لست أفهم إلى اللحظة لماذا علينا الاستمرار في مفاوضات عبثية غير مجدية أبداً، في الوقت الذي يتطاول فيه الاحتلال الإسرائيلي علينا بالاستيطان وبالاقتحامات وغيرها، دون أن يكون لنا أي رد فعل من شأنه أن يزعج حكومة نتنياهو؟
محصلة المفاوضات إلى هذه اللحظة صفر، وأجزم أنها لم تحقق شيئاً جديداً يضاف إلى السيرة الذاتية للمفاوضين، هذا على صعيد اللقاءات وما يدور حول الطاولة، أما على الأرض فالأمور مختلفة كثيراً، ويبدو أن الاستيطان يتقدم والأرض الفلسطينية تتراجع.
وأجزم أن الكثير من الفلسطينيين ضد المفاوضات، إن لم يكن الموقف منذ بداية انطلاقتها، فعلى الأقل يمكن الاحتكام إلى هذه المفاوضات حالياً، والاستنتاج البديهي بأنها فاشلة بامتياز، لأنها لم تجلب السلام الذي يطمح إليه الرئيس عباس.
لقد حدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري مهلة 9 أشهر للمفاوضات بين الثنائي الفلسطيني والإسرائيلي، على أمل أن يتوصل الطرفين فيها إلى نهاية لهذه الرحلة، ومع ذلك يواصل الطرف الفلسطيني رفع غصن الزيتون في يده، واعتبار السلام خياراً استراتيجياً لا غنى عنه!!
لكم أن تتخيلوا يا رعاكم الله، أن عمر المفاوضات يناهز عمر شاب بالغ، منذ انطلاقة مدريد إلى هذه اللحظة، ولم نتوصل إلى سلام حقيقي، سوى "خوازيق" أصابت الحالة الفلسطينية برمتها، ومع ذلك نتمسك بالسلام في مواقع السلم والحرب.
أقترح على الوزير كيري وغيره من المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين أن يخبروني ويخبروا الشعب الفلسطيني، كيف يمكن للمفاوضات أن تنتهي بسلام في مهلة عمرها 9 أشهر، لم تنجح منذ بدايتها وأشواطها الحالية من إحراز أي تقدم، في حين أن عمر المفاوضات الأساسي يتجاوز هذه المهلة وما يزال الرصيد التفاوضي برمته تحت الصفر؟
لعلها معركة لكسب الوقت، ولعلها محاولات أميركية وإسرائيلية لتثبيت وقائع على الأرض، وابتلاع الأراضي الفلسطينية وتفتيت المفتت في الضفة الغربية تحت رعاية سلام المفاوضات، ذلك أن الأخبار المتتابعة لا تبشر بالخير من طرف الأعداء.
لقد استباحت إسرائيل مقدساتنا ودنستها وهي تسعى بقوة من أجل تهويدها وتغيير المعادلة الجغرافية ومعها الديمغرافية في محيط القدس، ومع ذلك نواصل المفاوضات، ومن على منبر الأمم المتحدة يطالب الرئيس عباس من إسرائيل أن تبني السلام وليس المستوطنات!!
حسناً، ماذا قالوا في موضوع التفاوض والقضية الفلسطينية على هامش انعقاد اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك؟ باختصار لم يكن هناك خبر مهم ويستحق الإشادة أو التصفير عليه يخص محور المفاوضات وقضيتنا، لأن الولايات المتحدة والمجموع الدولي منشغل بموضوع الكيماوي السوري والنووي الإيراني.
أوباما أشار إلى الموضوع الفلسطيني سريعاً، مصمماً على "سالفة" حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، دون أن ينسى حديثه المكرور والمستهلك عن التزام بلاده بأمن إسرائيل. ثم يطل علينا الوزير كيري بتصريح يؤكد فيه اتفاق طرفي الصراع على تكثيف المفاوضات وإشراك واشنطن فيه.
هذه الجرعة الزائدة من تكثيف المفاوضات، خاضعة بطبيعة الحال لمعيار الارتباك المتنامي في الضفة الغربية، وعلى خلفية التصعيد الاحتلالي الاستيطاني في مسجد الأقصى، فضلاً عن الاقتحامات التي سبقت وتلت مقتل جنديين إسرائيليين في قلقيلية والخليل.
إسرائيل تريد أن تكرس عبر المفاوضات الحالية بقاء السلطة الفلسطينية عند مستوى الحكم الذاتي، مجرد سلطة تقوم ببعض الخدمات لشعبها، من ضمن ذلك ضخ الرواتب والحفاظ على أمن إسرائيل وعدم إسقاط خيار السلام أبداً، والأهم عدم امتلاك الفلسطينيين قوةً تمكنهم من تغيير موازين القوى.
والغريب في الأمر، أن السلطة تسير في المفاوضات وعورتها مفضوحة تماماً، فأولاً: يخدم الانقسام الفلسطيني الداخلي إسرائيل كثيراً، لأن الإرادة الفلسطينية غائبة والجميع في حالة انشطار وانقسام أفقي وعامودي، وأي مفاوضات طرفها ضعيف وممزق داخلياً، لا يمكنها أن تجعله نمراً أو حتى يدعي التنمر.
ثانياً: أي مفاوضات هذه يبقى فيها الطرف الفلسطيني متمسكاً بخيار السلام أولاً وأخيراً، دون أن يبدل تكتيكه حسب مستجدات اللحظة؟ أليست السياسة فن الممكن ومراوغة وبراغماتية؟ ولماذا "يتشطر" الفلسطينيون على أنفسهم ولا "يتشطرون" ويتذاكون على إسرائيل؟
ثالثاً: صرح الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، أن المرجعية التي تتحرك على أساسها السلطة هي التي يرضى بها الشعب الفلسطيني، ذاكراً أن أوباما تحدث لأول مرة عن أن مرجعية المفاوضات بالنسبة للأميركان هي حدود العام 1967.
رداً على أبو ردينة، نعم لدى الشعب الفلسطيني مجموعة مطالب حتى يرضى باستمرار المفاوضات، وقلتم إن الأخيرة مبنية على فرضية قيام الدولة الفلسطينية في حدود العام 1967، لكن لم تشرحوا للشعب ما هي الضمانات لإنجاح مثل هكذا مفاوضات، ثم إن الشعب لم يفوض السلطة أبداً للدخول في هذه المفاوضات.
أما تصريح أوباما، فهو مستنسخ من تصريح قديم للرئيس الأسبق جورج بوش الابن، الذي دعا ولأول مرة أيضاً في عام 2002، إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش بجانب إسرائيل. ما نتيجة كلام بوش؟ رحلت إدارة الرجل وتواصل الحديث المعسول عن الدولة الفلسطينية الموعودة!!
سيذكر التاريخ أن حديث أوباما ليس سوى مصدر يتناوله الباحثون والدارسون في السياسة، ومن المستبعد أن يكون مرجعاً لدى صانع القرار الإسرائيلي، الذي يرفض إلى اللحظة دولة فلسطينية على جزء بسيط من الضفة الغربية بسيادة كاملة، فكيف إذن يقبل بدولة فلسطينية على حدود 1967؟
حالياً توضح المؤشرات نية الولايات المتحدة نزع فتيل التوتر الحاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمنعكس على أجواء المفاوضات، وترغب في شراء الوقت ونصح الإسرائيليين عدم التصعيد كثيراً لمنع قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة.
ما يهم الأميركان في هذا الوقت بالذات، هو بذل كل الجهد لتخليص سورية من السلاح الكيماوي، ولعل هذا يخدم أولاً الأمن الإسرائيلي، وثانياً إخلال ميزان القوى في المنطقة لصالح إسرائيل وبقاء تفوقها، وهذا بطبيعة الحال يريح الاحتلال الآن وآجلاً.
وما يهم إسرائيل أيضاً، هو وضع حد للبرنامج النووي الإيراني لتأمين القوة والنفوذ الإسرائيليين، ومواصلة تعميق الاحتلال ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة، ويبقى التفاوض خياراً جيداً لإسرائيل وغير مكلف، "يبسط" الأميركان والأوروبيين، وفي ذات الوقت تكون إسرائيل أحكمت قبضتها استيطانياً وعززت من وجودها في الضفة الغربية.
أما نحن الفلسطينيون فما نزال نراهن على غصن الزيتون، وندخل المفاوضات بدون أي ظهر، لا شعبي ولا أميركي ولا حتى دولي، وصارت المفاوضات بالنسبة لنا خياراً استراتيجياً، حال السلام الذي لا نعلم كيف يمكن أن يتحقق في ظل ظروف ومتغيرات كلها في غير صالحنا.
[email protected]
أضف تعليق