداث كانت أو ستقع في المستقبل لأننا أصبحنا نملك الرؤية المستقبلية كالأنبياء والمنجمين ونفهم بكل شيء! عشان أكون أكثر تحديدا في صلب الموضوع ما أقصده هو علاقتنا مع الموت.


قبل كل شيئ، اليقين الأساسي هو أن الجميع سيموت... الغني والفقير، السيد والعبد، الراعي والرعية، نحن جميعاً متساوون أمام ملاك الموت بالمطلق، لكن أسباب الموت هي المختلفة بكل تأكيد، غرق، خنق، حادث سير، حرق، تسمم، خطأ طبي، رصاصة طايشة... الخ. بس في حالتنا الفلسطينية شيء مختلف، إحنا تعودنا على الموت، أو نحن والموت أصبحنا أصدقاء وأهلاً وسهلاً فيه بأي وقت، لدرجة أصبحت أشعر بأنه نحن نعيش من أجل التجهيز للموت، لدرجة في بداية أي شيء يجب أن يكون هناك موت، مثلاً: في موسم الزيتون لازم هناك موت، في بداية الشتاء في موت، أول يوم العيد موت، مع انطلاق العام الدراسي موت، موسم السباحة موت، في موسم عصر الزيتون بنموت في المعصرة، أصبحنا نحن والموت أصدقاء مواسم ومناسبات.... في الأعراس والأفراح بنموت... في نتائج التوجيهي بنموت... إذا أشعلنا شمعة تحرقنا... حتى في حالة ولادة الحياة المرأة الفلسطينية بسبب الأخطاء الطبية تموت... في الطوش والخلافات العائلية في الأسرة النووية او الممتدة بنقتل بعضنا البعض عادي... او حتى في داعي الشرف تكون المرأة الضحية أيضاً وأيضاً وأيضاً..


الموت شيئ عادي وكأننا نعاقب أنفسنا بموتها وقتلها وتعذيبها، كأن الموت هو المخرج من مآسي الحياة، أو موتنا له علاقة مع ما ورثناه من سيدنا آدم، يقال إن الموت دخل العالم بسبب خطيئة آدم التي أدت الى طرده من عالم الخلد، فأصبح لأول مرة قابلاً للفساد والموت؟! أم أن بحث آدم عن الحرية كما نحن نبحث عنها في كل مكان وزمان هو البحث عن ما بعد الحياة؟!! ام نحن نعاقب حياتنا على أخطائها كما هي خطيئة آدم فعاقبه الله... إذن الخطيئة تعبير عن ممارسة الإنسان لحريته بالتالي هناك ارتباط وثيق بين الموت والحرية؟!


الاسبوع الماضي، ومن كثرة حوادث الموت تفكير غريب يقتحم ذاتي بسؤال ربما يكون سخيفا للمرة الأولى إذا فكرت فيه بسرعة دون الغوص في المعنى الحقيقي للسؤال: هل روح جلجامش منصهرة في الجسد الفلسطيني؟ بحيث لا نخشى الموت. بمعنى الملحمة الفلسطينية هي استمرار لملحمة جلجامش، فما زلنا نتأمل معنى الموت. وربما نحن الفلسطينيين نحاول حل شيفرة أو ومشكلة كيفية الحياة في ضوء الحقيقة المريرة القائلة بأن هذا التغيير الجذري من الحياة الى الموت هو أمر حتمي؟! مواجهة الفرد الفلسطيني "جلجامش" للموت ليست كاملة،الإيمان باللاموت؟! أو ربما لتفق الشعب الفلسطيني مع أفلاطون وقرر بأن يخطوا خطواته، فقد صوَّر أفلاطون الموت كخلاص يسمح للنفس بأن تتحرَّر من سجنها الجسدي وأن تتعرف إلى مصيرها. "أن الموت هو الوسيلة التي بها يتيسر بعد ذلك للفيلسوف أن يفكر جيداً".


بالنسبة لما سبق فالموت في هذه الحالة ليس مشكلة من سيموت، ولكنه مشكلة لنا نحن الأحياء حتى هذه اللحظة، فليست المشكلة في الموت ولكن في فراق من يموتون... وهنا يأتي سؤال آخر قد يكون أيضاً ساذجا وممكن بلا معنى: لماذا لا نحافظ على ذاتنا من الموت وذات من حولنا حتى لا نفقدها؟! لأننا لا نريد فراقهم، والأخطر من ذلك وفي حالة الموت الفلسطيني ازدياد حالة موتنا بأيدينا، وإذا ما ربطت ذلك فيما سبق أستنتج وقد أكون مخطئ عدد من الإشارات: حالة الخلاص التحرري أصبحت واضحة فقط بأننا نريد الهروب من واقعنا بفقدان ذاتنا، ازدياد الانشغال الذاتي بمحيط آخر قد يؤثر بالنسيان لما يجب علينا ان نعمله من أجل حماية من حولنا، طعم الحياة أصبح مر .. مجهول.. بالرغم بأننا نكابر أو نضحك على ذاتنا من خلال شعارات وكلمات هنا وهناك.


علينا جميعاً أن نحمي أنفسنا بأنفسنا، ونبني ثقافة جديدة بعيدة عن الهروب والتيه المعاش بشكل يومي بكافة جوانب الحياة، من خلال التوعية والإرشاد لأبسط الأمور الحياتيه على سبيل المثال لا الحصر: كيفية استخدام المواد الكيماوية من منظفات....الخ، السلامة المهنية، السلامة على الطرق، دورات إسعاف أولي، كيفة التعامل مع الكوارث الطبيعية. نعم نحن نحب الحياة والتحرر لكن علينا العمل لتنفيذ ذلك بشكل عملي ومدروس.
• هذا المقال إهداء الى أرواح الأطفال والشباب الفلسطيني الذين واجهوا الموت قبل أسبوع إما اختناقاً أو أخطاء مرورية أو غرقاً بسبب نيران تمسي صديقة؟!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]