عدنا الى المرجعيّة الروحيّة ،وهي مكتب مشيخة عقل طائفة الموحّدين الدّروز في لبنان ،لنجد البيان التّالي بمناسبة قدوم عيد الاْضحى المبارك، فاقتبسنا بعض الفقرات التّالية :

العيد سُمّي عيداً ،لاْنّه يعود بالفرح والسّرور على اْهله ،المعنى الاجتماعي للعيد:هو يوم تجديد وتمكين للروابط الاجتماعيّة ،على اْساس من الحُبّ والوفاء والإخاء،في هذا اليوم يتذكّر الغنيُّ اْخاهُ الفقيرَ،والقويُّ الضّعيفَ ،اْمّا المعنى الدّيني للعيد فهو :شكر لله على تمام العبادة .

في البند الثّاني للبيان ،اْعياد طائفة المُوَحِّدين الدّروز ، جاء :ليس لطائفة الموحّدين الدّروز اْعياد خاصّة ،وبما اْنّ هذه الطّائفة هي إحدى الطّوائف الإسلاميّة ،فإنّ عيد الاْضحى المبارك يحظى باْهمّيّة كبرى ،اذا كان الفطر بعد الصّيام هو فرح بمائدة الطّعام في الدّنيا ،وهو رمز لفرح الطّائعين الصّابرين بِرَيِّ النّفوس من رويّة الملك القدّوس في الآخرة،فالاْضحى هو العيد الاْكبر ،حيث ياْتي بعد مشقّة الحجّ،والتّقرّب الى الله بالقربان المفروض .
ومضى البيان قائلاً :عندما يهلّ شهر ذي الحجّة من كلّ عام ،تجري العادة لدى اْبناء طائفة الموحّدين الدّروز على القيام بالعديد من الواجبات الدّينيّة والاجتماعيّة ،فَتنبُتُ في نفوسهم حركة سعي تفوق الحركة الاعتياديّة ،فَيَتَقَصَّدون بِنِيَّة البَرَكَة والاستفادة الى المجالس والخلوات والمقامات والمزارات ،والمشايخ الاْجلاّء ،طلباً لسماع التّلاوة المباركة والمُذاكَرات الدّينيّة .
في الفقرة التّالية من هذا البيان الهام نقراْ :يُسْتَحَبّ اْن ينذر الموحّدون الاْيّام العشرة الاْولى التي تُسمّى / عُشر العيد / من الشهر المبارك للعِفّة والصّوم والصّلاة وزكاة اْموالهم بالصّدقات والحسنات ، ويلهجوا بالدّعاء والاستغفار ،ابتغاءً لِمَرْضاة الله بالاْعمال الصّالحة واستغفاراً بقدوم العيد الكريم .
هذا البيان يخلص الى القول :علينا اعتماد العقل والحكمة والاعتدال في الاْقوال والاْفعال ، والتّمسّك بالفضائل والشّرف والتّقوى في الاْعمال ، والتّمييز بين الحلال والحرام ، والرّضى والتّسليم في كلّ حال .

*القرآن الكريم *
بعد هذه المداخلة ،لا بدّ لنا من العودة الى القرآن الكريم ،وما تيسّر به من آيات الله البيّنات في هذا المجال ،فنقراْ معاً بِتَاَْنّ وإمعان ،لعلّ في ذلك عبرة لمن يعتبر من الذين شطحوا شطحات ،واعتمدوا الغيبيّات والشّهوات لمُراضاة سلطان جائر :
اْقسمَ الله تعالى بهذه الليالي ،العشر الاْولى من شهر ذي الحجّة ،القَسَم يلفت الاْنظار الى عظيم فضلها ،كما جاء في آيات الله البيّنات/سورة الفجر/مكّيّة :
والفجر وليالٍ عشر ، والشّفْع والوتر ، والليل اذا يَسِرَ، هل في ذلك قَسَمٌ لِذي حِجْرٍ،اْلَمْ تَرَ كيف فعل ربُّكَ بعاد ، اْرَم َ ذات العماد ..../صدق الله العظيم .
هذا القَسّم العظيم : وليالٍ عشر ،قيل الليالي العشر الاْولى من ذي الحجّة ،والشّفع ،اْي يوم النّحر /الذّبح / يوم الاْضحى ، والوَتر ، اْي اليوم التّاسع/يوم عرفة، وقيل الصّلاة فيها شَفْع كصلاة الفجر والظّهر ، وَوَتْر كصلاة المغرب.
خاتمة هذه السّورة هي عِبْرة لمن يعتبِر ، وَعَبْرة لمن يفقد عزيزاً عليه :
يا ايّتها النفس المطمئنّة ارجعي الى ربّك ِ راضية مرضيّة ،فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي !
وجاء في سورة الحجّ كذلك : وَاْذِنَ في النّاس بالحجّ ياْتوك رجالاً....
ما يحملنا على ولوج هذا الموضوع ،هوعيد الاّضحى المبارك ،الآتي بخطى حثيثة ،بعد اْيّام العُشْر الفضيلة التي تسبق هذا العيد ،عيد التّضحية والفداء ،عيد الوفاء والسّخاء ،حتى لو كانت الضّحيّة هي فلذة الكبد واْغلى الاْبناء ،والعرب المسلمون بكافّة طوائفهم،يسمّون هذا العيد ب :العيد الكبير ،في حين يسمّى نِدّه عيد الفطر بالعيد الصّغير ! ويتندّر اْهلنا بعفويّة وبساطة اذا خطب وتزوّج الاْخ الصغير قبل الكبير : ما الغرابة فالعيد الصّغير يسبق الكبير .
الموَحِّدون المعروفيّون يولون هذه الليالي اْهميّة خاصّة ، اضافة لما تقدّم ،حيث يتلون النّصوص الدّينيّة ،المذهبيّة ، الروحيّة ،المواعظ الاجتماعيّة والاْشعار الصّوفيّة ، اقتداءً بالسّلف الصالح ، وبعضهم يصومونها لتطهير النّفس من الشّوائب والعوالق ،اضافة الى صيام اللسان والجوارح عن كافّة ما يغضب الله تعالى ، الاْمر الخاص في ليالي العُشْر اْنّها متتالية ، يعتبرونها اْفضل اْيام الدّنيا ، واْعظم اْيّام السّنة ، فهي اْيّام الحج :/ ولله على النّاس حجّ البيت مَن استطاع اليه سبيلا/ آل عمران / .ويعتقدون اْنّ الاْنبياء والرّسل والسّادات الكرام سيظهرون من جديد لتخليص المؤمنين من الحروب ، الويلات ،المِحَن والشّر ،والانتقال من دار الدّنيا الى دار الآخرة !
• ليالي العشرومدلولاتها *
هناك من يفسّر اهميّة ليالي العشر على النّحو التّالي:
-في اليوم الاْوّل غفر الله فيه لآدم، مَن صامه غفر الله له ذنوبه .
-في اليوم الثّاني استجاب الله لدعاء يونس /ع/، مَن صامه كعبادة سنة لم ياْت فيها بمعصية.
-في اليوم الثّالث استجاب الله لدعاء زكريّا/ع/ .من صامه استجاب الله دعاءه .
-في اليوم الرّابع وُلِدَ السّيّد المسيح /ع/ ، من صامه نفى الله عنه الياْس والفقر .
-في اليوم الخامس وُلِدَ موسى /ع/،من صامه بَرِئ من النّفاق وعذاب القبر .

-في اليوم السّادس فتح الله لنبيّه محمد/ص/اْبواب الخير ، من صامه يرحمه الله ولا يُعَذّبه اْبداً.
-في اليوم السّابع يغلق الله ابواب جهنّم ،ولا تُفتح حتى تتمّ العشرة /من صامه اْغلق الله عليه ثلاثين باباً من العُسْر ،وفتح له ثلاثين باباًمِن البِشْر والفرح.
-في اليوم الثّامن هو يوم التوبة ، من صامه اْعطى له الله من الاْجر ما لا يعلمه الاّ الله.
-في اليوم التّاسع ، يوم الوقوف على جبل عرفة ،هو اْفضل يوم طلعتْ فيه الشّمس ،وهو يوم الحجّ الاْكبر .
-في اليوم العاشر ، يوم العيد ،مَن قدّم قرباناً/ اضحية لوجه الله /يوم النّحر /، غفر الله له ذنوبه وذنوب عياله ،ومَن اْطعم فيه مؤمنا بِصَدَقَة خالصة لوجه الله ، بعثه الله يوم القيامة آمناً .
* اْشهر السّنة الهجريّة ومدلولاتها *
نحن نعود على هذه القِيَم كي نُرَسّخها في نفوس اْجيالنا النّاشئة،نضيف اليها اْشهر السّنة الهجريّة ودلالاتها :


1-مُحَرّم : حرّم العربُ القتالَ فيه .
2-صَفَر :لاْنّ ديار العرب كانت تَصْفِر/تخلو/من اهلها استعداداً للحرب ،يتركون من كان صِفْر المتاع .
3-ربيع الاْوّل : تسميته جاءتْ في الرّبيع آنذاك .
4-ربيع الثّاني :يرتع العرب فيه مع قطعانهم في الحقول .
5-جمادي الاْوّل :لوقوعه في الشّتاء ، حيث تتجمّد المياه .
6-جمادي الآخرة :سُمّي كذلك لنفس السّبب.
7-رَجَب :رجب/نزع/ العربُ الرّماحَ من الاْسِنّة وتوقّفوا عن القتال ،وهو من الاشهر الحرام .
8-شعبان : شَعَّبَ /فَرّقَ/بين رجب ورمضان ، يتشعّب النّاس طلباً للماء .
9-رمضان : شهر الصّيام ،سُمّي كذلك لرموض/شدّة الحَرّ ووهج حرارة الشمس آنذاك.
10- شوّال :تُشَوِّلُ النّوقُ فيها باْذنابها اذا حَمَلَتْ ونقص لَبَنُها ،اْوّل اْيّام الفطر .
11-ذو القعدة :يقعد العرب ولا يغزون ولا يرحلون ،وهو من الاْشهر الحرام .
12-ذو الحجّة :به الحجّ الى بيت الله الحرام في مكّة المكرّمة والطّواف حول الكعبة وغيرها من مناسك الحجّ كا لتّشريق ، الاحرام ،الانساك ،الصّفا والمروة ...المُزدلفة ، منى ، التّروية ،عرفة وغيرها .اذن اْشهر الحرام/ الحرم هي :محرّم ،رجب ،ذو القعدة وذوز الحجّة .

وقفة عَرَفَة :جبل عرفة شرقي مكّة ،على بُعْد 20 كم، تقام عنده اّهَمّ مناسك الحجّ،وتسمّى وقفة عرفة ، في اليوم التّاسع من شهر ذي الحجّة ،قيل اْنّه سُمّي كذلك لاْنّ النّاس يتعارفون فيه،اْو لاْنّ الملاك جبريل طاف بابراهيم الخليل لِيُرِيَهُ المشاهد قائلاً :اَْعَرَفْتَ ! فَيَرُدّ ابراهيم : عَرَفْتُ !اْو لاْنّ آدم وحوّاء عندما هبطا مِن الجنّة والتقيا ،فعرفها وعرفته .
* عادات وتقاليد *
من عادات الموحّدين في هذا العيد : منع عقود الزّواج بين العيدين : الفطر والاْضحى ،معايدات جماعيّة ،خاصّة لذوات الاْرحام ، ،تقديم شوفة الخاطر /الهدايا للخطيبة وغيرها .عند الموحّدين عيدان ، لا ثالث لهما ،عيد الفطر، رغم اْنّه صودر من قِبَل السّلطة ، كالاْرض والهويّة العربيّة ،في هذا العيد تكون فرحة الاحتفال والافطار على مذهب التّوحيد .ويقع في الاْوّل من شوّال ، وعيد الاَضحى في العاشر من ذي الحجّة ،اْي اْنّ المسافة الزّمنيّة بينهما سبعون يوماً، وهو يرمز للوفاء والبِرّ بالوعد لله تعالى ،حيث نوى ابراهيم الخليل تقديم ولده بِكْرِه ذبيحة /قرباناً / اضحيّة لله عزّ وَجَلَّ !
علينا اْ ن ُنفرّق ونُمَيّز بين العيدين والزّيارات الدّينيّة ، مثل :زيارة مقام الخضر /ع/ السلام ، كفر ياسيف 25/1/ من كلّ سنة ،زيارة مقام النّبي شعيب /ع/ حطّين ، 25/4 ،زيارة مقام مولانا بهاء الدّين /ع/ بيت جن ، 25/7 ،زيارة مقام اليعفوري /ع/ مسعدة /هضبة الجولان السّوريّة 25/8 وزيارة مقام النّبي سبلان /ع/ 10/9
،اْي اْنّ الزيارات ثابتة طبقا للتقويم الميلادي ، في حين اْنْ العيدين يحلاّن طبقا للتقويم الهجري ،وبما اْنّ التقويم الهجري / القمري يقلّ عشرة ايّام عن التقويم الميلادي ،لذلك تتغيّر مواعيد العيدين سنويّاً.
ولن ندخل في الجدل البيزنطي القائم :بِاْيّهما اْراد ابراهيم الخليل اْن يُضحّي ،بابنه بِكره اسماعيل بن هاجر !ا اْ م باْخيه اسحاق بن سارة ! وقد جاء في موروثنا الرّوحي الزّاخر : عِباد الله ! إنّ الصّوم قد تقرّض وذهب ، والفطر قد تعرّض واقترب ،فَكَمْ مِنْ مُصِرّ على المعاصي لم يَتُبْ ومُقيم على المآثِم لم يَاُْبْ !
بقي ان نقول للجميع : حجّاً مبروراً ،سعياً مشكوراً وذَنْباً مغفوراً كلّ عام واْنتم باْلف خير، ترفلون بثياب الرّفاهيّة والعافية ،دون اْن يُكَفّشر اْحدنا الآخر،حتى اذا اختلفنا في بعض المعتقدات والاجتهادات والمواقف ،والذي يجمعنا اْكثر واْقوى من الذي يُفرّقنا ،على اْمل اْن يُخَيّم السّلام الحقيقيّ العادل ، المفقود المنشود على البشريّة جمعاء . آمين يا ربّ العالمين ! ونردّد مع المتنبّي : عيد باْيّة حال عُدْتَ يا عيد بما مضى ،اْمْ بِاْمْر فيك تجديد
نامتْ نواطير مصرَ عن ثعالبها فقد بَشِمْنَ، وما تفنى العناقيد .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]