فجأة "ازدانت" أعمدة الكهرباء وأشجار الدوارات وزوايا الشوارع وواجهات البيوت بمئات الصور واللافتات الكبيرة. صور تحمل سحنات ووجوه مختلفة منها العابس ومنها المبتسم ابتسامة مصطنعة، منها الناظر نحو البعيد في جلسة تأملية ومنها المعتني بتصفيف شعره والحريص على عدم تمرد أي شعرة من رأسه عن التسريحة المتبعه. لافتات تحمل أسماء لا عد لها ولا حصر وحروف اللغة العربية لم تعد تكفي للقوائم والأحزاب والكتل الانتخابية، وربما يكون ذلك الأمر الايجابي الوحيد أن القوائم تختار أسماءها باللغة العربية وليس العبرية أو الانجليزية على غرار المحال التجارية.
شهر ونحن نعيش في غابة من اللافتات والصور الضخمة، حجبت الرؤية، غابت الورود والأشجار وحضرت صور المرشحين وحروف القوائم، لا توجد زاوية أو ركن، لا دوار ولا منعطف يخلو من الصور واللافتات، وعلى المواطن أن يتحمل ويختنق في غابة لم يختر زيارتها أو التمتع بالتجوال بين أحضانها.
طائفية؟!
أسماء تحتار في معناها ورسالتها.. كم من قائمة تحمل اسم الوحدة، منها من تسعى لوحدة الطائفة ومنها وحدة العشيرة أو العائلة، والملفت للنظر هناك من يحمل شعار وحدة البلد؟! وتتساءل كيف تكون الوحدة في ظل الانقسام والشرذمة؟ وما هو مفهوم الوحدة لديهم؟ وكيف لقوائم تحمل اسم الوحدة وتلوح بها، وهي ذاتها انفلقت أو خرجت من رحم قائمة أخرى، وتلك القائمة خرجت من رحم حركة أسبق، وهكذا دواليك فكم انقسام حصل وكم من شرذمة وقعت باسم "الوحدة"، وكأن ذلك لا يكفي فتسمعهم يقدمون النصائح بأهمية الوحدة ويحدثونك بالعبر عن مخاطر التفرق والتشتت، وتضحك في سرك ولا تستغرب، وتهمس لنفسك قبل أن تعظوا الآخرين ابدأوا بأنفسكم! وماذا مع القوائم التي تحمل اسم طائفة ما، في طموح منها لأن تمثل أبناء الطائفة أجمعين، لكن واقعها يقول أنها لا تمثل سوى مجموعة داخل هذه الطائفة أو تلك، لأن هناك أكثر من قائمة داخل نفس الطائفة، فمن يحق له حمل اسم الطائفة؟
مدّعو التجديد والتغيير
أسماء تحتار في مدلولاتها، فهناك من يتغنى بالأمجاد وهو بعيد عنها وقد سبق وخسرها. والبعض يظن في نفسه الخلاص وهو يحتاج الى من يخلصه من آفاته، وفئة تدعي التجديد والتغيير وهي أحوج ما تكون الى ذلك، أما من يسعون للنهوض والعمران كثيرون لكنهم متقاعسون وكسالى، وبعض يظن نفسه يسير في الاتجاه الصواب ولا يعرف الى أي منحدر يتجه، وهناك من تحمل اسم الأمل ووضعها يدعو لليأس والرثاء وأخرى تنادي بالحياة وهي في موات، وغيرها تحمل اسم الغد وهي تعيش الأمس، وهناك البشرى لكن بشراها ليس أكثر من نعيها.
أسماء عديدة وكثيرة تناقض أسماءها الجميلة. فمن كثرة الأشجار لم نعد نرى الشمس، وهكذا من كثرة الأسماء لم نعد ننتبه لمدلولاتها، التي أكل عليها الدهر وشرب، وآن للقوائم أن تبدأ بتغيير وتعديل أسمائها بما يتلاءم وعمرها الانتخابي.
أما في أمر الصور فحدث ولا حرج، فيظن المرشحون اليوم أنهم كلما ضخموا وكبروا في صورهم كلما حصدوا أصواتا أكثر، فلو كان الأمر يتعلق بحجم الصورة وعدد الصور المعلقة في الشوارع والساحات، لعرفنا من المرشح الفائز قبل فتح الصناديق.
ما ذنب المواطن؟!
وما ذنب المواطن أن يشاهد سحنات ووجوه "يعوذل" عندما يشاهدها كل صباح وهو متجه للعمل، وما هي خطيئة المواطن حتى يستحق عقاب رؤية أشكال لا تجلب له غير الشؤم. وما يثير الغرابة انجرار الأحزاب السياسية والوطنية منها وراء الموضة، فأخذت هي الأخرى تغيب الكلمة والبرنامج لصالح الوجوه والصور الكبيرة، وهكذا لم يعد الناخب يختار البرنامج انما الصورة، ولهذا يجب البحث عن مرشح أو مرشحة ذات وجه "فوتو جنيك"، وكأنهم داخلون في مسابقة جمال أو أناقة، فحتى صور المرشحين بملابس العمل أو مهنة ما لم نعد نعثر عليها، وهكذا كأن البلدية باتت دار أزياء وتبحث عن عارضين وعارضات ذوي قدود ممشوقة وخصور نحيلة، وليست دارا للتخطيط والبحث والوقوف على احتياجات السكان والبلد، وبالتالي تحتاج إلى أدمغة وعقول وليس الى دمى بأشكال وألوان مختلفة وبراقة.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
انا بفهمش فلسفتكو يعني بدك اتفهمني انو لو كنت انت مرشح رئاسة او عضو بدك تمنع هاي اللفتات تتلزق على عمدان الكهربا ولا على الدوارات